المقال رقم 4 من 13 في سلسلة كنيستنا وتدوير الهرطقات
لا عجب أن الإخلاء والتجسد كان الهدف الأكبر للاجتهادات التي انتهت بأخطاء فادحة سميت "هرطقات"، الفعل الإلهي يستعصي على التصور البشري ويفتح أبوابًا واسعة،  الأمر دقيق جدا، والاجتهاد به مخاتل ومخادع مع صدق نوايا المجتهدين، كل تفصيله تحوي لغما، إن لم تتعامل معها بإرشاد إلهي، انفجرت بك.

الخلاص والفداء هو عمل إلهي،  ولم يتم بمعزل عن الإنسان وهو محل التبرير، فيقول قديسنا الكبير :

“إن خلاص الإنسان هو تدبير وعمل الله، لكنه لم يتم بعمل إلهي محض بمعزل عن الإنسان، لأنه إذا كان الإنسان قد أساء استخدام هبة الحرية [الإرادة الحرّة] وابتعد عن الله، فينبغي إن يتم الخلاص من خلال حياة إنسانية حقيقية وكاملة يتم استخدام الحرية فيها بالطريقة الواجبة”

(القديس ساويرس الأنطاكي)

ليس فقط الإرادة، بل حياة إنسانية حقيقية كاملة، عن طريق طبيعة إنسانية حقيقية كاملة، بكل ضعفاتها وغرائزها وموتها المحتوم، نقول بالتعبير الكنسي إنه أخذ “إنساننا العتيق” ليجدده باتحاده به، مجربًا في كل شيء، لكنه معصوما بتسليمه إرادته وضعفاته لله، وليدوس به الموت، حتى يخرج إنساننا -محمولا فيه- منتصرا على الموت، الذي بهزيمته لم يعد حتميا.

فالتدبير هو أن يأخذ أقنوم الكلمة “طبيعة بشرية حقيقية وتامة” ممثلة تمام التمثيل للبشر من حيث الجوهر يتحد بها “أقنوميا” ويصيرها واحدا معها بغير اختلاط ولا امتزاج ولا “تغيير” في خصائصها، فيقدسها وتصبح مهيأة لسكنى الروح القدس، ويقدس غرائزها، ويعبر بها الموت منتصرا.

أي خلل في فهم الكلمات السابقة، وبالأخص الكلمات المفتاحية، ستنتج عنها هرطقة فورا.

الاجتهاد الخاطئ في فهم “طبيعة بشرية حقيقية وتامة” سينتج عائلة الهرطقات التي تنتقص من بشرية الأقنوم المتجسد مثل “ال” و””.

الاجتهاد الخاطئ في فهم أقنومية الاتحاد و”صيره واحدا معه” سينتج عائلة الهرطقات الية.

الاجتهاد الخاطئ في فهم أن الأقنوم قد احتفظ لنفسه بكل خصائص طبيعتي لحظة الاتحاد دون أن يطرأ على أيهما أي “تغيير” سينتج الهرطقة المونوفيزية (التي تسمى بالخطأ الدارج “الأوطاخية” كما سنرى لاحقا).

الأمر المثير أن معلمينا الحاليين لم يتركوا واحدة من هذه الهرطقات دون أن ينزلقوا إليها براحة تامة، الأكثر إثارة أن تعليمهم حين يتناولون هذه الهرطقات بالشرح هو منتهى الغرابة، تتساءل حين تسمعهم: هل يعقل أن الجهل قد بلغ منهم هذا المبلغ؟! هل لا يجد أحدهم وقتا يسيرا للقراءة عن الهرطقات؟! فكيف يجرؤون أن يتحدثوا عنها هكذا، والأنكى، يتحدثون عنها في معاهد تعليمية! أم أنهم يعلمون ولكنهم يمارسون التجهيل على الشعب والمتلقين لأغراض يصعب سبر أغوارها.

سأتركك تقرر بنفسك -بعد أن تسمع هذا المقطع- هل هو الجهل المطبق، أم ممارسة التجهيل؟

فلم يقل نسطوريوس أبدا إن العذراء ولدت إنسانا حل به اللاهوت لاحقا،
ولم يقل (أوطاخي)  أبدا إن الناسوت ذاب في اللاهوت كقطرة في محيط،
ولم يقل في “طومسه” إن للمسيح طبيعتين منفصلتين.

بالطبع المقطع السابق هو للعمة الأكبر، والمرجعية الحالية للتعليم الشائع، قداسة مثلث الرحمات ال، وأستطيع بكل ثقة أن أقرر لك أنه لا يحوي معلومة واحدة صحيحة. وأرجو منك عندما ننهي مناقشة هذه الهرطقات، أن تعود للاستماع لهذا المقطع، وأن تقرر بنفسك ماذا أنت فاعل!

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: كنيستنا وتدوير الهرطقات[الجزء السابق] 🠼 مجمع قرطاجنة: إعادة فحص[الجزء التالي] 🠼 هل كان أوطاخي أوطاخيًا؟
رجائي شنودة
[ + مقالات ]