Search
Close this search box.
المقال رقم 5 من 13 في سلسلة كنيستنا وتدوير الهرطقات
يلزمنا بداءة وضع خطوط قاطعة بين أوطاخي كشخص اُستخدم طعما في الحرب المستعرة بين مدرستي أنطاكية والإسكندرية، للنيل من الأخيرة وإقصائها نهائيًا عن الشأن الكنسي، وبين ما اُصطلح على تسميته بالأوطاخية [المونوفيزية] [1] التي لم تكن أبدًا هرطقة معروفة متبناه من مجموعات بعينها، ولكنها توجد في صورة انزلاقات فردية تنصب على العلاقة بين طبيعتي الاتحاد في أقنوم الكلمة المتجسد.

لنبدأ ب، الذي كان راهبًا مسنًا، رئيسًا لدير في القسطنطينية وله شعبية رهبانية كبيرة في أوساط القسطنطينية، بالإضافة لقربه الوثيق من القصر الإمبراطوري لقرابته لكبير موظفي القصر.

لم يكن الرجل لاهوتيًا، لكنه كان ذو ولاء كبير للاهوت الإسكندرية وعاصر انتصاره الكبير في أفسس، ما ساهم أن يكون واعيًا للحرب الدائرة من الأنطاكيين لإعادة تنظيم صفوفهم، وإعادة بعث اللاهوت الأنطاكي اعتمادًا على فهمهم الخاص ورؤيتهم لرسالة المصالحة (كيرلس-يوحنا / الإسكندرية-أنطاكيَة) التي أعادت بعض الهدوء إلى الكنيسة دون أن تطفئ جذوة النار التي بقيت مشتعلة تحت الرماد فوضع الرجل نفسه كنقطة ساخنة مزعجة في قلب المعسكر الأنطاكي الذي كان يعيد ترتيب أوراقه.

دون الدخول في تفاصيل كثيرة يمكن للمهتم أن يعود إليها في المراجع التي سنوردها لاحقًا [2]، ففي جلسة عادية لمجمع أساقفة القسطنطينية عام ٤٤٨م، برئاسة البطريرك فلافيان، اتهم يوسابيوس أسقف دوريليم -سيصفه أوطاخي لاحقا بأنه “عدو قديم”- أوطاخي بالهرطقة، ودون تقديم اتهامات محددة طلب محاكمته، وبغرابة شديدة وافق الأساقفة المجتمعون على طلبه -بعد تردد البطريرك- وقرروا استمرار انعقاد المجمع للاستماع إلى أوطاخي.

رفض أوطاخي المثول أمام المجمع بعد أكثر من استدعاء، حتى حضر في الجلسة السابعة، مصحوبًا بحامية إمبراطورية يرأسها ممثل شخصي للإمبراطور، كان السؤال الاستهلالي عن “الاتحاد” فأجاب أوطاخي بالإيجاب بأنه يعترف باتحاد “من طبيعتين”، تدخل يوسابيوس بصورة أكثر تحديدًا قائلًا: هل تعترف سيدي الأرشمندريت بطبيعتين بعد التأنس؟ وهل تقول إن المسيح واحد في ذات الجوهر معنا حسب الجسد؟

أجاب أوطاخي أنه لم يأت ليجادل، ولكن فقط ليعلن إيمانه، وقدم اعترافًا مكتوبًا بالإيمان رُفض استقباله على الفور وتم تجاهله ولم يدرج بمحضر الجلسة، وستكون هذه النقطة مع نِقَاط أخرى سببا كافيًا للطعن في المجمع.

كان الاعتراف ولا شك مبني على الرؤية السكندرية لأفسس المسكوني ورسالة المصالحة، ولم يكن المجمع المعتنق للرؤية الأنطاكية لنفس الرسالة بقادر على تحمل تبعات إبداء الرأي في هذه الوثيقة سواء برفضها واعتبارها هرطوقية، أو قبولها واعتبارها أرثوذكسية.

بعد عدم قَبُول اعتبار اعتراف الإيمان، قدم أوطاخي تصريحًا شفويًا:

… وفيما يتعلق بحضور الكلمة في الجسد، فأنا اعترف أنه حدث من جسد العذراء، وأنه صار إنسانا بالكمال من أجل خلاصنا.

(أوطاخي)

وبعد طلب للاستيضاح أضاف:

لم أتحدث قبلا عن جسد ربنا بكونه واحد في ذات الجوهر معنا، ولكني اعترف بأن العذراء كانت بالطبع واحدة في ذات الجوهر معنا، وأن إلهنا أخذ جسده منها.

(أوطاخي)

فاستدركه أحد الأساقفة قائلًا: إن كانت الأم هي واحدة في الجوهر معنا، فلابد أن يكون هو نفسه واحدًا في ذات الجوهر معنا!!

فأجاب أوطاخي: فيما تقوله أنت الآن، أنا اتفق تمام الاتفاق.

طُلب من أوطاخي مرة أخرى أن يعترف بوضوح بالعقائد التي نوقشت، وأن يحرم كل من يؤمن بأفكار مخالفة، رفض الرجل بإصرار أن يطلق أي حكم بالحرم، ومع إصرار أعضاء المجمع أن يقر بالطبيعتين بعد الاتحاد، أجاب أنه قرأ المطوّب كيرلس، والقديس ، وكل الآباء المعتبرين في الكنيسة، وهم يقولون “من طبيعتين” كإشارة إلى ما قبل الاتحاد، أما بعد الاتحاد، فلم يعودوا يتحدثون عن طبيعتين بل طبيعة واحدة، وهنا اتخذ المجمع قراره بحرم أوطاخي، لاتباعه أراء فالنتينوس وأبوليناريوس، ووقع على الحكم 30 أسقفًا و23 أرشمندريتا.

لم ينكر الرجل في أية لحظة حقيقة وكمال ناسوت المسيح، أو حقيقية ميلاده من العذراء، والواضح أن تردده في الاعتراف بأن الكلمة المتجسد واحد في ذات الجوهر معنا يعود إلى فهمه أنه لا يوجد “ناسوت مستقل قائم بذاته” في أقنوم الاتحاد في محاولة لاستبعاد كارثة “الابنان” وهو أيضا ما دفعه لرفض “طبيعتين” بعد الاتحاد ربما لم يكن الرجل يملك رؤية لاهوتية كاملة وناضجة بحكم أنه ليس لاهوتيًا متمرسًا، ولكننا بكل ارتياح نجزم -على ضوء وقائع المجمع- أن الرجل لم يكن هرطوقيًا.

الآن وبعد مرور قرون طويلة، يري كثير من المؤرخين أنّ إدانة أوطاخي كان عملا متعجلًا. [3]، وأن أوطاخي لم يكن هرطوقيًا بشكل مؤكد. [4]، وأنه لا يوجد شيء أكثر وضوحا من تأكيده على حقيقة وكمال الناسوت. [5].

سيسفر هذا المجمع وبسبب توافر عوامل أخرى عن أكبر كوارث التاريخ المسيحي، ودفاعًا عن أنفسهم (ممن تسببوا في هذه الكارثة) نسب للرجل ما لم يقله أبدا، مثل تلك الأسطورة عن ذوبان الناسوت في اللاهوت كقطرة خل في محيط، واتهمت الكنائس التي رفضت المشؤوم باعتناق هذه “الأسطورة” التي لم تكن حقيقية أبدا.

الغريب والصادم أن نتبنى نحن نفس هذه الفرية دون تمحيص، وكأننا -بحرم أوطاخي- ننفي عن أنفسنا تهمة لم تكن أبدًا حقيقية.

 

هوامش ومصادر:
  1. الموسوعة الكاثوليكية: Eutyches [🡁]
  2. في سي صمويل، مجمع خلقيدونية، إعادة فحص، ص47-61. [🡁]
  3. Trevor Jalland [🡁]
  4. Thomas Camelot [🡁]
  5. Kelly [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: كنيستنا وتدوير الهرطقات[الجزء السابق] 🠼 مدخل إلى هرطقات التجسد[الجزء التالي] 🠼 مجمع أفسس الثاني
[ + مقالات ]