المقال رقم 1 من 13 في سلسلة كنيستنا وتدوير الهرطقات
ألا يجب أن نواجه الأمر!!  لو اقتصر الأمر على "خرافات العجائز" لما انزعجنا، ولا أزعجنا شعبنا، أما أن ينزلق تعليم كنيستنا -المنشور والمذاع- ليغرق في بحر الهرطقات، فهذا ما لا يمكن قبوله على -ومن-  التي صاغت الأساس اللاهوتي لإيمان المسكونة كلها.

لم يترك معلمو كنيستنا -في نصف القرن الأخير- هرطقة مرت على الكنيسة، إلاّ أعادوا تدويرها، أما لماذا أخص نصف القرن الأخير، فلأن التعليم أصبح مستباحًا، الجميع يستسهل وجوده أمام جَمهور يسمعه، فيطلق للسانه -أو قلمه- العنان دون ضابط أو رابط.

كان بطاركتنا القديسون العظام يهابون التعليم، ولا ي جانب الوعظ المرسل هكذا، بالرغْم من محدودية الانتشار وقتها وقلة التأثير، كان (وهو من هو) يجلس مستمعًا ل، فهل انتقص هذا من قدره؟ أو قلل من شأنه؟ للقديس رسالة فصحية واحدة منشورة، ولا شيء سواها، فهل أعاق هذا تسميته قديسًا في كنيستنا، واعتباره مطوبًا في سواها؟ البطريرك الذي تلقى تعليمًا لاهوتيًا في اليونان وكان عالمًا، بشهادة معاصريه، لا نجد له كتبا ولا منشورات، الأمر إذن ليس بالسهولة التي يظنها أساقفتنا، والعلم الذي لا يتنزل على قريحتهم بمجرد اعتمار العمة الفخمة، دون دراسة حقيقية لعلم اللاهوت وما يلزمه من علوم أخرى (رأيي الشخصي أنها قائمة طويلة تشمل حتى فيزيقا الكم)

الأمر نفسه بالنسبة لبعض القساوسة، الذين نقلوا دائرة وعظهم من الخطية وجهنم ومعجزات القديسين، إلى اللاهوت والهرطقات، في قفزة واسعة لا تحتملها سيقانهم الهزيلة، ولنبدأ من مح الكارثة، فقد تغربت كنيستنا طويلًا عن جذورها، منذ المشؤوم ، والاضطهاد السياسي-الديني الذي تعرضت له، وفقدان التفاعل مع باقي الكنائس، والاتجاه تدريجيًا نحو القبطية بدلا من اليونانية، مع الفارق الضخم في غنى اللغتين، حتى انتهينا بالعربية التي لا تملك أصلا مفردات تناسب الدوجما (العقيدة) المسيحية.

لا ينفي هذا إننا امتلكنا في عصورنا المظلمة عددا من اللاهوتيين النابغين، الذين ترجموا إلى العربية نصوصا، بل وكتبوا بها مباشرةً كأفضل أربابها، ولكن مع الوقت أصبح العلم واللاهوت ترفا لا تحتمله كنيستنا، بل فقط محاولة البقاء، ففقدنا كل اتصال بغنى جذورنا، بقيت فقط “الا” حاملة لأنفاس آبائنا العظام
وكان لابد من ثورة معرفية لإزاحة وحل القرون الطويلة.

ساموا أسقفًا للتعليم، ثم تربع على الكرسي الأكثر وثارة، فماذا فعل؟

بدلا من أن يضع خطة لمعاهدنا الكنسية الناشئة التي تعب من سبقوه في محاولات لوضعها على الطريق لتواكب معاهد العالم، نكل بأساتذتها وطردهم واستبدلهم بجهال رجاله، بدلا من أن يعد خطة لابتعاث نابهينا للحصول على دراسات لاهوتية حقيقية، شرد كل من تحمل مشقة الدراسة بالخارج، على نفقة مؤسسة خاصة، وألقاه خارج البيعة يجتر أحزانه.

بدلا من أن يكون ما تبقى من مخطوطاتنا وتحقيقها ونشرها شغله الشاغل، لم يلتفت لها إطلاقًا، بل أخفى بغرابة نادرة الهدية التي تلقيناها من ال، وتحوي نسخة من كل المخطوطات القبطية بمكتبة الفاتيكان، حتى إن أحدا لا يعلم لها أثرا  الآن، بدلا من أن يعد خطة لترجمة كتب الآباء، وينشئ وحدة خاصة للترجمة، حارب كل من جرؤ على تَرْجَمَة كتاب حقيقي.

بدلا من أن يحدث ثورة تعيد لكنيستنا وجهها المضيء، تفرغ لفرض قناعاته الخاصة ونسخته الممسوخة من المسيحية، بدلا من أرثوذكسية “أخذ الذي لنا ليعطينا الذي له”، انتقلنا إلي “وفديناه بذبح عظيم”.

تنوي هذه السلسلة الموجزة مناقشة أهم هرطقتين في تاريخ ، ومصدر خطورتهما يرجع لإخلالهما الجسيم بقصد التدبير الإلهي في الخلاص، وأعني بهما “الة” و”ال” كما قد تتسع لبعض الهرطقات والبدع الأخرى “ع الماشي”.

ستفجر هذه السلسلة ألغاما كثيرة، وستتعرض لتعليم صادر من نجوم بازغة في سماء كنيستنا، لنبين عواره وخطله، وليس الهدف إطلاقًا هو تخطئتهم، بل كشف عمق المأساة التي تعصف بكنيستنا، وخطها اللاهوتي، لنفكر معا في كيفية ضبط المسار، وإعادته إلى الجادة.

مع نهاية هذه السلسلة، سنقدم اقتراحات بطلبات لمجمع أساقفتنا، لاتخاذ ما يلزم للتصحيح، واستعادة مكانة كنيسة الإسكندرية ومجدها الغابر، ولدينا ما نظنه كافيًا لبلوغ هذا الأمل.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: كنيستنا وتدوير الهرطقات[الجزء التالي] 🠼 مجمع قرطاجنة: الظروف والنشأة
رجائي شنودة
[ + مقالات ]