Search
Close this search box.
المقال رقم 11 من 14 في سلسلة القيم اﻷخلاقية
ما الخطاب الديني من حيث الشكل: هو أيًا من الموضوعات المكتوبة أو المسموعة أو المرئية التي تتناول خطابًا يعطي تعليمًا أو فكرًا دينيًا يتعلق بالشئون الدينية: المحاضرات-المناقشات-العظات-سوشيال ميديا.
أمثلة للخطاب الديني

1- الوعظ بقصد الترغيب والترهيب والنصيحة وتقديم دفاعيات تقليدية كانت تصلح لزمانها طبقا للقضية التي تدافع عنها وهنا سيكون دور الخطاب محدود الأثر وأكثر ما سينجح فيه أو يصل إليه هو معالجة السلوك الخارجي لكنه لا يسهم في زرع التعليم والقيم الأخلاقية.

2- دفاعيات تقتصر على الدفاع عن العقيدة وإثبات صحتها.
العقيدة تحتاج أن تثبت صحة مضمونها عندما يثبت أصحابها هذا بأسلوب حياتهم (عنف-سلام-محبة-الخ) أسمع ك أصدقك-أشوف أمورك استعجب (غاندي).

3- شرح ما قيل قبلا مرارا وتكرارا من أمور أصبحت بديهيات (حرمة السرقة- الرشوة- أهمية الصلاح- قوة الحب.. الخ) يعرف المتلقي كل هذه الأمور لكنه يحتاج أن يعرف كيف يعيش طبقًا لهذه القيم الأخلاقية والإيمانية ويأتي دور هنا لمعالجة الموضوعات من جوانبها المتعددة.

مثال النحلة ورحيق الأزهار:
ينتشر النحل في الحقول والحدائق لاستجلاب رحيق الأزهار ثم يرجع إلى الخلايا ليحول الرحيق إلى عسل، إذا اكتفى بإيداع الرحيق في الخلايا دون تحويله إلى عسل فلن تتحقق أية فائدة منه، ومثله الواعظ الذي يكتفي بتلاوة نص كتابي يعرفه الناس ويحفظوه ظهرًا عن قلب دون محاولته لتحويل (هذا الرحيق) إلى طعام يغذي روح المتلقي.
مثال آخر: طالب لاهوت أراد أن يكتب عن يسوع المسيح ومعاملته للأطفال.

فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ الأَطْفَالَ أَيْضًا لِيَلْمِسَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمُ التَّلاَمِيذُ انْتَهَرُوهُمْ أَمَّا يَسُوعُ فَدَعَاهُمْ وَقَالَ: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ. 7 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ..
“وَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَوْلاَدًا لِكَيْ يَلْمِسَهُمْ. وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ فَانْتَهَرُوا الَّذِينَ قَدَّمُوهُمْ فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ ذلِكَ اغْتَاظَ وَقَالَ لَهُمْ: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ». فَاحْتَضَنَهُمْ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَبَارَكَهُمْ.
“فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ الأَطْفَالَ أَيْضًا لِيَلْمِسَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمُ التَّلاَمِيذُ انْتَهَرُوهُمْ. أَمَّا يَسُوعُ فَدَعَاهُمْ وَقَالَ: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ”.

(متى 19: 14؛ مرقس 10: 14؛ لوقا 18: 16)

فماذا سيقول؟
إن هو اكتفى بالقول إن يسوع رحَّب بالأطفال وانتهر التلاميذ عندما حاولوا منعهم الاقتراب منه فسيكون مثله مثل الواعظ في المثال السابق، بينما لو أنه التفت إلى روح هذا النص ونظرة يسوع لمكانة الأطفال وربطه بما يحدث من إهدار حقوق الطفل بل كرامته في البيت- المدرسة- الشارع- الكنيسة، الخ. فسيكتب في موضوع يحتاج إليه مجتمعنا وكنيستنا أشد الاحتياج.

4- تحريك المشاعر وإلهاب الأحاسيس تأثيره محدود وعندما يكتفي به المتلقي فإنه لا ينجز أكثر من إشباع المشاعر الدينية.

المطلوب لتجديد الخطاب الديني شكلًا وموضوعًا

من ناحية الدراسات الكتابية واللاهوتية
1- إعادة قراءة النص: ليس لأن النص يتغير ولكن القارئ تتغير خبراته ونضجه واطلاعه.
2- الاستعانة بالتفاسير ودراسات خلفيات النصوص مثال:

 (لا مِثْلَ لَكَ بَيْنَ الآلِهَةِ يَا رَبُّ، وَلاَ مِثْلَ أَعْمَالِكَ.) 

(مزمور 86: 8) 

(وَالأَمْرُ الَّذِي يَطْلُبُهُ الْمَلِكُ عَسِرٌ، وَلَيْسَ آخَرُ يُبَيِّنُهُ قُدَّامَ الْمَلِكِ غَيْرَ الآلِهَةِ الَّذِينَ لَيْسَتْ سُكْنَاهُمْ مَعَ الْبَشَرِ) قول الكلدانيين.

(دانيال2: 11)

3- الاطّلاع على كتابات اللاهوتيين (مثل كتابات الدكتور القس فايز فارس والقس سهيل سعود باللغة العربية وبالإنجليزية صياغة لاهوت محلي لروبرت شرايتر-الإنجيل في مجتمع التعددية ليزلي نيو-كتابات هانز كونج وغيرهم) وهي موجودة أون لاين.
4- الاطلاع على مناهج الأنشطة الجماعية واستخدام الوسائل المتاحة بأسلوب صحيح.
مثال مقرر الأخلاق للمدارس: لا يكفي أخذ قرار بتدريس الأخلاق، بل أهمية الاهتمام بالمنهج ومدى كفاءة من يدرسه.

من ناحية العلوم الإنسانية والتطبيقية
1-تحليل السلوكيات: لأن السلوك الديني والممارسات الدينية نوع من أنواع السلوك ويحتاج إلى التحليل بنفس الطريقة لكي نوجه السلوكيات إلى الوجهة الصحيحة، فالسلوكيات وفيها السلوك الديني محكومة بدوافع نفسية واجتماعية، فالمهمة تكون تفسير السلوك الديني بالاستعانة بعلم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي، وتحتاج الظواهر الدينية تحليلا، لأن السلوك في حد ذاته محكوم بدوافع.
من هنا لابد من الاستعانة بالعلوم الإنسانية (علم نفس- علم الإنسان- وجهود الاقتصاديين والسياسيين ونواحي الثقافة المجتمعية والإنسانية وهم موجودون داخل المؤسسة الدينية وموجودين في دور العبادة).

أمثلة تحليل الكاتب لسلوك المرأة المصرية في عهد المماليك وأثره الممتد إلى الحاضر. عُرِف المماليك (الين هم عبيد في الأصل) بالهوس بالمظاهر والاستعلاء على مواطني البلد. تتعالى السيدة المملوكية على المصريات، بالتالي يقلدونها في مظهرها وسلوكها. أما المرأة الفرنسية في نظام الإقطاع تهتم بالثقافة والفنون وتعلم الفرنسيات وهن من نفس جنسيتها كيف ترتقي، بالتالي يقلدونها في اهتماماتها وسلوكها. مثال تحليل سلوك يساعدنا في علاج قيم الاستهلاك والمظهرية.

2-الاستعانة بالأخلاق الوضعية المؤسَّسة على العقل وهي ليست بالضرورة مناقضة للأخلاق السماوية المؤسسة على الأديان بل تسهم في خطاب يجمع بين الإحساس والفِكر ليستوعب الخطاب قضايانا، بالتالي المقدرة على معالجتها.

3-خطاب ديني يقدم إجابات عن أسئلة الحياة العملية (روحيا- أخلاقيا – الخ) مثال عملي من دراسات تتناول بعض أسفار الكتاب المقدس تناولا معاصرًا.

4-خطاب ديني يعايش الحياة اليومية ويصلحها ويساعد الناس للسعي نحو المَثَل الأعلى وقِيَم مغروسة تحرك الوجدان فتدفعه للسعي نحو النضج. فكيف يتعامل هذا الخطاب (العظة مثلا) مع البُعدين الأفقي والرأسي في ضوء . فالخطاب الديني له دور عندما يترك أثرا على المتلقي ويدوم معه وليس انفعالا لحظيا.

5-التعامل مع المتغيرات، عندنا خبرات العهد القديم المسيحية الأولى أخذت في اعتبارها الظروف المواكبة للحدث ونقبلها لأن طبيعة الكتاب المقدس لا تقبل تثبيت الخطاب في نقطة معينة وتوحيد النمط ومحاولة تجاهل المتغيرات (مثال سفر التثنية) (حزقيال) (أعمال الرسل مجمع أورشليم).
من غير الصائب أن نثبت الخطاب في نقطة معينة بدافع المحافظة على النص أو على ثبات المجتمع مما يكون له تأثير سيء خاصةً في النواحي الاجتماعية فيحجب عنا معالجة الأمور وكأننا نتكلم لغة أخرى في عصر آخر أو لغة غير مفهومة وهنا تأتي أهمية دراسة خلفيات النص حتى يمكن استيعاب المقصود في ضوء سياق النص.

6-الوعي بالثقافة السائدة لإيجاد القدرة على مخاطبة التغيير الاجتماعي، فكل كنيسة تضم جماعة لها مستويات مختلفة من النمو الروحي وطبقات متنوعة وخبرات مختلفة وقضايا ومشاكل لا تتشابه، فعندنا توجهات متنوعة ونتعامل بخطاب واحد، وعندنا في الأقل متغيرات في التعبير والممارسة (مثال القيم الأخلاقية موضوع دراستنا الآن) لكن نميل إلى تثبيت نمط الممارسة، بالتالي يتوجه الخطاب الديني إلى زمان ومكان ربما غير موجود.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: القيم اﻷخلاقية[الجزء السابق] 🠼 القيم الأخلاقية [الخطاب الديني][الجزء التالي] 🠼 القيم الأخلاقية [بقاء الدين مرهون برسالته]