Search
Close this search box.
المقال رقم 8 من 14 في سلسلة القيم اﻷخلاقية

توجد ثلاث مفردات مهمة لدراسة القيم الأخلاقية وهي:

Ethos: أي الروح المميزة للثقافة أو الحِقْبَة أو المجتمع كما يتجلى في معتقداته وتطلعاته. (كقولنا القانون هو روح الأخلاق عند الرومان)، و(هو في العهد القديم كما يرى )، و(ربما مثل قولنا الشعب المصري متدين بطبعه).
الأخلاق ethics: وهي الواجب والنية وهما غير منظورين.
القيمة Values: القيم بمعناها الواسع: القيمة بمعناها الواسع هي ما يجعل الشيء جديرا بأن يطلب أو يتحقق (بناءً على ظروف الجماعة/ المتغيرات/ الأولويات.. الخ).
هذه المفردات تشرح ما تناوله نيبهور فيما يختص بتطور القيم الأخلاقية في المسيحية، فقد خصص رينهولد نيبهور كتابا لمحاولة جمع الإجابات عبر التاريخ المسيحي للوصول إلى إيمان له معنى وتأثير أخلاقي.

الوحدة والتعددية في القيم الأخلاقية المسيحية

يقول نيبهور إن الكتاب المقدس المصدر الرئيس الذي ينهل منه المسيحيون في مجال الأخلاق Ethos وأن النظرة المسيحية للأخلاق تنبع من مصدر يشترك فيه الكل وهو: الإيمان بطبيعة الله، وعلى هذا، فإن الحياة المسيحية هي التجاوب بمحبة مطيعة لله وتحقيق إرادته، وهذه هي الوصية الأولى والعظمى، وإرادته هي محبة القريب مثلما أحب الله الإنسان (الأخلاق). ولذلك فإن النظريات الأخلاقية جميعها تترابط رأسيا مع الله وأفقيا مع القريب.

يضيف نيبهور قائلا: إن الأخلاق المسيحية Ethics عبر التاريخ واحدة، وفي نفس الوقت متعددة (القيم الأخلاقية Values، إذ إن هناك خيط يربط أشد الاتجاهات اختلافاً، Ethos فالحب الذي يربط البشر بالله هو الوصية العظمى والعامل المشترك بين كل التوجهات الأخلاقية.

ويرى نيبهور أن اللاهوتيين العظام الذين كتبوا في علم الأخلاق أمثال ا ووس وتوما الأكوينى وغيرهم، يرجعون إلى الكتاب المقدس بالرغم من إننا لا نستطيع أن نفهم فكرهم بمعزل عن الخط الفكري اليوناني الروماني، إلا أن التراث الكتابي يظل خطاً أساسياً في كتاباتهم وأفكارهم.

ويبدأ نيبهور في تتبع التسلسل التاريخي من:

العهد القديم
اللاهوت والأخلاق لا ينفصلان في الكتاب المقدس وأنت لا تستطيع أن تشير كيف ولماذا عاش الإسرائيليون أو المسيحيون بهذا الأسلوب إلى أن ترى كيف ولماذا آمنوا بما آمنوا به وهذا له أهمية قوية للبعد الأخلاقي في العهد القديم لأنه مؤسس بالتحديد على هُوِيَّة هذا الإله.

الكنيسة في القرن الأول
كانت قريبة من تأثيرات المصلوب والُمقام، وأغلبهم كانوا من يهود فلسطين، وكان إيمانهم بأن الله تكلم في حياة وموت وقيامة المسيح وأن مجيئه ثانية سيحدث في جيلهم وهو مدخلهم لتحقيق ما طلبه منهم المسيح، وتتضح الملامح الأولى للأخلاقيات في وحدة الجماعة وهو ما يعود للتقليد اليهودي الذي نبعت منه المسيحية والانفصال عن العالم والعداوة له والاعتزاز بالمواطنة السماوية، إلا أن حماس التوقعات وحماس يوم الخمسين بدأ يفتر، لذا فإن السلوكيات الجادة بدأت تخمد حتى وبعد أن تغلغلت المسيحية وسط ثقافات مختلفة، كان أمامها خيارين إما التشدد أو المرونة.

عندما دخلت المسيحية القرن الثاني الميلادي بدأت تركـِّز على الدفاعيات ضد الهراطقة والأفكار الغريبة التي دخلت الكنيسة، وكانت تشدِّد على حفظ الإيمان والثبات فيه وتحديده في ألفاظ تحفظها وتكررها الكنيسة.

الموعظة على الجبل
ليست تساؤلات عن كيفية ضبط سلوك البشر، ولكنها تعلن أن الله صاحب السلطان، وأنه يحكم الطبيعة والتاريخ و هو إله محب بالتمام وهو عادل (متى 5: 3-11) تركز الموعظة على المعية البشرية وأهمية محبة القريب.

رسائل بولس
من خلال يسوع  -وليس تعاليمه- تبدأ علاقة جديدة، إن العلاقات المسيحية عند بولس هي أخلاقيات الجماعة التي يكون الله في المسيح -أو المسيح مع الله-حاضراً على الدوام وعاملاً على الدوام كمصدر للخير وحيث كل فرد عضو في الجماعة، إنها أخلاقيات جماعة ملكوت الله كحقيقة واقعة وكرجاء مستقبلي.

إكليمندس السكندري
في القرن الثالث الميلادي كانت الكنيسة تقوى على المجتمع الروماني واليوناني والعكس أيضا، وكانت الإسكندرية مركزاً ثقافيًا وفكريًا وُعرفت الإسكندرية بمكتبتها التي تحوى الكتابات الفلسفية اليونانية والرومانية، ولذلك فإن نظرية اكليمندس في الأخلاق تجمع بين مبادئ السلوك المسيحي والهيلنيستي، والخطية عنده ليست طبيعة متأصلة في الإنسان ولكنها تصرف خاطئ أو هي الحيدان عن الصواب.

القديس أغسطينوس (351-430)
عدم حفظ وصايا الناموس ليست في الناموس ولكن في إرادة الإنسان الشريرة، وأن إرادة الإنسان شريرة ليس بسبب عدم قدرته على التمييز بين الصواب والخطأ، ولكن بسبب عجزه عن التصرف حسب ما يعرف.

أخلاقيات الرهبنة
نشأ نظام الرهبنة نتيجة عوامل متداخلة منها هروب بعض المسيحيين للصحراء نتيجة اضطهاد ال 250 م وميل البعض للزهد، وهناك ثلاثة أمور يتعهد بها من يريد أن يسلك هذا الطريق وهي:
نذر الفقر أي رفض متاع العالم حتى يتخلص الإنسان من حب اقتناء الثروة، ونذر العفة أي نبذ رغبات الدافع الجنسية، ونذر الطاعة أي الخضوع المطلق لمن يرأس الدير تعبيرا عن قهر الإرادة الذاتية للراهب.

نماذج من الفكر الأخلاقي في العصور الوسطي وبدء الإصلاح الإنجيلي في الغرب

توما الإكويني (1224-1274)
قام ال بالملائمة بين الفلسفة الأرسطية واللاهوت المسيحي والأخلاق المسيحية وتعاليم من سبقوه من الرهبان، استطاع توما الإكويني أن يضع نظرة عقلانية تفاؤلية فقد وهب الله للإنسان القدرة على التمييز بين الخير والشر وعليه أن يدرب هذه القدرة بالعقل.

مارتن لوثر (1483- 1546)
سار على نهج في إثبات أهمية المحبة المسيحية والحرية المسيحية بالنسبة لحياة المسيحي في العالم وأعاد فكر بولس الرسول إلى دائرة الضوء الذي كان قد اختفى في القرن الخامس الميلادي، ونادى بعقيدة التبرير بالإيمان وبأن الخلاص عطية من الله لا يناله الإنسان باستحقاق أعماله ولا بطاعته للناموس، فلوثر يتجه اتجًاها أخلاقيًا بعيدًا عن الناموس ومؤسسًا على الإيمان والمحبة.

جون كالفن (1509- -1564)
يتصالح الإنسان مع الله ليصير الله في جانبه فتتغير كل نواحي حياته بسبب تغيير اتجاهه، والحياة المسيحية في نظر كالفن هي صراع دائم وصعب حتى يتم تحقيق متطلبات الحياة الجديدة.

ظهور الكنائس الحرة والفرق الاعتزالية وجماعات التقوى:

جماعة البيورتيان أو التطهريين كمثال
شهد القرن السابع عشر تحولا من المجتمع الإقطاعي الزراعي، الذي كان سائدًا في زمن لوثر إلى النظام الرأسمالي وظهور البرجوازية الجديدة مع توسـُّع ملحوظ في التجارة والاستثمار، -لذلك فإن البيوريتان قد وجدوا أنفسهم في مواجهة مع مشكلة ضميرية وهي ما مدى صحة الازدهار الاقتصادي بالنسبة للمسيحي الأمين، فكانت الإجابة في فكرة الوكالة.
لم تكن الأخلاق الاجتماعية المرتبطة بالجماعة والدولة أو المنظمات الاجتماعية تجد اهتمامًا لديهم، بل أنهم نادوا بأن الكنيسة يجب ألّا تختلط بالعالم، فشجعت هذه الانعزالية روح الكبرياء الروحية والمنافسة والتعالي مما أوجد الانقسامات.

الإنجيل الاجتماعي

أو حركة أخلاقيات ملكوت الله التي ظهرت في أمريكا
ظهرت الفكرة في القرن الثامن عشر وتواصلت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ووصلت لأعلى تأثير لها في الرُبع الأول من القرن العشرين، استند هؤلاء اللاهوتيون على فكرة المصالحة التي أقامها الله مع البشر، التي على أساسها أقام ملكوته -ملكوت الله على الأرض- ورأوا أن الخلاص والغفران لا يعالجان فقط الضعف البشري ولكن يمنحان القوة للعيش في ملكوت الله الذي يتميز بإقامة الحب والبر. وأن المؤسسات الاجتماعية- والاقتصاد، في أشد الحاجة للفداء المسيحي وأن التصنيع الرأسمالي الأمريكي تحت سيطرة إله المال وأن الفداء ليس فقط لمعالجة ضعف اللحم والدم ولكن لقوة المبادئ وعوامل القوة، فإن لم يكن للكنيسة القوة التي بها تحيا الملكوت هنا والآن فإن الكنيسة هي مجرد مؤسسة مثلها مثل أي مؤسسة.

يقول نيبهور: إنه ما زال هناك نقاش يدور بين المسيحيين حول المشكلات والقضايا.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: القيم اﻷخلاقية[الجزء السابق] 🠼 القيم الآخلاقية [الطبقات الاجتماعية وجيلZ][الجزء التالي] 🠼 القيم الأخلاقية [الاقتصاد وتأثيره]