جاءت نهاية حياة السيدة منال نجيب
كجزء من الخطاب الأصولي المسيحي الذي يرمسن [1] الإهانة والعنف الزوجي كتجربة أو صليب لابد أن تتحمله النساء ولا سواهن! في مجتمع منغلق، وجيتو لا يُسبر غوره، نتربى كنساء على الطاعة، لنشحذ البركة؛ فابن الطاعة تحل عليه البركة. لكن لم يفكر أحدهم لماذا تتحمل النساء بركات القهر منفردة؟
يحفل الفلكلور الشعبي القبطي بنصوص معادية للمرأة، مُكرّسًا كونها كائنًا خاضعًا غير مُنفرد الإرادة. وإليك عيّنات التكريس لعلنا نفهم لماذا ضُربت وخضعت لأكثر من عملية جراحية ونزفت داخليًا وخارجيًا وفي النهاية حُكم على زوجها المُعنف فقط بسبع سنوات، ليخرج ويمارس هوايته المُفضّلة في القتل والتنكيل بأطفالها.
يجب على النساء أن يتزينّ بزّيّ هادئٍ وبالتواضع، لا يتزيّنْ بذهبٍ أو فضّةٍ ولا بزينةٍ، ولا تعملْ على خديها حمرةً، وجُعل لها الشعر ولكن ليس للافتخار والزينةً، لأنّ هيئة الزانية تتبيّن بهذا.[2](باسيليوس الكبير، في آداب النساء العلمانيات)
ليس للزوجة سلطان على جسدها، بل تعد خادمة وزوجة للرجل، وإذا امتنعت النساء عن أداء دورهن الجنسي المناسب، فإنهن يخطئن إلى الله، وإذا رغبتِ في الامتناع عن الاتصال فيما بينكما، فلا يكون إلا بموافقة زوجك أن رأى ذلك مناسب له، حتى وإن كان لفترة قصيرة.[3](يوحنا فم الذهب، تفسير الرسالة الأولى لأهل كورنثوس)
تأجج الرغبة الجنسية بين الزوجين خطية.[4](أيرونيموس جيروم، القداسة في المسيحية بين المتزوجين)
وإذا اضطر أحد الرهبان إلى الكلام مع النساء، فليُدِر وجهه عن نظرهن عند كلامه بهن، ليَفرّ من لقاء الراهبات ومؤانستهن ونظرهن، كالهارب من فخ الشيطان.[5](كتاب الأدب الرهباني، بستان الرهبان)
إن المتزوجين يخطئون بشكل مميت، إذا اجتمعوا بدون أن تكون الذرية هدفهم.[6](Michael Thomsett, Heresy in the Roman Catholic church: A history)
يعني ترابع والشمامسة ترابع قصادها؟، صوت نسائي وصوت رجالي؟! الكلام ده عيب خالص! الكنيسة دي عايزة قسيس حمش يروح ينزل البنت من على المنجلية ويقولها روحي أقعدي هناك… ده بيقولوا فلتصمت نساؤكم في الكنيسة
إذا كنتم تريدون الطريق الأسمى والأعظم، فالأفضل ألا يكون لكم علاقة مع أية امرأة كانت.[8](يوحنا فم الذهب، نقلا عن كتاب: “شريعة الزوجة الواحدة” للبابا شنودة الثالث)
أي تعاليم تُنادي بتناول المرأة الحائض خطأ كبير، التناول في أثناء الدورة الشهرية تعدي صارخ ضد الأقداس والمقدسات، والّلي يعلّم أنّ المرأة إللّي عندها الدورة الشهرية تتناول، صاحب التعليم يستوجب المسائلة القانونية
أيام الصوم لا يفضل فيها المعاشرة الزوجية حسب تعاليم الكتاب المقدس، التي حسمت هذا الأمر.[10](الأنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة، تصريح لمراسلة مصر ٣٦٠)
المعاشرة الزوجية ممنوعة أيضًا ليلة القداس، وقبل طقس التناول الذي يشترط فيه الصوم والطهارة قبل دخول الكنيسة.[11](المتنيح صليب متى ساويرس، كاهن مارجرجس الجيوشى بشبرا، تصريح للبوابة نيوز)
أما عن القصص الشعبي المحفور عميقًا داخل أروقة الخدمات الكنسية والتي تُقدم للنساء والفتيات من الصغر حيث يتعلمن الخضوع والاستسلام والمازوخية:
اشتهرت قصة أردينا مليكة يوسف
، المعروفة باسم أم عبد السيد
أو أم الغلابة
في التراث المسيحي المعاصر، وتم إنتاج فيلمًا دراميًا عنها بطولة، نادية رفيق
وماجد الكدواني
. هذه السيدة المكافحة والمُحبة للخير مُجدت لأجل احتمالها الحياة مع زوج سكير يضربها بخشبة مليئة بالمسامير، حيث ارتبطت به وهي قاصر في عمر الخامسة عشر [12].
أما في قصة مارينا، الراهبة تتنكر شابة في زي ذكوري لتدخل دير رهبان، أي تبني استقامتها على خدعة من البداية ولكنها تتحمل زورًا النفي والإهانة حين تُتهم أنها الأب الشرعي لطفل وتُكتشف الحقيقة في النهاية مع موتها أنها امرأة وليست رجل!
تواجه النساء القبطيات تميزًا مضاعفًا، كنساء في مجتمع عربي، وفي مجتمع مسيحي مغلق. هذا التمييز يتفاقم حين يتعلق الأمر بتورطهن في فخ الشريك المُعنِف. تنهال عليهنّ نصائح تدعوهنّ لتحمل العنف الزوجي، بحجة أن الانفصال مستحيل، وأن هذا قدر ونصيب. رغم أن المسيحية، كديانة، لا تعترف بالقدرية، بل تؤكد على الاختيارات الحرة للإنسان وتحمله نتائج أفعاله. فهنّ، من جهة، حبيسات التعليم الشعبوي الذي شبعنَ منه تحقيرًا وذلًا، ومن ناحية أخرى، حبيسات “كلام الناس” الذين سيرونهنّ غير فاضلات ولا قديسات إن رفضن التعرض للبطش والعنف، وحُرمنَ من حقهنّ الإنساني في حياة كريمة ومحترمة.
وعلى صعيد آخر، هناك مصيدة قانون الأحوال الشخصية الملغّم، والذي يمنع أي خروج من العلاقات المسيئة ويحرم أي طرف مُعنّف من أي مخرج قانوني. لا يخلو أي نقاش في تلك النقطة من ذكر اللائحة الصادرة في فبراير عام ١٨٧٤ في عهد البابا كيرلس الخامس، والتي ظلت سارية، ثم تحوّلت إلى قانون عام ١٩٣٨. وتنصّ اللائحة على السماح للزوجين بالتطليق للأسباب الآتية: الزنا، الخروج عن الإيمان المسيحي، الهجر لمدة تزيد عن خمس سنوات متصلة، الحكم القضائي بالسجن على الزوج أو الزوجة، الجنون، الضعف الجنسي، الإيذاء البدني وتهديد الحياة، الفساد الأخلاقي إذا أخلّ أحدُهما بواجباته نحو الآخر، قرار أحد الزوجين بالرهبنة بموافقة الآخر [13].
١٠ بنود صغيرة، تضمن للأفراد إنسانيتهم/ن، ويُقال إن البابا كيرلس السادس أطلق على هذه اللائحة “شريعة الرحمة” لأنها حلت جميع الأزمات، واحترمت عهد الزواج، وسلامة الأسرة، وإنسانية الإنسان. ثم تحول الأمر إلى جنون محموم بإلغاء هذا التشريع على يد الأنبا شنودة الثالث بوصوله للسدة المرقسية عام ١٩٧١ حيث أعلن رفض اللائحة فقط في رابع يوم من توليه مسؤوليات الكرسي السكندري! [14]
لم تمت منال
فقط، ولم تُهان هي وأطفالها فقط. فبالعودة إلى حوادث سابقة، كانت ماري مجدي ونيس
ضحية زوجها وليد سعد أيوب
، من سكان منطقة الشرابية بالقاهرة، الذي سُجّل له مقطع مصور ينهال فيه عليها ضربًا بلوح خشبي. كان وليد
مدمنًا، وفشلت عائلته في إجباره على العلاج، فزوجوه بـماري
صاحبة الستة عشر عامًا (أي قاصرًا) بغير مخرج قانوني يتيح لها الهرب من جحيم زوجها [15].
أما السيدة إنچي ألفريد
فقد لقت حتفها بالفعل على يد زوجها في سيدني، أستراليا، بعد أن تجاهلت الكنيسة صرخات استغاثتها، وحذرتها الشرطة من الرجوع إلى الزوج العنيف. عادت إنچي
تحت وطأة الحُكم الاجتماعي والتفسيرات الدينية المتحيزة ضد المرأة [16].
نرجو من السادة الأفاضل مُتبعي نظرية “صليبك وشيليه” [17] احتمال المُسائلة عن دم إنچي ألفريد
ومريم مجدي ونيس
التي تزوجت قاصرًا في عمر السادسة عشر عامًا، ولا تستطيع الكنيسة حمايتها من عنف زواجي على يد زوجها، واليوم دماء منال نجيب
المهدرة بين أروقة المنازل والمستشفيات. كما نطلب منهم جعل فعل “الشيل” “رايح جاي” وليس oneway حصرًا على النساء. كما نُحيط سيادتهم علمًا بوجود أداة الشرط في الآية إن أراد أحد أن يأتي ورائي، فلينكر نفسه، ويحمل صليبه كل يوم، ويتبعني
[18] والتي احترمت في حد ذاتها خيار الإنسان أن يتبع، أو لا يتبع، وبالطبع لا تُفسر في أي سياق ذو علاقة بالزواج إنما بتبعية المسيح نفسه.