لا طلاق إلا لعلة الزنا

تبدو العبارة حقيقة قاطعة لا يعتريها شك أو لبس، كما يؤمن الغالبية العظمى من الأقباط اليوم. لكن كما أشار ال الثاني في إحدى مقابلاته الصحفية: هذه العبارة ليست آية في الإنجيل بل مجرد مقولة للبابا شنودة الثالث. فهل حرم المسيح الطلاق حقًا؟ وهل فهم جميع بطاركة الكنيسة السابقين للبابا شنودة ذلك؟

ما بين الطلاق والتطليق

تحدث المسيح عن الطلاق في إنجيل متى، الإصحاح ال19، في حوار له مع الفريسين، وبدأ الأمر حين سأله الفريسيون هذا السؤال:

هَلْ يَحِلُّ لِلرَجُلِ أَنْ يُطَلِقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَب

(متى 3:19)

ليجيب المسيح:

إِنَّ مَنْ طَلّقَ امْرَأَتَهُ إِلاّ بِسَبَب الزّنَا وَتَزَوّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَالّذِي يَتَزَوّجُ بِمُطَلّقَةٍ يَزْنِي

(متى 19: 9)

السؤال المطروح في الأصل كان عن رأي المسيح في أن يطلق [يهجر / يُسِرّح] الرجل زوجته بالإرادة المنفردة، لأي سبب يراه هو مناسبًا، وهو ما يسمى “بالطلاق”. فالمسيح كان يحمي المرأة من تسريح الزوج لها بإرادته المنفردة، لذلك، أمر الزوج ألا يطلق زوجته ويلقي بها خارجًا، فالكلام ليس عن انفصال الزوج والزوجة لاستحالة العشرة بينهما بقرار من طرف ثالث محايد، وهو ما يسمى “بال” – مصطلح آخر مختلف تمامًا.

حرم المسيح تشريد الزوجة، وقديمًا، كما نعلم، كان الحل الوحيد للزوجة المشردة هو الزنا لتكسب رزقها؛ فكما نقرأ في التاريخ، يعتبر الزنا واحدًا من أقدم المهن لكسب المال لمن شُردت لأن زوجها لم يعجبه طعامها، أو وجد من تفوقها في الجمال، إلى أخره. لذلك، من يطلق زوجته يحتم عليها الزنا، ويكون مسئولًا أمام الله عن تشريدها دون سبب، ووقوعها في الخطيئة. أما المتزوج من امرأة تزني بالفعل، لن يخطئ في إخراجها من حياته، فهي أصبحت زانية فعلًا، وطردها لن يضيف لها شيئًا جديدًا. ولا عيب في أن يسترد كرامته كرجل.

أما التطليق، أي إنهاء العلاقة بين طرفين بواسطة طرف ثالث [قاضي النزاع الشرعي]، هو أمر لم يرفضه المسيح بتاتًا، ولم يتعرض له النص الذي كان إجابة على سؤال الفريسيين، وظل التطليق موجودًا طوال تاريخ الكنيسة في مصر (قديمًا)، و في العالم.

هل تغير الله؟

أعطى موسى حق الطلاق بسبب قساوة القلب، وسمح الله بهذا، فهل تغير الله ليعود ويغير مبادئه؟ هل حين سمح الله لموسى بإعطاء تلك الشريعة كان متسامح مع الزنا، ويشجع عليه؟ (حاشا) فكما نعلم، الله في العهد القديم كان لا يقبل الزنا على الإطلاق، وموسى أيضًا كحاكم للشعب كان يبغض الزنا ويعاقب الزناة بالرجم. فلو كان الطلاق زنا، كيف سمح الله به؟ وعلى هذا فاعتبار التطليق “زنى” يحمل إهانة لله ولموسى نبيه.

إن موسى، من أجل قساوة قلوبكم، أَذِنَ لكم أن تطلّقوا نساءَكم

(متى 19: 7)

إذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها، فإن لم تجد نعمة في عينيه لأنه وجد فيها عيب شيء، وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته، ومتى خرجت من بيته، ذهبت وصارت لرجل آخر

(التثنية 24: 1)

هل سفر التثنية يبيح الزنا؟ بالطبع لا يمكننا أن نقول ذلك! فكيف يأمر الله بعدم الزنا في الوصايا العشرة ثم يصرح بالطلاق، وهو يعلم أنه زنا؟!

تاريخ الكنيسة

أتذكر ذلك الحديث الغبي الذي سمعته من تلك الفتاة التي تؤمن أن كل من يفشل في اختيار الشخص المناسب، يستحق ما يناله من معاناة في زواج تعيس أبدي كعقوبة على غبائه، وقالت مستطردة إن الأمراض النفسية كلها تظهر بوضوح في فترة الخطوبة، والله يعطي علامات، لكن من يقعن في الفخ هن الجاهلات أو غير المؤمنات، لا الذكيات مثلها، وعلى هذا: لا طلاق إلا لعلة الزنا. (كان هذا على سبيل الجد، لا المزاح).

بغض النظر عن سذاجة الطرح، وقسوة القلب التي نبعت منها هذه الكلمات، هذه هي الطريقة التي يُمنطق بها الأقباط الأمر اليوم. فهم يجوبون الأرض بحثًا عما يبرر هذه المقولة، ظنا منهم أن المسيح هو قائلها، مع أنهم لو كلفوا أنفسهم العناء نفسه في قراءة التاريخ الكنسي لوجدوا أن هذه المقولة ليس لها وجود.

في البداية، يجب أن نعرف أن كل كنيسة كانت تطبق ال الخاص بدولتها، وهذه القوانين جمعها في كتابه المجموع الصفوي، وتاريخيًا، لم يظهر الزواج كسر مقدّس حتى القرن الخامس عشر، وكان المسيحيون يتزوجون مدنيًا إلى أن تم إدخال في مجمع فيرار [] 1438-1439

وحتى لم تعتبر الزواج سرًا حتى القرن ال12. لكن، آفة الشعب أنه لا يقرأ، ولا يسأل من أين أتى هذا وذاك!

 

لائحة 1938: اللائحة الأشهر على الإطلاق

صدرت هذه اللائحة في فبراير عام 1874 في عهد البابا ، وظلت سارية، ثم تحولت إلى قانون عام 1938. وتنص اللائحة على السماح للزوجين بالتطليق للأسباب الآتية:

  1. الزنا
  2. الخروج عن الإيمان المسيحي
  3. الهجر لمدة تزيد عن 5 سنوات متصلة
  4. الحكم القضائي بالسجن على الزوج أو الزوجة
  5. الجنون
  6. الضعف الجنسي
  7. الإيذاء البدني، وتهديد الحياة
  8. الفساد الأخلاقي
  9. إذا أخل أحدها بواجباته نحو الآخر
  10. إذا قرر أحد الزوجين الرهبنة بموافقة الآخر

ويُقال إن ال أطلق على هذه اللائحة “شريعة الرحمة” لأنها حلت جميع الأزمات، واحترمت عهد الزواج، وسلامة الأسرة، وإنسانية الإنسان.

لكن، كان الراهب [البابا شنودة لاحقا] من أشد معارضي هذه اللائحة، لذلك بدأ في شن الحروب بداية من عام 1958 حين أصدر بحثًا يرفض فيه اللائحة، ويطالب بالتطليق فقط لعلة الزنا، لكن لم يستجب البابا كيرلس لذلك، وظلت اللائحة سارية في الكنيسة والمحاكم الوطنية إلى أن تنيح البابا كيرلس.

وحانت الفرصة للراهب أنطونيوس حين وصل للكرسي عام 1971، وصار بطريركا للكرازة المرقسية، وفي رابع، يوم من توليه البطريركية، أعلن رفضه للائحة، وأصدر مرسومًا بعدم تنفيذها، والسرعة هنا تعكس اهتمامه الشديد بالأمر. وتحول بحثه الصادر عام 1958 إلى كتابه الشهير: شريعة الزوجة الواحدة.

ما جمعه الله، لا يفرقه إنسان

من هو الله؟ أليس الله محبة، وجوهره محبة؟ فإذا غابت المحبة في العلاقة غاب الله. وبعيدًا عن ذلك، كيف يؤمن إنسان سوي أن الله كلي الحكمة يجمع شخصين لا يطيقون العشرة معًا ويجبرهم على ذلك؟ فالله لن يجمع بين اثنين استحالت الحياة بينهما إلا لو كان سادي، ويريد تعذيبهم من خلال الmismatching.

من جمعهم الله (الحب)، لا يفرقهم إنسان. لأن “الْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ كَالْمَوْت.” هكذا يفسر الأسوياء الشريعة الإلهية، لكن من يظن أنه بمجرد وقوف اثنين أمام المذبح، ينزل الله عليهم رباطًا أزليًا حتى وإن كرهوا بعضهما البعض، يهين الله، ولا يعرفه!

ولماذا لا نقيم طقسًا كنسيًا، وبذلك يكون التفريق من الله؟ فالأمر ليس صعبا، يذهب الزوجان إلى الكنيسة ويصلي الكاهن، وسوف “تقطع كل الرباطات، تبطل كل المحاربات، آمين!”

هل لا يعرف الله أن الإنسان نفس وروح وليس فقط جسد يمارس الجنس؟ هل يتغاضى الله عن الانفصال النفسي، والوجداني بين الزوجين، لكنه يفك رباطهما فقط إن زنوا؟ هل لا يعرف الله أن الإنسان يتطور مع الوقت؟ هل العلاقة الزوجية هي جنس فقط؟ هل نحن حيوانات؟ ثم، كيف توافق الكنيسة على الطلاق في حالة الخروج من الإيمان المسيحي [أي اعتناق دين آخر] لكنها لا تسمح به حين يكون المرء مسيحيًا بالاسم أو شرير؟ مع إن الكتاب يقول إن عدم الاعتناء بالأسرة أشر من إنكار الإيمان!

وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْتَنِي بِخَاصّتِهِ، وَلاَ سِيّمَا أَهْلُ بَيْتِهِ، فَقَدْ أَنْكَرَ الإِيمَانَ، وَهُوَ شَرّ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ

(1 تيموثاوس 5: 8)

حتى في الطب، يوجد شيء يسمى بالعلاج بالبتر، وهو يطبق على الرغم من أن جسد الإنسان خليقة الله (جمعه الله). وهل من يرغموا على العيش معا ليسوا بمتفرقين؟

سيقتص الله أشد اقتصاص ممن دمروا أسر بأكملها، وممن تسببوا في وقوع جرائم قتل، وعنف، وخروج من الإيمان، ونتذكر هنا قصة تلك السيدة البالغة من العمر 40 عامًا، والتي قتلت عام 2019 بأستراليا على يد زوجها، وكانت الكنيسة قد قالت لها أن تحمل صليبها وتتألم في صمت. ونتذكر الفتيات اللائي قررن عدم الزواج خوفًا من الوقوع في براثن معاناة أبدية، مضحين بأحلامهن في تكوين أسر وفي الأمومة. فإذا تزوجن مدنيًا، سيلقبن بالزانيات، ولا سبيل للخروج من زواج كنسي فاشل. سيقتص الله من واضعي قوانين العثرة التي لا تحترم حتى حق الإنسان في الخطأ.

وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ الصّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُعَلّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجّةِ الْبَحْرِ

(متى 18: 6)

من أقامني عليكم قاضيًا؟

رفض المسيح، رغم كونه القاضي العادل، العالم بجميع الحقوق، أن يحكم في خلاف أسري بين أخ وأخيه، وقال:

يَا إِنْسَانُ، مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِيًا أَوْ مُقَسّمًا؟

(لوقا 12: 14)

أراد المسيح لنا أن نكون مسؤولين، وناضجين، ونفكر بأنفسنا، لذلك رغم كلية معرفته، رفض أن يحكم في المشاكل الشخصية! لكن، رغبة الإنسان المحمومة بأن يحكم، ويجلس على كراسي القضاة، ويأمر وينهي، جعلته ينسى ما قاله سيده! فمن فشلوا في دخول كليات الشرطة، والالتحاق بالنظام القضائي، يمكنهم الآن تحقيق الحلم من خلال المنظومة الدينية! أكتب هذا وكلي أسف!!

 

اقرأ أيضا:

 

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

خدعوك فقالوا: عن الطلاق في المسيحية 4
[ + مقالات ]