المقال رقم 8 من 23 في سلسلة خواطر في تفسير إنجيل يوحنا

”1 كان إنسان من الفريسيين أسمه نيقوديموس، رئيس لليهود. 2 هذا جاء إلى يسوع ليلا وقال له: « يا معلم، نعلم أنك قد أتيت من الله مُعَلِّماً ، لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه ».

مسحنة العالم بالمسيح :

تتكلم الآيات عن شهادة ، وهو أحد كبار معلمي اليهود، عن المسيح يسوع ربنا أنه ” أتي مِن الله“ بدليل أن ” الله معه “.
- فأقتربت هذه الشهادة من حقيقة بتجسد المسيح ”الله الذي ظهر في الجسد“ (١تيموثاوس:٣) من حيث أن الله بالتجسد الإلهي دخل وأتحد بطبيعة الإنسان ليكون مع وفي الإنسان – أولاً من خلال يسوع أبن مريم : ”هذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل « هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا، ويدعون اسمه عمانوئيل » الذي تفسيره الله معنا“ (متي١).

– و في أقوال كثيرة ومواضع عديدة، أكد الرب تلك الحقيقة بأن المسيح يسوع ”أتي مِن الله“بهذا المفهوم ولهذا الغرض: ”أنا والآب واحد .. الله لم يره أحدٌ قط .. الأبن الوحيد ( المسيح ) الذي هو في حضن الآب هو خبَّر“.

– إن بشرية الإنسان الساقطة تجددت بتجسد المسيح الإله بولادته منها واتحاده بها. وبذلك فإن المسيحية ليست كلام عن الله ولكنها اتحاد به علي مستوي الحق والحقيقة. إن المسيح هو ”الطريق“ للإنسان ليتحد بالله من خلال الطبيعة البشرية التي تجسد فيها ثم صعد بها مطهَّرة إلي مسقط رأس الإنسان في السماء بعد أن صار الإنسان ”مِن“ الله، وليس مِن تراب الأرض كما كان أبونا .

– لذلك فإن المسيحية ليست أيديولوجية وفكرة ينتج عنها اقتناع عقلي يمكن أن يلغيه فكر آخر، بل هي طبيعة جديدة نلبسها فوق طبيعتنا القديمة. وعندئذ يشير الكتاب المقدس إلينا أننا نصر”هياكل الله وروح الله يسكن فينا… ها ملكوت الله داخلكم“. إن الإنسان المسيحي صار، وبسبب التجسد الإلهي مسكن الله الواحد الثالوث الآب والإبن والروح القدس.

– إن تغيير كينونة الإنسان بالاتحاد في المسيح يسوع، يجمعنا نحن المؤمنين بالمسيح في كينونة جسده. هذا هو ما يشير إليه الكتاب أن الكنيسة صارت أمتداد جسد المسيح المولود في بيت لحم، عبر الزمان ”وأما أنتم فجسد المسيح، وأعضاؤه أفراداً“ ( ١كور١٢). هكذا صرنا مسيحاً للعالم تنطبق علينا شهادة نيقوديموس ” أتينا مِن الله… والله معنا “. ولذلك قال المسيح له المجد عن المسيحيين ” أنتم ملح الأرض“ وصار كل مسيحي أتحد بالمسيح بركة للعالم والأرض علي مدار التاريخ وإلي قيام الساعة .. وتمسحن العالم بالمسيح بواسطتنا.

بنوة المسيح للآب وبنوة المسيحيين للآب:

إن إجابة الرب يسوع المسيح علي شهادة نيقوديموس كانت بإعادة صياغة ما قاله ” أتيت مِن الله“ فأستخدم تعبير” يُولَد مِن فوق “:

3″ أجاب يسوع وقال له : «الحق الحق أقول لك : إن كان أحد لا يُولَد مِن فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله »“.

– هنا أستعلن الرب لنا حقيقة الولادة الجديدة للإنسان من الله التي جاء ليحققها للبشرية في شخصه، وهي التي تشرح ماهية المسيحية، وليس غيرها، كنعمة الله للبشرية.

– إن الولادة والبنوة هما وجهان لنفس الحق والحقيقة. فلا وجود لأبن بدون أن يكون هناك أب. وليس وجود لأب إن لم يكن هناك أبن .
- فالمسيح هو أبن الله ”الوحيد الجنس“ لأنه الوحيد الذي هو واحد مع الآب في الجوهر الإلهي الواحد. حيث وحدة الكينونة حتمية. فليس سابق ولا لاحق . كما شرحنا.
- إن نعمة إنتماء الإنسان إلي الله بلغت كمالها في المسيحية، وليس غيرها، في تاريخ الإنسان، من حيث أنه انتماء إلي الله يبلغ درجة البنوة لله.

– وبنوة الإنسان لله بالإيمان بالمسيح يسوع، ليست بنوة معنوية بل بنوة جوهرية، لأنها إتحاد للإنسان ببشرية المسيح أبن الله ”الوحيد الجنس“ بسبب تجسده. لذلك وصفها المسيح أنها ” الولادة مِن فوق“. لأننا في المسيحية ننال نعمة الاتحاد ببشرية المسيح ”الله الذي ظهر في الجسد“ الذي لم يزال هو أبن الله ”الوحيد الجنس“ ولا يشاركه في ذلك آخر، لأنه الوحيد المولود أزلياً مِن الله حيث حتمية الجوهر الواحد والكينونة الواحدة الآب وحيث لا سابق ولا لاحق.

والسُبح لله.
بقلم د. رءوف أدوارد

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: خواطر في تفسير إنجيل يوحنا[الجزء السابق] 🠼 خواطر في تفسير إنجيل يوحنا<br /> الإصحاح الثاني  (٧)[الجزء التالي] 🠼 خواطر في تفسير إنجيل يوحنا<br /> الإصحاح الثالث (٢)
خواطر في تفسير إنجيل يوحنا<br /> الإصحاح الثالث (١) 1
[ + مقالات ]