المقال رقم 7 من 23 في سلسلة خواطر في تفسير إنجيل يوحنا

” ولما كان [المسيح] في أورشليم في ،
آمن كثيرون بإسمه، إذ رأوا الآيات التي صنع.
لكن يسوع لم يأتمنهم على نفسه، لأنه كان يعرف الجميع.
ولأنه لم يكن محتاجاً أن يشهد أحد عن الإنسان،
لأنه عَلِمَ ما كان في الإنسان.“

”طوبي لمن آمن ولم يري“

يظن البعض أن المعجزات الباهرة كانت السبب في إيمان الناس بالمسيح خلال إرسالية تجسده الإلهي. لكن هذا ليس حقيقي بدليل المكتوب هنا في الإصحاح:

” لكن يسوع لم يأتمنهم على نفسه، لأنه كان يعرف الجميع. ولأنه لم يكن محتاجاً أن يشهد أحد عن الإنسان، لأنه علم ما كان في الإنسان“

إن معظم هؤلاء الذين آمنوا بالمسيح بسبب معجزاته التي أبهرتهم، لم نري إيماناً لهم  وقت صلب اليهود للمسيح. بل وربما أشترك البعض منهم في الصلب. ناهيك عن التلاميذ الذين تفرقوا ورجعوا إلي مهنتهم القديمة صيد السمك. وخانه بعضهم وأنكره وشتم فيه البعض الآخر !!

هذا يؤكد أن الأيمان بالإله الحق يسوع المسيح “الله الذي ظهر في الجسد“ لا يعتمد أساساً علي الرؤية الخارجية بالعين المجردة، بل يعتمد بالضرورة علي نعمة الله الواحد الثالوث داخل كيان الإنسان عندما يقبل زيارة النعمة له، فيخلق فيه الروح القدس طبيعة بشرية جديدة تستطيع أن تؤمن بالمسيح ” لا يستطيع أحد أن يقول أن المسيح رب إلا بالروح القدس“. فالإنسان مخلوق أصلاً علي الصورة الإلهية. وحنينه واقتناعه بأصله هو طبيعة فيه، ولا يحتاج معه إلي معجزة مِن خارجه. بل يحتاج فقط أن ينتبه إلي أعماق كيانه حيث تزوره نعمة الله كل حين ليعمل روح الله القدوس فيه من أجل أن يتقابل الإنسان مع أصله الإلهي فيؤمن بالإله الحق.

بعد هذا التصريح في نهاية الإصحاح الثاني جاء الإصحاح الثالث مباشرة بحديث مطوَّل للرب يسوع المسيح مع عن موضوع الخليقة الجديدة للإنسان من حيث ضرورتها للإنسان وكيف ينالها الإنسان.

ولكن الرب هنا في الإصحاح الثاني كان يتكلم عن تأسيسه لهذه الطبيعة البشرية الجديدة في جسده هو أولاً كباكورة لنا ” أجاب يسوع وقال لهم: « انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه »… كان يقول عن هيكل جسده“.

جسد المسيح هو أول مَن تمَّ تخليصه، كباكورة للخليقة الجديدة للإنسان:

”الرب لبس جسدنا وصار مشابهاً لنا بحسب الجسد، فدُعِيَ أخانا وبكرنا. وبما أن البشر قد هلكوا بسبب مخالفة ، فإن جسده كان أول ما تم تخليصه وتحريره إذ إن هذا الجسد هو جسد الكلمة نفسه. وهكذا إذ قد صرنا متحدين بجسده خلُصنا علي مثال جسده“
(القديس الرسولي – المقالة الثانية – فصل ١٦/٢١)

إن الإيمان المسيحي الأرثوذكسي يقول بأن الله ” شابهنا في كل شيئ ما خلا الخطية وحدها“. وذلك عندما أخذ  الرب جسداً له من مستودع / جسد مريم العذراء المشابه لنا   (أي له طبيعة آدم بعد السقوط). ثم طهَّره كما يقول ق. أثناسيوس ” فإن جسد (يسوع المسيح) كان أول ما تم تخليصه وتحريره إذ إن هذا الجسد هو جسد الكلمة نفسه “.

فلأن المسيح إلهنا هو الحياة نفسها، لذلك بمجرد دخوله مستودع مريم هرب منه الموت وتجددت طبيعة آدم التي أخذها الرب الحياة. هذا قاله المسيح في موضع آخر أنه ” يقتحم بيت القوي () أولاً، وينهب أمتعته (طبيعتنا البشرية التي استعبدها الشيطان بالموت) “. وبناء عليه كان قول ق.أثناسيوس  أن ” جسد (يسوع المسيح) كان أول ما تم تخليصه وتحريره“.

” المسيح شابهنا في كل شيئ ،  ما خلا الخطية وحدها“ :

كان ناسوت المسيح المتجسد مُجَرَّباً مثلنا…بدليل تجربة الشيطان له علي الجبل. لكن الرب يسوع المسيح قال ” مَن منكم يبكتني علي خطية “. أي أنه شابهنا ما خلا الخطية وحدها بسبب انحياز ناسوته كاملاً إلي لاهوته الذي أتحد به.

إن المسيح إلهنا هو الحياة الذي بمجرد دخوله مستودع مريم هرب الموت منها، وتجددت طبيعة آدم التي لبسها المسيح وصارت الخليقة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع. في هذه اللحظة من تاريخ البشرية ظهرت الملائكة تسبح ” المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وفي الناس المسرة “ . ولولا تلك الخليقة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع ما كانت السماء تنفتح ليعلن الله قبوله لها في المسيح يسوع : ” هذا هو أبني الحبيب الذي به سررت“ . ثم  تبرهن ذلك برجوع الروح القدس – ولأول مرة منذ أن فارق آدم عند سقوطه وخروجه من الفردوس. فحل الروح القدس علي بشريتنا الجديدة في المسيح يسوع علي شكل حمامة عند نهر الأردن ” لأن محبة الله الآب قد أنسكبت في قلوبنا بالروح القدس“.

هذه الخليقة الجديدة هي بشرية المسيح التي لبسها وتكلم فيها إلي اليهود في حواره معهم بعد تطهيره الهيكل قائلاً أنه حتي لو صلبوه ” أنقضوا هذا الهيكل“ فإنه بسبب الخليقة الجديدة التي لهيكل جسده فإنه لا سلطان لموت (الخطية) عليه بعد. وحتما سيقوم « انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه ».

و الصليب كان إعلاناً لنهاية سلطان الموت علي خليقتنا الجديدة في المسيح يسوع إذ قام المسيح .

والسُبح لله.

بقلم د. رءوف أدوارد

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: خواطر في تفسير إنجيل يوحنا[الجزء السابق] 🠼 خواطر في تفسير إنجيل يوحنا<br /> الإصحاح الثاني  (٦)[الجزء التالي] 🠼 خواطر في تفسير إنجيل يوحنا<br /> الإصحاح الثالث (١)
خواطر في تفسير إنجيل يوحنا<br /> الإصحاح الثاني  (٧) 1
[ + مقالات ]