أصدرت مطرانية طنطا وتوابعها قرارًا أسقفيًا رقم 7 بمنع دخول غير المحتشمات للكنيسة، ومنع الخادمات من الخدمة دون ارتداء غطاء للرأس، وتعيين "أمن نسائي" من "سيدات فضليات" لفرز الفتيات والسيدات الغير فضليات وطرد غير المحتشمات منهن، وغرامة 2000 جنيه للمخالفة، ومنع الشباب من ارتداء البناطيل الممزقة، والشورت.
جاء هذا القرار لنيافة الأنبا بولا أسقف طنطا ليثير حالة من الجدل بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي. فالأمر متروك للجنة من البوليس النسائي الكنسي لتحدد إذا كانت الفتاة محتشمة أم لا لتدخل بيت الله، وعزاؤنا فقط أنهن نساء فضليات سيحكمن بصدق ودون تجن على أحد، ولا وجود لأهواء أو أحقاد شخصية أو غيرة هنا أو هناك، ولا يوجد شيء يسمي بالنسبية، فكل هذه فلسفات فارغة أتى بها الغرب الكافر ليحللوا كل شيء ويميعوا الأخلاقيات، مستخدمين حجج تافهة مثل اختلاف وجهات النظر والرؤى، وهذا بالطبع، أمر غير موجود، فكل البشر في كوكب طنطا: متفقون على كل شيء.
لقد عاش الأنبا بولا أوّل السواح عاريًاـ وارتدى فقط مسحة من القماش تغطي عورته. فلماذا لا نزيل صوره العارية من الكنائس مثلما نمنع أصحاب البناطيل الممزقة والشورت وصاحبات الجوارب القصيرة من الدخول؟ ولماذا نعتبر عريه نوعًا من الزهد والقداسة؟
أيهما أكثر احتراماً لقدسية الجسد: أن أرتدي ما أشاء بحرية، وأعامل باحترام دون أن يتم اختزالي إلى قطعة من اللحم؟ أم أن تأتي مجموعة من السيدات “الفضليات” للتحديق في جسدي “المقدس” والحكم على حشمتي من عدمها، وطردي أمام الجميع لأني غير مهذبة ولا أحترم جسدي المقدس؟! وهل يجوز لامرأة أن تفعل هذا بامرأة أخرى؟ بالطبع، الانتهاك الجسدي واحد إذا فعلته امرأة بحق امرأة، أو رجل بحق امرأة.
لا يليق بامرأة أن تبدي رأيها في جسد امرأة أخرى أو ملابسها. فضلاً على الإهانة والإيذاء النفسي حين تنظر لي سيدة باستعلاء قائلة لا يحق لكِ الدخول إلى بيت الله أبيكِ لأني أرى أن ملابسك مثيرة، وكيف ستعرف أن ملابسي ستثير الرجال وهي ليست ورجلا بل امرأة فاضلة؟ أليس من المفترض أنها بسيطة العينين ولا تفكر فيما يثير الرجال؟
أتذكر ذلك الموقف الذي حدث لي خلال ركوب الحافلة، حين قالت لي سيدة خلفي “معلش شدي إيشارب اللي قدامك عشان رقبتها باينة.” فأجبتها بالرفض معللة أن هذا يعد نوعاً من التعدي على ملكية غيري؛ لأنه لا يحق لي أن أمد يدي على أي إنسان، حتى لو كانت فتاة مثلي، وأجابت السيدة “خلاص قوليلها إن رقبتها باينة.” وانتهى الأمر بأن نظرت لي تلك السيدة باشمئزاز حين قلت لها إن هذا ليس من حقي أيضًا. كوني فتاة لا يمنحني حق التعليق على ملابس الأخريات وأجسادهن. وبالطبع، نادت هذه السيدة المتطفلة على الفتاة التي تجلس أمامي وقالت لها “رقبتك باينة.”
العذراء مثال الاحتشام
دائمًا ما يستخدم المتشددون العذراء كمثال لحث الفتيات على الخضوع لقوانينهم ورؤيتهم بخصوص الزي والحشمة؛ لأنها كانت تغطي شعرها. لكن، العجيب أنهم لا يشيرون إليها للحديث عن كرامة المرأة ومكانتها، وفي المقابل، يتحدثون عن حواء التي أغويت أولًا، وكيف عاقبها الله وأخضعها لآدم.
للعذراء عدة صور شهيرة ترتدي فيها ملابس البابا البطريرك كرئيسة للكنيسة الكاثوليكية، كما تضع الكنيسة الأرثوذكسية العذراء في مكانة أعلى من جميع الكهنة، والرتب، والملائكة. ومع ذلك، يردد البعض أن العذراء لم تنل رتبة الكهنوت، وعلى هذا، لا كهنوت للمرأة! مع أن العذراء لم تكن بحاجة لوضع يد بشرية عليها، لأنها ارتفعت عن جميع الرتب بالفعل، وأصبحت أعلى من جميع الكهنة، بشهادة نصوص الليتورجية.
أنتِ مرتفعة جداً، أكثر من رؤساء الآباء، ومكرمة أفضل، من الأنبياء.(ثيؤطوكية الأحد (التذاكية) – القطعة العاشرة)
سوف لا نجد شيئًا مرتفعًا عنك، ألا سوف تكوني أنت مرتفعة عن الجميع؟ … عندما نقول: الشاروبيم مرتفعون، أنت مرتفعة أكثر منهم جميعًا.(أثناسيوس الرسولي)
لكن، كل هذا لا يهم، ولا يعني تمجيد العذراء أن المرأة مكرمة في الكنيسة مثل الرجل. ويكفي أن الكنيسة تقبل دخولها في أثناء فترة الدورة الشهرية، وقبلت وجودها في الحياة من الأساس، وعلى الفتاة أن تتمثل بالعذراء في فضائل ثلاث لا غيرها: الحشمة، والخضوع، والصمت، لا تقف على منبر أو منجلية ولا تتزعم أي شيء.
تغطية الشعر في المجتمع اليهودي
من يقرأ عن العادات اليهودية القديمة يعلم أن تغطية الشعر لم تكن بهدف الاحتشام على الإطلاق. فالرجال كانوا يغطون رؤوسهم داخل المعابد اليهودية وخارجها. والسبب الرئيسي لتغطية النساء لشعرهن في المجتمع اليهودي هو للدلالة على الارتباط من عدمه، فغطاء الرأس كان يشير إلى ارتباط المرأة برجل آخر أو زواجها (مثل الدبلة)، وعدم تغطية الشعر كان يدل على أن المرأة متاحة للزواج وغير مرتبطة. ففكرة تغطية الرأس كنوع من الحشمة والعفة لم تكن هي السبب كما يظن البعض.
إن كان أكل اللحم يعثر أخي، فلا آكل إلى الأبد
يتعامل البعض مع هذا النص كمبرر لربط التحرش والسقوط في الشهوة بملابس المرأة، وإن كان لحم المرأة يعثر أخيها الرجل لتغطيه حتى لا يسقط في التجربة. لكن، المقارنة هنا غير عادلة. فكيف نخفف من وطأة شهوة رجل لجسد امرأة ونعامله وكأنه غير كامل الأهلية لا عليه حرج إن لم يستطع أنسنة البشر واحترامهم، ونساوي بينه وبين شخص دخل إلى المسيحية في القرن الأول الميلادي -وهي فترة شابها التهود والتخبط- لا يعلم إذا كان أكله لللحم المقدم للوثن عبادة للوثن أم لا. الفرق شاسع بين الموقفين!
كما تكمن المغالطة أيضًا في فداحة النتيجة التي تترتب على ذلك، لأن المتحرش -وفقا لذلك الرأي- ليس عليه حرج، ومفعولًا به، أو ليس مسئولًا بشكل كامل، فهو مخطئ وهي مخطئة مثله، وبهذا يتساوى الذئب مع الفريسة، ولتشعر الفريسة بالذنب لأنها تسببت في العثرة، وليشعر الذئب بأنه ربما ليس ذئبًا وليس مهووسًا بالجنس كما يظن. ولا تحدثني عن تغيير الإنسان من الداخل والخليقة الجديدة؛ لأن كل هذه فضائل غير واقعية تسقط بمجرد بمرور فتاة ترتدي فستانا قصيرًا من أمامك. لذا، فالحل في وضع تدابير حاسمة وصارمة، والاستعانة بلجنة الأمن النسائي ليخلوا لك الطريق لتتأكد أن “الجو آمن” في أثناء عبورك نحو قاعة الكنيسة.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟