المقال رقم 6 من 23 في سلسلة خواطر في تفسير إنجيل يوحنا

” فأجاب اليهود وقالوا له: «أية آية ترينا حتى تفعل هذا؟»
أجاب يسوع وقال لهم: «انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه».
فقال اليهود: «في ست وأربعين سنة بُنِي هذا الهيكل، أفأنت في ثلاثة أيام تقيمه؟ »
وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده.
فلما قام من الأموات، تذكر تلاميذه أنه قال هذا،
فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع.
ولما كان في أورشليم في ،
آمن كثيرون بإسمه، إذ رأوا الآيات التي صنع.
لكن يسوع لم يأتمنهم على نفسه، لأنه كان يعرف الجميع.
ولأنه لم يكن محتاجاً أن يشهد أحد عن الإنسان،
لأنه علم ما كان في الإنسان.“

« أية آية ترينا حتى تفعل هذا؟ »
في هذه المقالة نستعرض إجابة الرب علي أستراتيجية تجار الدين والرعاة اللصوص والأجراء الذين لجأوا إلي اللف والدوران والتحايل في مواجهة . فقد استبدلوا منهج الله الروحي المهتم بالحياة الأبدية بمنهج أرضي يهتم بالتجارة والبيع والشراء. و رأيناهم بدلاً من مراجعة عِوار وانحراف سلوكهم وتعليمهم، يهاجمون شخص الرب ويتحججون قائلين له «أية آية ترينا حتى تفعل هذا؟». فالإستراتيجية المخفية وراء أسلوبهم هي أن يتوه الناس بعيداً عن الحق الإلهي بالدخول في مناقشات حول الأشخاص وليس حول الحق. لذلك هاجموا شخص الرب يسوع المسيح وليس تعليمه بالحق. ولكن المسيح له المجد، لم يلتفت إلي أسلوب المراوغة والإصرار علي الشر عن طريق اللف والدوران واختلاق متاهات من السفسطة بأسئلة تبدو قانونية ”من أعطاك السلطان حتي تعلمنا وتنتقد ما نفعله؟ “. لقد كانت إجابة المسيح مستيكية، أي سرائرية. فمن خلال إجابته كشف الرب لهم عن السبب في سلوكهم المخالف للحق وكيف أن المسيح جاء ليخلصهم. فإجابة المسيح أستعلنت لهم أن السبب هو ” الموت الذي دخل إلي العالم بحسد إبليس“ (صلاة القداس) عندما تغرَّب عن الله خالقه وصار عبداً لطبيعة الموت الغريبة عنه. وأوضح الرب كيف أنه جاء ليخلصهم ويخلص البشرية من هذا الموت بموته وقيامته، بعد أن فشلت جهود الإنسان علي مر العصور أن يُخلِّص ويحرر نفسه من عبودية الموت علي الرغم من الفرصة تلو الفرصة التي سمح الله بها للبشر (أنبياء العهد القديم) لكي يُخلِّصوا أنفسهم – لو استطاعوا – مِن الشر المسيطر الذي يتنافر مع أصل خلقتهم الإلهي.

إن هذا التعليم اللاهوتي كان موضوع صلاة الأقباط وتسبيحهم علي مر عصورهم كما تظهره صلواتهم في القداس الإلهي :

يا الله العظيم الأبدي الذي خلق الإنسان علي غير فساد. والموت الذي دخل إلي العالم بحسد إبليس، هدمته بالظهور المحيي الذي لابنك الوحيد

فالمسيح – له المجد – جاء متجسداً لتجديد خليقة الإنسان بأن يخلصها من موتها وأن يعيد الحياة إليها. وعندئذ تستطيع أن تؤمن وتعود إلي أصلها. فالميت لا يطلب أحد منه شيئا لأنه ميت لا يستطيع شيئاً. لذلك فالخلاص المسيحي هو نعمة وهبة من الله في الآساس. هذا هو خلاص المسيح وهدف التجسد الإلهي والذي أشار إليه الرب المتجسد بقوله  “«انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه». وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده. فلما قام من الأموات، تذكر تلاميذه أنه قال هذا. فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع.“. فإن خلاص المسيح الذي تقدمه المسيحية ليس عمل بشري بل نعمة إلهية. هو عمل خلق إلهي لطبيعة جديدة  في الإنسان أشار إليها المسيح بطريقة مستيكية بقوله ” أقيمه“ وهو يشير إلي جسده الذي يحمل كل بشر.

« انقضوا هذا الهيكل …»
ولكني وقفت متعجباً من قول الرب لهم ” «انقضوا هذا الهيكل ..». وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده“. فهل كان الرب يدعوهم إلي قتله بأن ينقضوا هيكل جسده؟  حاشاً.

ولكننا هنا أمام قضية وجودية للإنسان، أي أنها شملت كل تاريخ وجود الإنسان، ألا وهي قضية خوف الإنسان من مواجهة مصيره الذي هو الموت. فالكتاب قال إن البشر ”خوفاً من الموت­ كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية“ (عبرانيين ٢).

نقول إن هناك طائفة من البشر قد تحالفت مع الموت لكي تعالج خوفها منه. لأن فاقد الحياة لا يخاف فقدانها بعد أن فقد ذاته وحياته باختياره. هؤلاء رئيسهم . وإليهم كانت عبارات المسيح ” «انقضوا هذا الهيكل..».أي هيكل جسده“.

« … وفي ثلاثة أيام أقيمه ».
ثم أكمل المسيح قوله بأنه سيقيم الإنسان من الموت عندما يقوم هو – له المجد – من القبر بعد ثلاثة أيام ” «انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه». وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده. فلما قام من الأموات، تذكر تلاميذه أنه قال هذا. فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع.“.

إن قول الرب «… وفي ثلاثة أيام أقيمه» كان موجهاً إلي الفريق الثاني من البشر ، وهم كل الذين عاشوا علي رجاء خلاص الله الذي سبق أن أعلنه منذ لحظة أن ”نسل المرأة (الرب يسوع المسيح) سوف يسحق رأس الحية (الشيطان) “.

هؤلاء هم الذين اختاروا علي مدي تاريخ البشرية أن يتحالفوا مع الحياة في مواجهة الخوف من الموت، وغلبوه بقوة الإيمان والرجاء، فلم يخافوا الموت ” أقول لكم يا أحبائي: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون أكثر“ (لوقا ١٢). فهم علي عكس الفريق الأول من البشر الذي تحالف مع الموت لكي لا يخافه بأن أستغرق في تغربه عن الله كفاقد للحياة  وأنحصر في عدمية ذاته الترابية ففقد ذاته.

” يسوع كان يعرف الجميع … وعَلِمَ ما كان في الإنسان.“
ولكن لا يزال هناك فريق ثالث من البشر لم يعرفوا المسيح الحياة بَعد. ولكنهم لم يتحالفوا مع الموت لأنهم انحازوا إلي الأصل الإلهي لخلقتهم الذي يتنافر مع طبيعة الموت الدخيلة علي أصلهم. هؤلاء مازالوا يعيشون في عبودية لهذا الخوف ويجاهدون.

إلي هؤلاء يقدم الوحي المقدس بشارة المسيح بالخلاص ليعتقهم من عبودية الخوف من الموت، إذ إن المسيح له المجد هو الوحيد الذي ” يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس، ويعتق أولئك الذين­ خوفاً من الموت­ كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية“ (عبرانيين ٢).

والسُبح لله.

بقلم د. رءوف أدوارد

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: خواطر في تفسير إنجيل يوحنا[الجزء السابق] 🠼 خواطر في تفسير إنجيل يوحنا<br /> الإصحاح الثاني (٥)[الجزء التالي] 🠼 خواطر في تفسير إنجيل يوحنا<br /> الإصحاح الثاني  (٧)
خواطر في تفسير إنجيل يوحنا<br /> الإصحاح الثاني  (٦) 1
[ + مقالات ]