- ☑ التقويم القبطي: بين الموروث والتصحيح
- التقويم القبطي: بين الموروث والتصحيح [٢]
- التقويم القبطي: بين الموروث والتصحيح [٣]
لأن الفلاح المصري القديم في وادي النيل هو أول من بدأ في الاستقرار في أراضيه الخصبة واعتمد على مياه النيل في الزراعة والعيش، كان من الطبيعي أن يكون أول من يحتاج لمعرفة أوقات العام ومواسمه. في تاريخ مجهول من عصور ما قبل الأسرات [1]، بدأ كهنة منف وهليوبوليس في متابعة أوقات فيضان النيل وفي مراقبة نجوم السماء.
ولأن النجوم شبه ثابتة بالنسبة لحركة الأرض حول الشمس، لاحظ الكهنة ظهور نجم ساطع قبل شروق الشمس مباشرة، أو ما يسمى helical rising الشروق النجمي
بالتزامن مع بدء قدوم الفيضان عند مدينة منف [2] فيما يقابل من التقويم الذي نستخدمه الآن منتصف شهر يوليو [3]. كان هذا هو النجم الذي اطلق عليه قدماء المصريين اسم سوبدت
وسمي لاحقا Sirius سريوس
من مجموعة canis major الكلب الأكبر
كما اسماها الإغريق، وهو النجم الذي يطلق عليه العرب؛ نجم الشعرى اليمانية
[4] وهو أسطع أجرام السماء بعد القمر والكواكب. كان هذا هو ميلاد التقويم المصري القديم.
التقويم المدني المصري القديم
لاحظ المصري القديم أن 365 يومًا يمرون بين شروق هذا النجم في سماء منف قبل تكرار ظهوره مرة أخرى، ولهذا، قسم العام إلى 12 شهرًا، كل منهم 30 يومًا، وأضاف المصري القديم شهرًا قصيرًا في آخر العام مكون من خمسة أيام فقط لإكمال أيام العام.
كذلك قسم العام إلى ثلاثة فصول تدور حول نشاطه الزراعي. كان كل فصل مكون من 4 شهور:
– أخيت [الفيضان]: ويمتد من منتصف يوليو حتى انحسار مياه الفيضان عن الأراضي الزراعية في منتصف نوفمبر.
– برت [الظهور]: أي ظهور الأرض عقب انحسار الفيضان، ويبدأ من نهاية هذا الفصل حتى منتصف مارس حيث يبدأ فصل الحصاد.
– شمو [الحصاد]: الذي ينتهي مع بدء فيضان العام الذي يليه.
لم يميز المصريين القدماء السنوات بعدّاد يبدأ من زمن معين كما نفعل نحن الآن [مثل 2024 عامًا بعد ميلاد المسيح] بل اكتفوا بنسبتها لسني حكم الملك، أي في السنة رقم كذا من حكم الملك فلان
. وكان هذا التقويم يختلف عن التقويم الديني الذي كان يعتمد في أعياده على ظهور القمر لذلك سمي civil calendar [التقويم المدني].
ولأن السنة الشمسية المدارية ليست 365 يومًا بالضبط، بل أكثر بربع يوم تقريبًا [ست ساعات]، بدأ شروق النجم سوبدت-سريوس الشعرى اليمانية
في التأخر عن بداية العام، فبعد أول أربع أعوام أصبح يحدث في اليوم الثاني للشهر الأول، وبعد أربع أعوام أخرى أصبح يحدث في اليوم الثالث، وهكذا دواليك، ويعود مرة أخرى للتزامن مع أول أيام العام بعد مرور 1460 عامًا.
استمر الوضع هكذا حتى عهد البطالمة، حيت قرر بطليموس الثالث، الذي كان يحكم مصر في منتصف القرن الثالث قبل الميلاد، إدخال يوم إضافي بحيث يصبح الشهر القصير ست أيام [بدلا من خمسة] كل أربع سنوات لضبط التقويم وإعادة الفصول لمواضعها، ولكن رفض الكهنة المصريين وبعض من العامة ذلك، واستمر الوضع كما هو دون ضبط.
التقويم الروماني القديم
قبل تأسيس الجمهورية الرومانية في القرن السادس قبل الميلاد، كان الرومان يتبعون تقويمًا قمريًا غير منتظم به عشرة شهور فقط (أربعة شهور 31 يومًا وستة شهور 30 يومًا) تاركين 55 يومًا في الشتاء دون تسمية، مع اعتبار السنة 360 يومًا فقط.
كان العام يبدأ بالربيع في شهر مارس
[5]، ثم شهر أبريل [6]، ثم ماي
[7]، ثم چونو
[8]، ثم كوينتيليس
[9]، ثم سيكستيلس
[10]، ثم سبتمبر
[11]، ثم أكتوبر
[12]، ثم نوڤمبر
[13]، ثم ديسمبر
[14]. وكما نرى فمعظم أسماء الشهور استمرت معنا حتى الآن.
عند قيام الجمهورية الرومانية، حدث إصلاح للتقويم وفقًا للتقويم اليوناني، وتم إدخال الأيام غير المحسوبة في شهري يناير چانوس
[15] وفبراير فبروتوس
[16] وأصبحت السنة قمرية مكونة من 355 يومًا.
وفي العام 154 قبل الميلاد، تقرر أن يصبح أول يناير چانوس
هو بداية العام، بدلًا من أول مارس.
التقويم اليولياني
كان الإصلاح الأبرز للتقويم الروماني هو اتباع السنة الشمسية المدارية المكونة من 365 يومًا وربع يوم، التي قرر إدخالها يوليوس قيصر
بعد اطلاعه على التقويم المصري النجمي على يد الفلكي المصري/الإغريقي سوسيجينيس السكندري
. ويتم تعويض الربع يوم عن طريق إدخال يوم إضافي كل أربع سنوات (كما اقترح بطليموس الثالث قبل ذلك).
ولضبط الفصول المدارية [الشتاء، الربيع، الصيف، الخريف] في مواعيدها، قرر يوليوس قيصر
جعل العام 46 قبل الميلاد [17] مكونًا من 446 يومًا وبدء التقويم اليولياني [نسبة إلى يوليوس قيصر
] المنتظم في يوم 1 يناير 45 ق.م بنفس أسماء وعدد أيام الشهور التي نعرفها الآن، عدا الشهر الثامن الذي كان 30 يومًا واسمه الثامن، وفبراير وكان 29 يومًا [30 يومًا في السنة الكبيسة].
ولكن قام أغسطس أوكتافيوس قيصر
بعد وصوله للحكم عام 27 ق.م. بأخذ يوم من فبراير ليصبح 28 يومًا [29 يومًا في السنة الكبيسة] وجعل الشهر الثامن الذي أسماه باسمه؛ أغسطس
31 يومًا، حتى يكون بنفس طول شهر يوليو
الذي سمي على اسم سلفه يوليوس قيصر
! واتبعت الإمبراطورية الرومانية كلها هذا التقويم منذ ذلك الحين.
وكان يتم حساب عدد الأعوام بناءًا على أعوام حكم قنصلي روما، اللذين كانا يُنتخبان سنويًا ويتوليان الحكم في أول يناير، وأحيانا كان يتم حساب الأعوام بدءًا من العام المفترض لإنشاء مدينة روما [18].
التقويم القبطي السكندري
اتساقًا مع التقويم الروماني اليولياني الجديد، اصدر أغسطس قيصر
فرمانًا عام 25 ق.م [19] بإصلاح التقويم المصري بإضافة اليوم المقترح قبل ذلك حتى تكون متسقة مع التقويم اليولياني. ولتمييزه عن التقويم المصري القديم سمي بـالتقويم السكندري
ولاحقًا بـالتقويم القبطي
.
استقرت أسماء الشهور على؛ توت، بابه، هاتور، كيهك، طوبة، أمشير، برمهات، برمودة، بشنس، بؤونة، أبيب، مسرى، النسئ. وأصبحت بداية التقويم “1 توت” [20]، والاعتدال الربيعي يوم 25 برمهات [21]، وتقرر إضافة اليوم الإضافي على الخمسة أيام الزائدة النسئ
كل أربع سنوات وذلك في العام الذي يسبق العام الكبيس في التقويم اليولياني. واستمر الوضع كذلك حتى دخلت المسيحية إلى مصر ولاحقا انتشرت في كافة أرجاء الإمبراطورية الرومانية.
لماذا تم اختيار “1 توت” الموافق 29 أغسطس ليكون بداية العام؟
عند بداية إصلاح التقويم القبطي [السكندري] بقرار من أغسطس قيصر، توافق بداية العام القبطي [1 توت] مع يوم 29 أغسطس في التقويم اليولياني، أو 30 أغسطس في السنة الكبيسة في التقويم القبطي. المشكلة هي أن هذا اليوم لا يتوافق مع شروق النجم سريوس الشعرى اليمانية
الذي يوافق بدء العام عند تأسيس التقويم المصري القديم [22]. لأن كما أثبتت الحسابات كان الشروق النجمي لسريوس عند مدينة منف يوافق 20 يوليو في التقويم اليولياني في تلك الفترة [23]. في كل الأحوال فيوم 29 أغسطس بعيد كل البعد عن موعد الشروق النجمي لسيريوس.
إذن لماذا؟
الحقيقة أن كاتب هذه السطور لم يتوصل لسبب اختيار هذا اليوم كبداية للتقويم المحدث. الاحتمال القائم هو أنه كان قرار فوقي من السلطة الرومانية، ولكنه يبقى مجرد تخمين.
مجمع نيقية وتحديد موعد الأعياد
بعد اعتناق الإمبراطور الروماني قسطنطين للمسيحية وإقراره أن تكون هي الديانة الرسمية للإمبراطورية، عُقد مجمع نيقية سنة ٣٢٥ [أي قبل الانقسام الكبير بين الشرق والغرب المسيحيين] وفي هذا المجمع تم الاتفاق أن يكون يوم ٢٥ ديسمبر في التقويم اليولياني [الموافق وقتها ٢٩ كيهك في التقويم القبطي السكندري]. وتم اختيار هذا اليوم كونه كان يتفق مع احد الأعياد الوثنية الكبيرة التي كانت يحتفل بها في أنحاء الإمبراطورية الرومانية، ولكي يتم استبدال الاحتفال بميلاد المسيح عند المسيحيين الجدد بالعيد الوثني القديم.
كذلك كان هناك تقليد مسيحي قديم أن العذراء بشرت من الملاك يوم 25 مارس، وعلى هذا يصبح 25 ديسمبر [تسعة اشهر بعد البشارة] هو موعد الميلاد.
أيضا يبدأ عيد الحانوكا [التجديد] اليهودي يوم 25 ديسمبر، فكان اختيار هذا اليوم لعيد الميلاد لاستبدال هذا العيد عند المسيحيين الذين من اصل يهودي.
ولكن لم يتم اختيار 25 ديسمبر لكونه أطول ليل وأقصر نهار كما هو شائع، لأن أطول ليل واقصر نهار عادة ما يقع يوم 21 أو 22 ديسمبر، وإنما الاحتفال الروماني بقدوم الشتاء كان يبدأ من 17 ديسمبر ويستمر حتى الاحتفال الكبير الذي كان يسمى عيد الشمس التي لا تقهر
والذي كان يتم يوم 25 ديسمبر.
أما عن عيد القيامة، فتم الاتفاق على أن يكون الأحد التالي لاكتمال أول قمر بعد الاعتدال الربيعي [٢١ مارس / ٢٥ برمهات] حتى يتفق مع رواية الإنجيل التي ذكرت حدث الصليب والقيامة بعد عيد الفصح اليهودي [14 نيسان بالتقويم اليهودي القمري] والذي يتزامن مع هذا التوقيت.
في ذلك الوقت، كان التقويمان القبطي واليولياني متفقين في حساب السنة على أساس 365 يومًا وربع يوم [6 ساعات] كما أسلفنا. واستمر استخدام التقويم اليولياني في الإمبراطورية الرومانية ثم في الممالك والإمارات الأوروبية حتى بعد انقسام خلقيدونية، الذي قسم الكنيسة إلى شرقية في القسطنطينية وغربية في روما.
متى تم اعتماد سنة ميلاد المسيح كبداية لتعداد سنوات التقويم اليولياني وسنة بدء حكم دقلديانوس لبداية تقويم الشهداء؟
في بداية القرن الرابع الميلادي، بعد نهاية حكم دقلديانوس ونهاية عصر الاستشهاد، قررت كنيسة الإسكندرية اعتماد 29 أغسطس عام 284 [عام بداية حكم دقلديانوس] كعام البداية epoch [العام رقم 1] لتقويم جديد يتبع نفس توقيتات التقويم القبطي السكندري تحت اسم تقويم الشهداء، وبدأت في وضع توقيتات الأعياد وجداول حساب عيد القيامة للسنوات القادمة اعتمادًا على هذا التقويم، وهو ما استمر في كنيسة الإسكندرية القبطية الأرثوذكسية حتى الآن.
لم يُستخدم تقويم الشهداء
في الغرب لأن كنيسة روما استمرت في اتباع تقليد تسمية السنوات باسم قنصلي روما أو بداية من تأسيس مدينة روما.
في القرن السادس الميلادي كان الراهب ديونيسيوس أكسيجوس
، يعيش بروما، وكلفه البابا يوحنا الأول، بابا روما، بأعداد جداول لمواعيد عيد القيامة، وذلك بعد اكتشاف أخطاء في الجداول التي تم إعدادها سابقًا.
اعتمد في إعداد الجداول الجديدة على الجداول التي أعدها أحد اتباع البابا كيرلس عمود الدين، بابا الإسكندرية، والتي كانت تتبع القواعد التي تم إقرارها في مجمع نيقية بصورة سليمة، ولكنها بالطبع كانت تستخدم تقويم الشهداء
.
لم يرد ديونيسيوس استخدام هذا التقويم، وبدلا منه، بدأ في حساب سنة ميلاد المسيح لينسب كل تواريخ جدوله لهذه السنة.
وبناءًا على ذلك، كان العام الذي اعد فيه الجداول هو عام الرب anno domini (A.D.) 525 الذي يوافق 525 عاما منذ ميلاد المسيح وفقًا لحسابات ديونيسيوس.
ولكن لم يتم استخدام هذه الطريقة في حساب الأعوام بشكل واسع إلا في القرن الثامن الميلادي بعدما استخدمه عدد من المؤرخين لتسجيل الأحداث، وأصبحت الأعوام السابقة على ميلاد المسيح هي أعوام ما قبل المسيح before Christ (B.C.).
الحسابات الحديثة اللاحقة على عصر ديونيسيوس أوضحت أن حساباته لم تكن دقيقة بما فيه الكفاية، لأنه وفقًا للتقويم الحالي توفى هيرودس الكبير في العام 4 قبل الميلاد، بالرغْم من أن المفترض أن المسيح ولد في عهده وكان يسعى لقتله.
ولأن استخدام التقويم الحالي أصبح من الانتشار بحيث يصعب تعديله بخصم أربع أو خمس سنوات منه، فلم يتم التعديل. وأجمع الباحثين على اعتبار أن ميلاد المسيح حدث في سنة ما بين 4 و 6 قبل الميلاد وليس سنة 1 ميلادية.
التقويم الجريجوري
مع مرور السنين لاحظ علماء الفلك في الغرب أن الاعتدال الربيعي [اليوم الذي يتساوى فيه الليل بالنهار] لم يعد يقع بين 20 و21 مارس كما تم ضبطه عند بداية إقرار التقويم في 45 ق.م.، بل اقترب من نهاية مارس.
حسم هذا الموضوع البابا غريغوريوس الثالث عشر، بابا روما، الذي كان محبًا للفلك. حيث استعان بعدد من علماء الفلك وتم حساب السنة، ووجد أنها ليست ٣٦٥ يومًا و٦ ساعات كما كان يتم حسابها في التقويم اليولياني، بل هي في المتوسط ٥ ساعات و48 دقيقة و45 ثانية. وهو ما جعل الاعتدال الربيعي في القرن السادس عشر يصبح يوم ١ أبريل!
وبناءًا عليه، تم إقرار تعديل التقويم بجعل بعض السنين التي تقبل القسمة على ٤ ليست سنوات كبيسة لتقليل عدد الأيام الزائدة وتعويض فرق الـ١٠ دقائق هذا [24].
ولكي يتم تصويب التقويم الحالي، قرر البابا في أكتوبر ١٥٨٢ حذف هذه العشرة أيام الزائدة من التقويم، بجعل يوم ١٥ أكتوبر هو التالي مباشرة ليوم ٤ أكتوبر في تلك السنة.
وأقرت كل الدول التي تتبع الكنيسة الكاثوليكية هذا التعديل فورًا، بداية من الإمارات البابوية، وممالك ومدن إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال، وكل الممالك الكاثوليكية ومستعمراتها بالعالم الجديد، ثم توالي اتباعه في أوروبا البروتستانتية تباعًا بعد مقاومة لعشرات السنوات.