
- التقويم المصري: بين الإصلاح والجمود
- التقويم المصري: من إليفنتين إلى راكوتي
- ☑ التقويم السكندري والتقويم اليولياني
- التصحيح الجريجوري والإصلاح القبطي
في العام 332 ق.م. وصلت جيوش الإسكندر الأكبر [1] إلى مصر ودخلتها دون مقاومة، حيث كانت البلاد تعاني من آثار دمار حكم الفرس [2].
وبعد تأسيسه مدينة الإسكندرية، ذهب الإسكندر إلى واحة سيوة ليقدم القرابين في معبد آمون، كعادة حكام مصر القديمة. وهناك أعلنته كاهنة المعبد ابنًا للإله آمون. وترددت أسطورة تقول إن أمه أولمبيا لها صلة قرابة بفرعون مصر الأخير، نختنبو الثاني [3]، آخر ملوك الأسرة الثلاثين، للإيحاء بأنه الوريث الشرعي لعرش مصر.
وعند وفاته عام 323 ق.م. تم تقسيم إمبراطوريته بين قادة جيوشه، وكانت مصر من نصيب بطليموس الأول الذي نصب نفسه ملكًا على مصر، وأسس لحكم البطالمة.
في العام التاسع لحكم بطليموس الثالث [4]، ثالث ملوك الأسرة البطلمية، صدر المرسوم الكانوبي في اليوم السابع عشر من شهر توبي (الشهر الأول من برت) الموافق للسابع من مارس عام 238 ق.م. كُتب هذا المرسوم باللغات اليونانية والهيروغليفية والديموطيقية في كانوبوس [5] قرب الإسكندرية، ووُجدت نسخ حجرية منه في مناطق عديدة من مصر، مما يعني أنه تم توزيعه في كافة أنحاء المملكة. ينص المرسوم أولاً على إقامة احتفال للملك بطليموس الثالث وزوجته الملكة برنيكي الثانية [6]، باعتبارهما آلهة الخير والإحسان، بالتزامن مع الاحتفال بشروق النجم سوتيس، والذي يقع في ذلك العام في اليوم الأول من شهر بايني (الشهر الثاني من شمو [الحصاد]). وثانياً، على إصلاح التقويم المدني عبر إضافة يوم سادس للأيام الخمسة الإضافية التي يتم وضعها في نهاية العام كل أربعة سنوات بهدف ضبط التقويم وتثبيته. ومما ذُكر في هذا المرسوم [7]:
قررنا إقامة مهرجان سنوي في المعابد وفي جميع أنحاء البلاد تكريماً للملك بطليموس والملكة برنيكي، المعروفين بآلهة الإحسان، في اليوم الذي تشرق فيه نجمة إيزيس [سوتيس]، والذي يُعتبر وفقًا للكتابات المقدسة رأس السنة الجديدة، ويُحتفل به الآن في السنة التاسعة في اليوم الأول من شهر بايني، حيث تُقام فيه احتفالات بوباستس الصغيرة والكبيرة [8]، ويتزامن مع موسم حصاد المحاصيل وارتفاع النهر. ولكن إذا حدث لاحقًا أن تغيّر موعد شروق النجم إلى يوم آخر كل أربع سنوات، فلا يُغيّر موعد المهرجان، بل يظل يُحتفل به في الأول من بايني كما كان يُحتفل به في السنة التاسعة، ويُقام لمدة خمسة أيام مع ارتداء أكاليل الزهور وتقديم القرابين والسكب وغيرها من المراسم المناسبة.
ولكي تبقى الفصول تسير كما ينبغي وفق النظام الحالي للكون، ولكي لا تُقام بعض الأعياد العامة التي يُحتفل بها في الشتاء في الصيف، أو تُقام أعياد الصيف في الشتاء في المستقبل كما حدث في الماضي وكما كان سيحدث الآن لو ظل ترتيب السنة كما هو ٣٦٠ يومًا بالإضافة إلى الأيام الخمسة التي تضاف لاحقًا، تقرر إضافة يوم احتفالي خاص بآلهة الإحسان كل أربع سنوات إلى الأيام الخمسة الإضافية قبل بداية السنة الجديدة، حتى يعلم الجميع أن الخلل السابق في ترتيب الفصول والسنة وفي المعتقدات المتعلقة بالنظام الكوني قد تم تصحيحه وإصلاحه على يد آلهة الإحسان.(جزء من المرسوم الكانوبي)
كان هذا القرار، كما يمكن أن نستنتج، نابعًا من إرادة الحكام الجدد للبلاد، وليس من رغبة محلية. فالأمر أن المصريين كانوا على دراية بتحرك التقويم المدني الخاص بهم، ورغم ذلك لم يبادروا بإصلاح التقويم، بل كان يعتبر الحفاظ على التقويم كما هو أحد الواجبات الدينية. فقد كان أحد المراسم الملزمة في تتويج الملوك أن يقسموا على عدم العبث بالتقويم، حتى يبقى العام (رنبت rnpt) وماعت، إلهة الحق والعدل والنظام الكوني، في اتفاق مستمر [9].
في الأغلب، لم يكن الغرض من هذا المرسوم تصحيح التقويم، بل فرض هيمنة الحكام البطالمة على طبقة الكهنة المصريين عبر إجبارهم على تعديل تقويمهم المقدس المتوارث. والدليل على ذلك أن القرار بتثبيت رأس السنة عند اليوم الأول من بايني (الشهر الثاني من برت [الظهور]) لن يعيد المواسم لمواضعها. فالمرسوم يدعي أن التعديل يهدف إلى منع وقوع أعياد الشتاء في الصيف، لكن اختيار الأول من بايني كرأس للسنة لن يحقق ذلك؛ لأن رأس السنة المدنية يقع، كما هو مفترض، في اليوم الأول من شهر توت (الشهر الأول من أخيت [الفيضان])، أي قبل الموعد المقترح بثلاثة أشهر. ولهذا، لم يلق المرسوم قبولًا ولم ينفذ، إذ مثل تحديًا كبيرًا لتقاليد مستقرة عند المصريين منذ آلاف السنين، واستمر التقويم كما هو حتى نهاية عصر البطالمة في القرن الأول قبل الميلاد.
نستنتج مما سبق أنه طوال حوالي ثلاثة آلاف عام، كان التقويم المدني المصري القديم يتكون من 365 يومًا دون أعوام كبيسة، مما أدى إلى عدم اتفاق يوم رأس السنة مع شروق النجم سبدت/سوتيس، وتحركه بمقدار يوم كل أربعة أعوام. وكنتيجة لذلك، تغيرت مواعيد الفصول، التي سُميت على أساسها المواسم الثلاثة للسنة، ولم يتزامن يوم بداية العام مع شروق النجم إلا كل 1460 عامًا. وعندما حاول البطالمة تصحيحه، رفض المصريون ذلك، وبقي التقويم كما هو. وبالتالي، لم يكن بالإمكان الاعتماد على التقويم المدني في الأنشطة الموسمية، مثل الزراعة والأعياد الدينية المرتبطة بها.
التقويم الروماني القديم
قبل تأسيس المملكة الرومانية في القرن الثامن قبل الميلاد، كان الرومان يتبعون تقويمًا قمريًا غير منتظم، يتكون من عشرة أشهر فقط (أربعة أشهر منها 31 يومًا، وستة أشهر 30 يومًا)، تاركين أيام الشتاء دون تسمية. كان العام يبدأ بالربيع في شهر مارتيوس وينتهي في الشتاء بشهر ديسمبر.
في القرن الثامن قبل الميلاد، وفي عهد الملك نوما بومبيليوس [10]، حدث إصلاح للتقويم وفقًا للتقويم اليوناني، وتم إدخال الأيام غير المحسوبة في شهرين أُطلق عليهما يوناريوس وفبراريوس، وأصبحت السنة قمرية مكونة من 355 يومًا.
وفي العام 153 قبل الميلاد، تقرر أن يصبح شهر يوناريوس هو بداية العام بدلاً من الأول من مارتيوس، حتى يتفق مع بدء حكم قنصلي روما اللذين كانا ينتخبان سنويًا. وكان يتم إدخال شهر إضافي عامًا بعد عام، مكونًا من 27 يومًا أو 28 يومًا، عقب شهر فبراريوس تحت اسم شهر مرسيدينوس، أي شهر العمل، لتعويض الفارق بين السنة القمرية ودورة الفصول المدارية في دورة ثابتة. كانت هذه الدورة مكونة من 24 عامًا، نصفها 355 يومًا ونصفها 377 يومًا. وكانت أسماء الشهور كالآتي:
اسم الشهر | معنى الاسم | عدد أيامه | |
1 | يوناريوس Ianuarius | جانوس، رب الزمن | 29 |
2 | فبراريوس Februarius | احتفال التطهير | 28 |
3 | مارتيوس Martius | مارس، رب الحروب | 31 |
4 | أبريليس Aprilis | أبروأو أفروديت، ربة الحب | 29 |
5 | مايوس Maius | مايا، ابنة أطلس رب السموات | 31 |
6 | يونيوس Iunius | جونو، ربة مدينة روما | 29 |
7 | كوينتيليس Quintilis | الخامس | 31 |
8 | سيكستيلس Sextilis | السادس | 29 |
9 | سپتمبر September | السابع | 29 |
10 | أكتوبر October | الثامن | 31 |
11 | نوڤمبر November | التاسع | 29 |
12 | ديسمبر December | العاشر | 29 |
كان الإصلاح الأبرز للتقويم الروماني هو إلغاء ذلك التقويم القمري المعقد واتباع السنة الشمسية المدارية المكونة من 365 يومًا وربع يوم، التي قرر يوليوس قيصر [11] إدخالها بعد اطلاعه على التقويم المصري المدني على يد العالم الفلكي المصري الإغريقي سوسيجينيس السكندري. وتم تعويض الربع يوم عن طريق إدخال يوم إضافي كل أربع سنوات، كما اقترح بطليموس الثالث في القرن الثالث قبل الميلاد.
ولضبط بدايات الفصول المدارية (الشتاء، الربيع، الصيف، الخريف) في مواعيد ثابتة في التقويم الجديد، قرر سوسيجينيس جعل العام 46 قبل الميلاد مكونًا من 446 يومًا بزيادة شهرين إضافيين على تلك السنة. وبدأ العمل بالتقويم اليولياني (نسبة إلى يوليوس قيصر) المنتظم في يوم 1 يوناريوس 45 ق.م بنفس أسماء وعدد أيام الشهور التي كانت في التقويم الروماني، لكن مع تعديل أطوال الشهور لتصبح:
الشهر | الأيام | |
1 | يوناريوس | 31 |
2 | فبراريوس | 29 (30) |
3 | مارتيوس | 31 |
4 | أبريليس | 30 |
5 | مايوس | 31 |
6 | يونيوس | 30 |
7 | كوينتيليس | 31 |
8 | سيكستيلس | 30 |
9 | سپتمبر | 31 |
10 | أكتوبر | 30 |
11 | نوڤمبر | 31 |
12 | ديسمبر | 30 |
بعد اغتيال يوليوس قيصر، قام ماركوس أنطونيوس [12] بتغيير اسم الشهر السابع من التقويم (شهر كوينتيليس) ليصبح على اسم يوليوس قيصر [شهر يوليوس] تكريمًا له، كونه من مواليد هذا الشهر. وتم ضبط الانقلاب الشتوي ليكون حول يوم 25 ديسمبر، وبالتالي أصبح الاعتدال الربيعي حول يوم 25 مارس من التقويم [13]، والانقلاب الصيفي حول يوم 25 يونيو. وكان يتم إضافة اليوم الإضافي في العام الكبيس لشهر فبراريوس، ليصبح 30 يومًا بدلًا من 29 يومًا في العام البسيط.
إلا أنه، وعلى سبيل الخطأ، تم تطبيق السنوات الكبيسة كل ثلاث سنوات بدلًا من أربع سنوات في الفترة من عام 43 ق.م. حتى عام 8 ق.م. مما جعل أوكتافيوس أغسطس قيصر [14]، الذي حكم روما منذ عام 27 ق.م. حتى 14 م، يقرر وقف السنوات الكبيسة لضبط التقويم مجددًا مع العودة لتطبيقها بالطريقة الصحيحة بدءًا من عام 4 بعد الميلاد [15].
عدّل أوكتافيوس أغسطس التقويم اليولياني في العام 8 قبل الميلاد، فأخذ يومًا من شهر فبراير ليصبح شهرًا مكونًا من 28 يومًا (أو 29 يومًا في السنة الكبيسة). وجعل الشهر الثامن (سيكستيليس)، الذي سماه باسمه (شهر أغسطس)، 31 يومًا حتى يكون بنفس طول شهر يوليوس، الذي سمي على اسم سلفه يوليوس قيصر. وتم تعديل أطوال الشهور التالية لشهر أغسطس كالآتي [16]:
الشهر | الأيام | |
1 | يوناريوس | 31 |
2 | فبراريوس | 28 (29) |
3 | مارتيوس | 31 |
4 | أبريليس | 30 |
5 | مايوس | 31 |
6 | يونيوس | 30 |
7 | يوليوس | 31 |
8 | أغسطس | 31 |
9 | سپتمبر | 30 |
10 | أكتوبر | 31 |
11 | نوڤمبر | 30 |
12 | ديسمبر | 31 |
تبنت الإمبراطورية الرومانية هذا التقويم منذ ذلك الحين، وكان يتم حساب عدد الأعوام بناءً على سنوات حكم القنصلين الرومانيين اللذين كانا ينتخبان سنويًا [17]. وأحيانًا، كان يتم حساب الأعوام ابتداءً من العام المفترض لإنشاء مدينة روما، والتي يعتقد أنها أنشئت عام 753 قبل الميلاد [18].
وعلى سبيل المثال، تولى هيرودس الكبير [19] حكم اليهودية بفلسطين في عام تولي قنصلي روما دوميتيوس كالفينوس وأسينيوس بوليو، الموافق للعام 714 من تأسيس روما، أي ما يوافق العام 40 قبل الميلاد. وتوفي هيرودس بعد أن حكم 37 عامًا، أي في العام 750 بعد تأسيس روما، أي ما يقابل العام 4 قبل الميلاد [20].
ولأن السنة المدارية ليست 365 يومًا وربع اليوم، بل هي تحديدًا تساوي 365.2422 يومًا، أي أقصر من السنة اليوليانية بـ 11 دقيقة و15 ثانية. تحركت مواعيد الفصول المدارية الأربعة مع مرور القرون، حيث يتراكم هذا الفارق ليوم واحد كل 128 عامًا.
وهكذا، أصبح التقويم المعتمد في الإمبراطورية الرومانية منذ منتصف القرن الأول قبل الميلاد هو التقويم اليولياني، وهو تقويم شمسي يهدف إلى ضبط السنوات على السنة المدارية، ولهذا كانت سنته 365 يومًا وربع اليوم (6 ساعات). إلا أن الفارق بينه وبين السنة المدارية جعل موعد الفصول يتحرك إلى الأمام بمقدار يوم واحد كل 128 عامًا.
التقويم السكندري
اتساقًا مع التقويم الروماني اليولياني الجديد، أصدر أغسطس قيصر فرمانًا عام 26 قبل الميلاد، حيث كانت مصر قد أصبحت ولاية رومانية منذ العام 30 قبل الميلاد. وقد قام بإصلاح التقويم المصري بإضافة اليوم المقترح قبل ذلك في المرسوم الكانوبي، حتى يكون متسقًا مع التقويم اليولياني [21]. ولتمييزه عن التقويم المصري القديم، سُمّي بالتقويم السكندري، ولاحقًا بالتقويم القبطي.
في ذلك العام، وافق اليوم الأول من شهر توت في التقويم المدني المصري يوم 29 أغسطس في التقويم اليولياني. وتنفيذًا لقرار أغسطس، تقرر إضافة اليوم الإضافي إلى الأيام الخمسة الزائدة كل أربع سنوات في العام السكندري، الذي ينتهي في العام اليولياني الذي يسبق العام اليولياني الكبيس [22]. وهكذا، أصبح رأس السنة السكندرية (1 توت) يوافق دائمًا يوم 29 أغسطس في السنة البسيطة، ويوم 30 أغسطس في السنة الكبيسة. وبالتالي، أصبح الانقلاب الشتوي يوم 29 كيهك الموافق 25 ديسمبر، والاعتدال الربيعي يوم 29 برمهات الموافق 25 مارس. هكذا، ثبت التقويم المصري في مكانه أخيرًا، وتوقف عن الحركة عبر الفصول.
وكانت أسماء الشهور في ذلك الوقت باليونانية، ثم بالقبطية بعد ذلك [23]، كما يلي:
باليونانية | بالقبطية | النطق الصوتي الحالي | |
1 | ثوت | توت Ⲑⲱⲟⲩⲧ | توت |
2 | فاوفي | باوبا Ⲡⲁⲱⲡⲉ | بابة |
3 | أتور | هاتور Ϩⲁⲑⲱⲣ | هاتور |
4 | كوهويك | كوياك Ⲕⲟⲓⲁⲕ | كيهك |
5 | توبي | طوبي Ⲧⲱⲃⲓ | طوبة |
6 | ميخر | مشير Ⲙⲉϣⲓⲣ | أمشير |
7 | فامينوس | برمهات Ⲡⲁⲣⲉⲙϩⲁⲧ | برمهات |
8 | فارموتي | برموتي Ⲡⲁⲣⲙⲟⲩⲧⲉ | برمودة |
9 | باخون | باشونس Ⲡⲁϣⲟⲛⲥ | بشنس |
10 | باوني | بأوني Ⲡⲁⲱⲛⲓ | بؤونة |
11 | إبيفي | أبيب Ⲉⲡⲓⲡ | أبيب |
12 | ميسوري | ميسوري Ⲙⲉⲥⲱⲣⲓ | مسري |
13 | إبيجونيماي | بي كودجي إن ابود (الشهر الزائد) Ⲡⲓⲕⲟⲩϫⲓ ⲛ̀ⲁⲃⲟⲧ | النسيء [24] |
أما عن سبب وقوع رأس السنة يوم 29 أغسطس، فقد ثبت من الحسابات المعتمدة على البرديات والنصوص التي تعود إلى العصر البطلمي أن اليوم الأول من شهر أخيت (شهر توت) في السنة المدنية كان يوافق في العام 144 ق.م. يوم 27 سبتمبر [25]. وبما أن التقويم المدني يتراجع يومًا واحدًا كل أربعة أعوام، ففي العام 26 ق.م. سيكون التقويم قد تراجع بمقدار 29 يومًا، أي أن 1 توت أصبح يوافق يوم 29 أغسطس من العام 26 قبل الميلاد وفقًا للتقويم اليولياني. نفس النتيجة سنصل إليها إذا بدأنا من لحظة التزامن السابقة بين رأس السنة وشروق النجم سوتيس، والتي حدثت كما أسلفنا في 17 يوليو عام 1321 ق.م.، سنجد أن رأس السنة في العام 26 ق.م. قد وقعت يوم 29 أغسطس.
وبالتالي، أصبح الإصلاح الروماني للتقويم المصري، وإن نجح في تثبيت التقويم بصورة نهائية، لم ينجح في إعادة المواسم إلى مواعيدها. فيوم 1 توت، الذي من المفترض أن يوافق بداية الفيضان وظهور النجم سوتيس، أصبح متأخرًا عن هاتين الظاهرتين بحوالي شهر ونصف أو أكثر. ففي تلك الفترة، كان شروق النجم سوتيس يحدث في يوم 18 يوليو، بينما كان فيضان النيل يبدأ بعد الانقلاب الصيفي، والذي كان يوافق في تلك الفترة يوم 25 يونيو، أي أنه كان يبدأ في حدود الأسبوع الأول من يوليو. وبالتالي، ووفقًا لهذا التصحيح، أصبح شهر توت يتوافق مع قرب نهاية الفيضان لا بدايته، وأصبح مبتعدًا بأكثر من 40 يومًا عن شروق النجم سوتيس.
وهكذا، أصبح التقويم السكندري المصري تقويمًا شمسيًا منتظمًا، لا يتحرك حول العام المداري دون تزامن مع الفصول كسلفه المصري المدني، وأضحى مطابقًا للتقويم اليولياني في كل شيء عدا موعد بدايته وأسماء وطول شهوره. وأمسى فاقدًا ارتباطه للأبد بالظواهر الموسمية الطبيعية التي تأسس على أساسها. وإن كان يحمل نفس المشكلة الموجودة في التقويم اليولياني، حيث تتحرك فيه مواعيد الفصول يومًا واحدًا كل 128 عامًا.
أصبح التقويم السكندري هو التقويم الرسمي لمصر طوال الفترة الرومانية، جنبًا إلى جنب مع التقويم اليولياني. وبالتبعية، أصبح هو التقويم المعتمد في الكنيسة المصرية مع انتشار المسيحية في مصر. ولفترة من الزمن، ظل الفلكيون السكندريون يستخدمون التقويم المدني المصري القديم المتحرك إلى أن اندثر مع الوقت [26]. وتدريجيًا، اندثر كذلك استخدام التقويم المصري القمري مع اندثار العبادة المصرية القديمة. وأصبح يُطلق على التقويم لقب التقويم القبطي في وقت لاحق، عقب الفتح العربي الإسلامي لمصر.
عصر الشهداء
منذ بداية انتشار المسيحية، كانت هناك محاولات لحساب سنة خلق العالم، اعتمادًا على نصوص الترجمة السبعينية للعهد القديم من الكتاب المقدس. كانت أولى هذه المحاولات لثيئوفيلس، سادس أساقفة أنطاكية، في القرن الثاني الميلادي. حيث قام بتأريخ الأحداث منذ خلق العالم حتى بدء عهد الإمبراطور ماركوس أوريليوس [27]، ووجد أنها تساوي 5689 عامًا. أي أن الخليقة حدثت تبعًا لذلك في العام 5529 قبل الميلاد، وفقًا لتقويمنا الحالي [28]. بينما وضعت كتابات يوسابيوس القيصري [29] والقديس چيروم [30] في القرن الرابع الميلادي هذا التاريخ عند 5199 قبل الميلاد [31].
في القرن الخامس الميلادي، وتحديدًا في العام 412 ميلادية، قام الراهبان السكندريان إنيانوس [32] وبانادوروس البيزنطي [33]، في حبرية البابا ثاؤفيلس الأول، البابا الثالث والعشرين من باباوات الإسكندرية، بإجراء حسابات معتمدة على الكتاب المقدس لحساب تاريخ بدء الخليقة. توصلا إلى أن الخليقة حدثت قبل العام الميلادي 412 بـ 5904 أعوام، أي أنها حدثت في العام 5493 قبل الميلاد. اتخذ بانادوروس يوم 29 أغسطس من العام 5493 كعام بداية لما سمّاه العصر السكندري
وكبداية للتقويم السكندري مع مده إلى الماضي [34]. وكانت كنيسة الإسكندرية قد بدأت في منتصف القرن الرابع في استخدام سنة تولي الإمبراطور دقليديانوس للحكم، وهي سنة 284 ميلادية، كعام بداية (epoch) (العام رقم 1) للتقويم السكندري مع تسميته بـتقويم الشهداء
. عُرف عصر حكم دقليديانوس [35] ومن بعده جاليريوس في مصر بعصر الاستشهاد، حيث حدث اضطهاد واسع للمسيحيين في الفترة بين عامي 303 و311 ميلادية.
اختلف إنيانوس السكندري مع بانادوروس، وحدد يوم بدء الخليقة في 25 مارس 5493 ق.م ليتوافق مع الموعد التقليدي لبشارة الملاك للعذراء بميلاد المسيح [36]، والذي يُحتفل به بعد تسعة أشهر في عيد الميلاد، أي في 25 ديسمبر. كما حدد سنة بشارة الملاك للعذراء، وبالتالي سنة ميلاد المسيح، والتي وافقت، وفقًا لحساباته، العام 5501 منذ الخليقة، أي العام 8 ميلادية وفقًا لتقويمنا الحالي. بالإضافة إلى ذلك، وضع إنيانوس جدولًا لحساب مواعيد عيد القيامة وفقًا للدورة الميتونية لمدة 532 عامًا وأرّخه وفقًا للتقويم السكندري للشهداء [37]. إلا أن هذا الجدول فُقد، ولم يبق منه إلا جدول من 95 عامًا وضعه البابا كيرلس عمود الدين بابا الإسكندرية [38] استنادًا إلى جدول إنيانوس.
على الجانب الآخر من المتوسط، استمرت الإمبراطورية الرومانية بعد أن أصبحت المسيحية دينها الرسمي في عهد قسطنطين الأول [39] في اتباع تقليد تسمية السنوات باسم قناصل روما، أو بدءًا من تأسيس مدينة روما، أو بترقيمها وفقًا لرقم السنة في دورة تقييم الضرائب [40]. إلا أنه في القرن السادس الميلادي، كلف البابا يوحنا الأول [41] بابا روما الراهب ديونيسيوس إكسيجوس [42] بإعداد جداول لمواعيد عيد القيامة لقرب انتهاء الجداول المستخدمة.
اعتمد ديونيسيوس في إعداد الجداول الجديدة على الجدول الذي أعده إنيانوس السكندري، والذي تبناه البابا كيرلس عمود الدين، والذي أرسله إلى روما قبل ذلك بنحو مئة عام في محاولة لإقناع بابا روما بصحة الطريقة السكندرية في تحديد موعد العيد. كان الجدول السكندري يبدأ من العام 153 للشهداء (437 م) وينتهي بعام 247 للشهداء (531 م). أراد ديونيسيوس أن ينسب جدوله الجديد إلى سنة ميلاد المسيح، بدلًا من سنة تولي قناصل روما، وبديلًا عن التقويم السكندري للشهداء أو التقويم الدقلدياني كما كان يتم تسميته.
وبناءً على ذلك، كان العام الذي أعد فيه الجداول هو عام ربنا يسوع المسيح Anno Domini nostri Jesu Christi (A.D.) رقم 525، أي العام الذي يوافق 525 عامًا منذ تجسد المسيح وفقًا لحساباته [43]. ووفقًا لديونيسيوس، فقد ولد المسيح يوم 25 ديسمبر في العام الذي يسبق عام 1 ميلادية، أي في العام 1 قبل الميلاد [44] Before Christ (B.C.) [45]. صدّر ديونيسيوس جدوله بمقدمة شرح فيها كل ذلك [46]:
هذه الدورة، التي تبلغ ٩٥ عامًا، قد اجتهدنا فيها قدر استطاعتنا في الإعداد بعناية. أما الدورة الأخيرة، أي الخامسة، للقديس كيرلس، والتي ما يزال يتبقى منها ست سنوات، فقد أضفناها كمقدمة لعملنا هذا. ثم قمنا بتأليف خمس دورات إضافية، متبعين منهج ذلك الحبر، بل ومنهج المجمع النيقاوي المعروف. ولأن القديس كيرلس بدأ دورته الأولى من السنة ١٥٣ لعهد دقلديانوس وأنهى آخرها في السنة ٢٤٧، فقد بدأنا من السنة ٢٤٨ لذلك الحاكم نفسه، وهو طاغية أكثر منه أمير، لكننا لم نرغب في إدامة ذكرى ذلك المُضطهد الفاجر في دوراتنا، لذلك اخترنا بالأحرى أن نعد السنين من تجسد ربنا يسوع المسيح، بحيث يبرز لنا بوضوح أكبر بداية أملنا، ولكي تظهر آلام فادينا سبب خلاص البشرية بشكل أكثر وضوحًا.[47](ديونيسيوس إكسيجوس، عن الدورة الفصحية)
لم يوضح ديونيسيوس في جداوله كيفية حساب موعد ميلاد المسيح، ولكن أوضحت الدراسات الحديثة اللاحقة على عصر ديونيسيوس أن حساباته لم تكن دقيقة بما فيه الكفاية، وأخطأت في حساب سنة الميلاد، كما أخطأ إنيانوس قبله. فحسب الحساب الذي قام به، وقعت وفاة هيرودس الكبير في العام 4 قبل الميلاد، رغم أنه من المفترض أن المسيح ولد في عهده وكان يسعى لقتله. يضع أغلب الباحثين حاليًا سنة ميلاد المسيح بين عامي 4 و 6 قبل الميلاد، وليس في سنة 1 ميلادية كما هو مفترض، حيث لا يوجد دليل قاطع يمكننا من تحديد سنة بعينها. وبالمثل، لا يوجد تاريخ دقيق قاطع لسنة صلب وقيامة المسيح.
قام القديس بيدا [48] في القرن السابع الميلادي بتمديد جدول ديونيسيوس، مستخدمًا نفس طريقة التأريخ حتى العام 1063م. وهو ما جعل استخدام هذه الطريقة في حساب السنوات ينتشر تدريجيًا في أوروبا، ومنها إلى بقية العالم. استمرت كنيسة الإسكندرية في استخدام تأريخ الشهداء، نظرًا لانقطاع الاتصال بين كنيستي الإسكندرية وإنطاكية من جانب، وكنيستي القسطنطينية وروما من جانب آخر، في أعقاب الانقسام الذي حدث في مجمع خلقدونية المسكوني عام 451 ميلادية.
في أعقاب سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية [49] وانقطاع الاتصال بين روما والقسطنطينية، عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية)، لفترة من الزمن، بدأت الكنيسة البيزنطية، منذ نهاية القرن السابع الميلادي، في استخدام سنة مختلفة كبداية للتقويم اليولياني، وذلك عبر حساب عام الخليقة عند 5509 قبل الميلاد، بفرق 16 عامًا عن التقويم السكندري. كذلك، بدأ التقويم الرسمي والكنسي في يوم 1 سبتمبر، وليس 29 أغسطس أو 1 يناير. واستمرت هذه الطريقة في حساب السنوات مستخدمة كتقويم رسمي للإمبراطورية البيزنطية حتى سقوط القسطنطينية في يد العثمانيين عام 1453، بينما استمرت كتقويم رسمي في روسيا والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية حتى القرن الثامن عشر. وتُستخدم جنبًا إلى جنب مع التقويم الغريغوري حاليًا في جمهورية جورجيا تحت اسم التقويم الجورجي.
في العصور الوسطى، استُخدم تاريخ موازٍ لتاريخ الشهداء في مصر والشرق تحت مسمى العام الميلادي الشرقي
، والذي يبدأ من سنة 8 / 9 ميلادية [50]، باعتبارها سنة ميلاد المسيح وفقًا لحسابات إنيانوس السكندري [51]. وهو التاريخ الذي اعتمدته كنيسة إثيوبيا كسنة بدء تقويمها، وهو تقويم مطابق للتقويم السكندري في كل شيء عدا سنة البداية. وهذا التقويم هو التقويم الرسمي لجمهورية إثيوبيا حتى الآن، ولهذا، على سبيل المثال، فالسنة الإثيوبية الحالية (2025) هي سنة 2017 ميلادية وفقًا للحساب السكندري أو الشرقي.
وهكذا، أصبحت هناك طرق مختلفة لحساب السنوات ولموعد رأس السنة باختلاف الشعوب في العالم المسيحي، وإن اتفقوا جميعًا على أن سنتهم شمسية مكونة من 365 يومًا وربع اليوم.