هل فكرت يومًا في الاختيار الذي كان على موسى النبي أن يتخذه حين ترك مصر؟ هذا الاختيار هو ما جعل موسى النبي عظيمًا!
«قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ، إِذْ تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ وَتَسْمَعُ لِصَوْتِهِ وَتَلْتَصِقُ بِهِ، لأَنَّهُ هُوَ حَيَاتُكَ وَالَّذِي يُطِيلُ أَيَّامَكَ لِكَيْ تَسْكُنَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي حَلَفَ الرَّبُّ لآبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ إِيَّاهَا»(سفر التثنية 30: 19-20)
سليمان الملك الحكيم معروف بحكمته، ودانيال النبي معروف برؤاه، وداود الملك معروف بمزاميره، والقديس بطرس الرسول معروف بحماسته؛ لكن موسى النبي أصبح عظيمًا بسبب الاختيار الذي اختاره.
نقرأ في سفر العبرانيين الإصحاح الحادي عشر إن موسى من بين أبطال الإيمان عند الرب يسوع.
«بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلًا بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ، حَاسِبًا عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ، لأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمُجَازَاةِ»(رسالة بولس إلى العبرانيين 11: 24-26)
موسى النبي، الذي وجدته ابنة فرعون وهو طفل في سلة بين أعشاب نهر النيل، نشأ في قصر فرعون بين الثروة والرخاء والعظمة التي كانت تميز هذا العصر. ولكن عندما بلغ سن الرشد، كان عليه أن يختار بين أمرين: هل يكون مخلصًا لمصر ويرتدي تاج الفراعنة، أم يختار الحياة مع شعب بني إسرائيل؟ فقد كان عبرانيًّا وليس مصريًّا.
يا لها من أزمة بالنسبة لهذا الشاب موسى!
تخيله وهو يصعد إلى مكان مرتفع وينظر إلى أضواء القصر وهي تتلألأ من المدينة الإمبراطورية – القصر بكل ثرواته وجماله، الأشياء التي اعتاد عليها طوال حياته.
ثم لو إنه نظر جنوبًا نحو الأهرامات، حيث كان شعبه يعمل كعبيد لفرعون، يصنعون الطوب؛ وبينما كانوا يعملون على صوت سوط سائق العبيد، بالتأكيد كان قلب موسى يحترق في داخله.
كان واحدًا من الشعب العبراني، ولكن إذا اختار أن يكون هكذا، فسوف يتعين عليه أن ينسى كل الرَفَاهيَة التي كان يتمتع بها دائمًا؛ سوف يرتدي زي العبيد المحتقر ويتخلى إلى الأبد عن أمه بالتبني، ابنة فرعون.
لكنه اختار، كما تقول كلمة الله «أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ».
في ذلك الزمان كانت “ملذات الخطية” أكثر إغراءً مما قد يتصوره المرء من هذا البيان البسيط، لأن مصر في ذلك الوقت كانت المكان الأكثر جاذبية على الأرض. كانت مخازنها مليئة بالحبوب، وكانت ثروات العالم تتدفق إلى خزانتها ــ وكان بوسع موسى أن يرث كل ذلك. لقد تهذَّب موسى «بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ»
[1]، لذلك كان يعرف بالضبط ماذا يعني مثل هذا الاختيار: التحوُّل من خيرات أعظم إمبراطورية على الأرض إلى العبودية!
ولكنه لم يكن متعلمًا وحكيمًا فحسب، بل كان بعيد النظر؛ وكان على استعداد للتضحية بالمتعة الحالية من أجل مكاسب مستقبلية: «كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمُجَازَاةِ»
[2].
بعبارة أخرى، كان يعلم أن ملذات الخطية كان دوامها للحظة فقط، ولكن مجازاة الله للاختيار الصحيح كانت إلى الأبد. لقد فهم موسى أنه بدون رحمة الله، فإن كثير الغنى لا يعدو أن يكون فقيرًا.
كتب القديس بولس الرسول عن الرب يسوع «أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ»
[3]. وهذا هو الاختيار الذي اتخذه موسى النبي أيضًا.
لقد كان اختياره سببًا في الفقر والمعاناة والإذلال المروع، ولكنه قرر أن يفضِّل أن يكون أصغر أبناء الله هنا في هذا الدهر، وبعد ذلك ينال إكليلًا إلى الأبد في الحياة الأبدية:
«طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ»(رسالة يعقوب 1: 12)
«كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ»(سفر الرؤيا 2: 10)
ولذلك فقد اتخذ موقفًا مع أبناء الله، حتى يقف معهم أمام الملك الأبدي وينال إكليل الحياة.
ربما كان وقوفه على درجات ترقي القصر يبدو وكأنه اختيار أحمق، ولكن وقوفه على درجات عرش الله في السماء، في حين ينظر موسى إلى الوراء، كان اختيارًا حكيمًا ومجيدًا!
لقد أصبح واحدًا من أعظم قادة العالم، ويمتد تأثيره إلى يومنا هذا.
كثيرون اليوم قصيرو النظر عندما يتخذون خياراتهم؛ لا يرون إلا الحاضر. إنهم يبيعون المستقبل من أجل الحاضر. إنهم غير مبصرين للمكافأة التي كان من الممكن أن تكون لهم.
والآن: ماذا عن اختياراتك؟ هل تعاني من قصر النظر الروحي، حيث تعيش في الغالب من أجل الحاضر؟
أم أنك تركز في قلبك وعقلك على المجازاة العظيمة التي وعد بها الرب أولئك الذين وضعوه وملكوته في المقام الأول؟ هل تبعد الملذات بصرك عن المكافأة العظيمة التي أعدها الله لك؟
إن حقائق الأبدية هي نعيم إلى الأبد! الله يحبك ولديه خطط عظيمة لحياتك، لكنه يترك لك الاختيار.
فاختر الخيار الصحيح: «اخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ»!