سوف نحاول في هذا البحث الموجز، عزيزي القارئ، الإجابة عن تساؤلات في غاية الأهمية تمس قضية الموت، وهي:
– هل الله يميت البشر؟
– هل الله يعاقب البشر بالموت؟
– هل الله يهلك البشر؟
– هل الله هو علة موت البشر؟

تساؤلات جد خطيرة تمس واقعنا المسيحي المعاصر.

لقد خرج علينا البعض يدعون زورًا وبهتانًا على الله أنه إله يميت ويقتل ويهلك البشر. بل ويقدمون صورًا مشوهة عن الألوهة مستغلين آيات الكتاب المقدس التي يأوّلونها حسب أهوائهم وأفكارهم الضحلة والمشوهة عن الألوهة المنزهة عن الموت والهلاك والفناء. فالله كلي الصلاح، وبسبب صلاحه جلب الإنسان من العدم إلى الوجود، فكيف يُرسله بيديه مرة أخرى إلى العدم؟ هل هذا معقول؟

هؤلاء يفعلون كما فعل الوثنيون قديمًا حيث كانوا ينسبون الموت إلى إله الموت وذلك في سياق تعدد الآلهة، وكأنهم لم يسمعوا عن الله معطي الحياة الذي أُظهر بالكامل وأُعلن عنه بالكامل في ابنه ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، الذي خبَّر عن الله الذي لم يره أحد قط. فالمسيح هو الإعلان الحقيقي والكامل عن الله الحي، لم يقل المسيح عن نفسه في الإنجيل أنا هو الموت، لم يقل عن نفسه أنا هو المهلِك، ولم يقل أنه هو علة هلاك البشرية وسبب إماتتها، بل قال عن نفسه أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا، جئت لأُخلِّص العالم لا لأُدين العالم.

هؤلاء لم يعرفوا المسيح القائم من بين الأموات بعد، هؤلاء لا زالوا قابعين في حرفية والفريسية البغيضة التي طالما رفضها السيد المسيح، هؤلاء لا زالوا في مرحلة البداوة الروحية، للأسف مازال هؤلاء يُفكِّرون بمنطق همجيّ بربريّ عن الألوهة ناسبين إليها فعل الإماتة والإهلاك والإفناء للبشرية، هؤلاء أبناء الموت وليسوا أبناء الحياة.

هؤلاء يُمثِّلون ردة إلى اليهودية والتهود، بل يُمثِّلون ردة إلى عصور ما قبل التاريخ البشري المتحضر، ينسبون للألوهة ما ليس فيها، ويسقطون أفكارهم المريضة والمشوشة عن الألوهة كلية الصلاح والرحمة والرأفة، معتقدين أنهم بذلك يعبدون الإله الحقيقي المهلك المميت في نظرهم، بل يعتقدون أنهم يُقدمون خدمة لله بالدفاع عنه كمبيد وقتال للبشر، ونسوا أن إبليس الكذاب وأبو الكذب هو الذي كان قتالًا للناس منذ البدء، إبليس مخترع الموت والخطيئة، الذي أغوى الإنسان وأسقطه في الخطيئة بإرادته، فصار الإنسان علة موته مشاركًا في هلاكه وفنائه بسبب خضوعه لغواية إبليس وتعديه وعصيانه لله، وانفصاله الإرادي عن مصدر حياته، أي الله، فصار هو نفسه علة موته وهلاكه، وليس الله جابله وخالقه ومانحه الحياة.

سنحاول الإجابة على سؤال: هل الله يميت البشر؟ وذلك من خلال شهادات الكتاب المقدس وشهادات آباء المعلمين، وشهادة صلوات الة المقدسة. وأود التنويه إلى أن النصوص الكتابية والآبائية المذكورة في هذا البحث هي جزء من كل، فهناك العديد والعديد من الشهادات والنصوص الكتابية والآبائية والليتورجية التي تؤيد هدف البحث، وهو أن الله لا يميت البشر، بل هو المحيي ومانح وواهب الحياة والخلاص من الموت للبشرية جمعاء.

شهادات الكتاب المقدس

يدَّعي البعض عن جهل وبدون وعي أن الله يُنزِل الموت على البشر كعقوبة، وكأنَّ الله هو علة موت الإنسان. وهذا التعليم عارٍ تمامًا عن الصحة، بل وضد تعاليم الكتاب المقدس والتقليد الرسولي والآبائي. يُعدّ الموت في تعاليم الكتاب المقدس هو نتيجة التعدي والعصيان، وليس من الله، حيث قال الله للإنسان: وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ [1]. ويذكر أن الشرير يموت من خطيته وليس بإنزال الله الموت عليه: الشِّرِّيرُ تَأْخُذُهُ آثَامُهُ وَبِحِبَالِ خَطِيَّتِهِ يُمْسَكُ. إِنَّهُ يَمُوتُ مِنْ عَدَمِ الأَدَبِ، وَبِفَرْطِ حُمْقِهِ يَتَهَوَّرُ [2]. ويقول إرميا النبي أن الموت هو نتيجة ذنب الشخص نفسه: بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ. كُلُّ إِنْسَانٍ يَأْكُلُ الْحِصْرِمَ تَضْرَسُ أَسْنَانُهُ [3].

ويتحدَّث سفر الحكمة أن الموت هو نتيجة أفعال البشر الشريرة، وليس من الله كما يدَّعي البعض عن جهل: لا تغاروا على الموت في ضلال حياتكم ولا تجلبوا عليكم الهلاك بأعمال أيديكم، إذ ليس الموت من صُنع الله ولا هلاك الأحياء يسره [4]، ويُؤكِّد سفر الحكمة أيضًا أن البشر هم مَن جلبوا الموت على أنفسهم بأيديهم وأقوالهم، وليس الله هو مَن أنزل الموت: لكن المنافقين هم استدعوا الموت بأيديهم وأقوالهم ظنوه حليفًا لهم فاضمحلوا وإنما عاهدوه لأنهم أهل أن يكونوا من حزبه [5]، ويُؤكِّد سفر الحكمة أن الموت دخل إلى العالم بحسد إبليس، ولم يكن الله هو علة موت الإنسان: فإن الله خلق الإنسان خالدًا وصنعه على صورة ذاته، لكن بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم [6].

ويُؤكِّد حزقيال النبي أن النفس التي تخطئ هي التي تموت، وليس الله هو مَن يميتها: اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ [7]، ويقول الله في سفر حزقيال إنه لا يسره موت الشرير، فكيف يكون الله هو علة موته: هَلْ مَسَرَّةً أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ؟ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. أَلاَ بِرُجُوعِهِ عَنْ طُرُقِهِ فَيَحْيَا؟ [8]. ويُؤكِّد يشوع بن سيراخ أن الموت دخل إلى العالم بخطية المرأة ، وليس من الله: من المرأة ابتدأت الخطيئة وبسببها نموت نحن أجمعون [9]. ويُؤكِّد سفر المكابين الثاني أن الله هو رب الحياة وليس رب الموت: ودعا رب الحياة والروح أن يردهما عليه ثم فاضت نفسه [10].

ويُشدِّد المسيح له كل المجد أن الله هو إله أحياء وليس إله أموات: لَيْسَ اللهُ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ [11]. وهكذا يؤكد أن الموت دخل إلى العالم بالخطية، وليس من الله: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ [12]. ويُشدِّد بولس الرسول على أن أجرة أو ثمن الخطية هو الموت، وبالتالي، الموت نتيجة للخطية وليس من الله: لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا [13]. وهذا ما يقوله مُعلِّمنا أن الموت هو نتيجة عن الخطية، وليس نتيجة عن الله كما يدَّعي البعض عن جهل: ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا [14]. وهكذا نجد أن الكتاب المقدس بعهديه يؤكد على أن الخطية والشر هما علة الموت، وليس الله هو علة الموت. فالله لم يقل في الكتاب المقدس: ”أنا هو الموت“ حاشا! بل قال: أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ [15]، وقال أيضًا: أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ [16].

فالحياة هي صفة جوهرية من صفات الجوهر الإلهي منذ الأزل، فالله هو معطي الحياة وواهبها، وجابل الخليقة من العدم إلى الحياة، فكيف يميت الله الإنسان بعدما أحضره من العدم إلى الوجود والحياة؟! الحياة هي صفة من صفات أقانيم ولا يوجد الموت كصفة من صفات الجوهر الإلهي، فكيف يميت الله البشر، أو يُنزِل الموت عليهم؟ هل الموت صفة أزلية في الله الثالوث يمارسها بين أقانيمه منذ الأزل كصفات المحبة، والقداسة، والحكمة، والبر، والحياة… إلخ؟ بالطبع، لا. بل الآب والابن هما مصدر الحياة ولهما الحياة في ذاتيهما وليس الموت أو الإماتة كما يدَّعي البعض عن جهل، حيث يقول يوحنا الرسول: لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذلِكَ أَعْطَى الابْنَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ [17]. وتُمارِس أقانيم الثالوث فعل الإحياء، وليس فعل الإماتة، كما يقول يوحنا الرسول: لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الابْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ [18]. والروح القدس هو روح الحياة وليس روح الموت.

فأريد أن أسأل أولئك الذين يدَّعون بالباطل على الله أنه يميت البشر، كيف يميت الله خليقته التي جلبها من العدم إلى الوجود، ليرجعها مرةً أخرى من الوجود إلى العدم؟ فلماذا جلبها بالأساس من العدم إلى الوجود لكي يعيدها مرةً أخرى من الوجود إلى العدم؟ أليس هذا تناقض صارخ؟!

يُشِير الكتاب المقدَّس في إشارات عديدة إلى أن إبليس هو الذي كان قتالًا للناس منذ البدء، وليس الله هو الذي يعاقب البشر بالموت. حيث يؤكد الكتاب المقدس على أن الشر هو الذي يميت الشرير، وليس الله: الشَّرُّ يُمِيتُ الشِّرِّيرَ، وَمُبْغِضُو الصِّدِّيقِ يُعَاقَبُونَ [19]. وهكذا نرى في قصة طوبيا أن هو الذي كان يقتل أزواج سارة، لذا نجد طوبيا يتحدث عن أن الشيطان هو الذي قتل أزواج سارة السبعة: فأجاب طوبيا وقال: إني سمعت أنه قد عُقِدَ لها على سبعة أزواج فماتوا، وقد سمعت أيضًا أن الشيطان قتلهم [20]. فالشيطان إذًا هو الذي يقتل البشر وليس الله.

يتحدَّث السيد المسيح له كل المجد عن أن الشيطان كان قتالًا للناس، ويميت البشر منذ البدء، وليس الله: أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَق. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ [21]. ويُؤكِّد بولس الرسول أن إبليس هو مَن له سلطان الموت، أيّ القدرة على إماتة البشر، وليس الله هو الذي يعاقب البشر بالموت: فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ [22]. ويُشبِّه إبليس خصم البشر بأنه كأسد زائر يلتمس مَن يبتلعه ويميته، وليس الله هو الذي يميت البشر: اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ [23]. ويتحدَّث بولس الرسول عن تسليم الخاطئ إلى الشيطان لهلاك الجسد مؤكدًا على أن الموت والهلاك من الشيطان، وليسا عقوبةً من الله للبشر: أَنْ يُسَلَّمَ مِثْلُ هذَا لِلشَّيْطَانِ لِهَلاَكِ الْجَسَدِ، لِكَيْ تَخْلُصَ الرُّوحُ فِي يَوْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ [24].

ولكن قد يتحجَّج البعض ويقول إن الكتاب يذكر عن الله أنه يحيي ويُمِيت: الرَّبُّ يُمِيتُ وَيُحْيِي. يُهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ وَيُصْعِدُ [25]، فنرد أن الكتاب ذكر أيضًا أن الله هو خالق الظلمة وخالق الشر: أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ، صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ [26]. فنتساءل هل الله هو خالق الظلمة والشرّ أيضًا مثلما يُمِيت؟ بالطبع لا، ولكن الكتاب المقدَّس كان يهتم بالإعلان عن وحدانية الألوهة في وسط الشعوب التي تُؤمِن بمذهب تعدُّد الآلهة، ويجعلون لكل شيء إله، إله للنور، وإله للظلام، وإله الخير، وإله الشرّ، وإله الموت… إلخ. وكانت هناك الشعوب التي تُؤمِن بمذهب ثنائية الألوهة كالزرادشتية والة وال، حيث يرون أن هناك إلهان: إله الخير وإله الشرّ، النور والظلمة، الحياة والموت، وهكذا. لذا كان يُحارِب الكتاب المقدَّس هذه المذاهب المنحرِفة عن الألوهة بنسب كل الأشياء إلى الإله الواحد الوحيد، حتى لو كان الله ليس هو خالق الظلمة، أو الشر، أو الموت، بل الله صالحٌ وهو خالق النور والخير والحياة، بالتالي، لابد أن ننتبه إلى حديث الكتاب المقدَّس عن وحدانية الألوهة للتأكيد على وجود كل الأشياء في دائرة سيطرة الله وتدبيره وعنايته بالخليقة كلها، فلا يحدث شيء خارج سيطرة الله الواحد الوحيد.

شهادة الليتورجية القبطية

دخول الموت بحسد إبليس

تحتوي الليتورجية القبطية على العديد من الإشارات التي تنفي أن يكون الله علة موت الإنسان، أو يميت الإنسان كعقوبة له على الخطية، بل خلق الله الإنسان على غير فساد (موت)، بينما دخل الموت إلى العالم بحسد إبليس. حيث يُصلي الكاهن في صلاة الصلح في القداس الباسيلي [27] الآتي:

يا الله العظيم الأبديّ الذي جبل الإنسان على غير فساد: والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس هدمته بالظهور المحيي الذي لابنك الوحيد الجنس ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح

(، ال المقدس وخدمة الشماس)

الإنسان اختطف الموت لنفسه

وهكذا يُصلِي الكاهن في القداس الغريغوريّ في صلاة ”قدوس“ مُؤكِّدًا على أن الإنسان هو الذي بإرادته خالف الوصية، واختطف له قضية الموت، ولم يكن الله هو الذي عاقبه بالموت [28] كالتالي:

غرسٌ واحدٌ نهيتني أن آكل منه، فأكلتُ بإرادتي، وتركتُ عني ناموسك برأيي. وتكاسلت عن وصاياك. أنا اختطفتُ لي قضية الموت

(إيسيذوروس البراموسي، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس)

تأديبات الله المؤدية للحياة

ويُصلِي الكاهن أيضًا في طلبة ”أنت يا سيدي“ في القداس الغريغوريّ مُخاطبًا الله الذي حوَّل عقوبة الموت إلى خلاص، وليس هو الذي عاقب الإنسان بالموت، بل وأدَّب الله الإنسان بالتأديبات المؤدية للحياة، وليس إلى الموت [29] كالتالي:

أنت يا سيدي حوَّلت ليَّ العقوبة خلاصًا. كراعٍ صالحٍ سعيت في طلب الضال. كأبٍ حقيقيّ تعبت معي أنا الذي سقط. أدَّبتني بكل التأديبات المؤدية إلى الحياة. أنت الذي أرسلت لي الأنبياء من أجلي أنا المريض

(إيسيذوروس البراموسي، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس)

لا يشأ الله موت الخاطئ بل توبته

ويُصلِي الكاهن في صلاة المجمع بالقداس الغريغوريّ مُؤكِّدًا على أن الله لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا، وليس أن الله يُمِيت الخاطئ كعقوبة له على خطيئته كما يدَّعي البعض عن جهل ودون وعي [30] قائلًا:

لأنك أنت هو الله الرحوم الذي لا يشأ موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا. ردنا يا الله إلى خلاصك. وأصنع معنا كصلاحك

(إيسيذوروس البراموسي، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس)

نستنتج مما سبق، أن الله لا يُعاقِب البشر بالموت، بل الموت دخل إلى العالم بحسد إبليس، ونتيجة خطية الإنسان لصالح الإنسان وخيره، وذلك لإنقاذه من البقاء في الشر والخطية إلى الأبد. لأنه لو الموت له أصل إلهيّ في الله، لصار الموت سرمديًا أيّ أزليًا وأبديًا، وهذه هي الثنائية الغنوسية والمانوية، التي تجعل من الموت كيانًا مُوازيًا لله، طالما أن الله يُعاقِب البشر بالموت، فمعنى ذلك أن فعل الإماتة أو إنزال الموت كعقوبة له أصل أزليّ في الله، فيكون الموت أزليّ أبديّ، وعلى هذا، معنى ذلك تأليه الموت والعدم، وهذه هي الهرطقة الغنوسية والمانوية عينها التي تجعل من الشر والموت والظلام إلهًا في مُقابل إله الخير والحياة والنور.

هوامش ومصادر:
  1. سفر التكوين 2: 17 [🡁]
  2. سفر الأمثال 5: 23 [🡁]
  3. سفر إرميا 31: 30 [🡁]
  4. سفر الحكمة 1: 12، 13 [🡁]
  5. سفر الحكمة 1: 16 [🡁]
  6. سفر الحكمة 2: 23، 24 [🡁]
  7. سفر حزقيال 18: 4 [🡁]
  8. سفر حزقيال 18: 23 [🡁]
  9. سفر يشوع بن سيراخ 25: 33 [🡁]
  10. سفر المكابين الثاني 14: 46 [🡁]
  11. إنجيل متى 22: 32 [🡁]
  12. رسالة بولس إلى رومية 5: 12 [🡁]
  13. رسالة بولس إلى رومية 6: 23 [🡁]
  14. رسالة يعقوب 1: 15 [🡁]
  15. إنجيل يوحنا 11: 25 [🡁]
  16. إنجيل يوحنا 14: 6 [🡁]
  17. رسالة يوحنا 5: 26 [🡁]
  18. رسالة يوحنا 5: 21 [🡁]
  19. مزمور 34: 21 [🡁]
  20. سفر طوبيا 6: 14 [🡁]
  21. إنجيل يوحنا 8: 44 [🡁]
  22. رسالة بولس إلى العبرانين 2: 14 [🡁]
  23. رسالة ى 5: 8 [🡁]
  24. رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 5: 5 [🡁]
  25. سفر صموئيل الأول 2: 6 [🡁]
  26. سفر إشعياء 45: 6-7 [🡁]
  27. إيسيذوروس البراموسي، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، مراجعة: نيافة أسقف ، القاهرة: مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994، ص 142. [🡁]
  28. إيسيذوروس البراموسي، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، مراجعة: نيافة الأنبا متاؤس أسقف دير السريان، القاهرة: مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994، ص 200. [🡁]
  29. إيسيذوروس البراموسي، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، مراجعة: نيافة الأنبا متاؤس أسقف دير السريان، القاهرة: مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994، ص 201. [🡁]
  30. إيسيذوروس البراموسي، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، مراجعة: نيافة الأنبا متاؤس أسقف دير السريان، القاهرة: مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994، ص 213. [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

أنطون جرجس
بكالوريوس اللاهوت اﻷرثوذكسي في   [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: عظات القديس على سفر الجامعة
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أسقف هيبو
ترجمة كتاب: "ضد "، للقديس غريغوريوس النيسي