الحقيقة أنا من أكتر الناس سعادة بالعظة اللي قالها قداسة البابا تواضروس يوم عيد جلوسه الثاني عشر في حضور غالبية الآباء المطارنة والأساقفة، وسبب سعادتي هو رؤيتي ليها بوجهة نظر مختلفة شوية وهي أن كلمات قداسة البابا أظهرت جانب مهم من شخصيته وقيمه اللي بيدير (بيرعى) بيها الكنيسة ولأن قداسة البابا تواضروس قليل الكلام بهذا القرب والمستوى الشخصي من الحديث فأنا أزُعم، أنه بعد ١٢ سنة بطريركية، إن قليلين جدًا من يعرفونه بعمق وهم اللي يعرفوه أو تعاملوا معاه عن قرب.
مخافة الله
القيمة الأولى أو المحرك الأول لكل أفعال ومواقف بل وحياة البابا هي مخافة الله، والمخافة هنا لا تعني أبدًا الخوف من الله ولكن علشان أشرحها هاعمل زي ما علمنا المسيح وأضرب مثل.
كان في أب تعب وشقي وكون امبراطورية اقتصادية كبيرة فيها شركات ومزارع وأموال كتيرة وكان عنده أبناء اختار منهم اتنين وادى لكل واحد فيهم شركة كبيرة يديرها والأب عايش، الأول قال أنا الابن، أنا المسؤول، أبويا اختارني أدير علشان عارف قدراتي ايه!! هنا هيمشي رأيي والكل هينفذ اللي أنا بقوله واللي مش عاجبه هامشيه لأن أنا المدير.
التاني قال أبويا تعب وشقي وعمل كل ده لازم أنا كمان اتعب علشان أحافظ على اللي عمله أبويا وأكبره، أبويا اختار الناس اللي شغالين معانا دول وأنا لازم أرعاهم وأهتم بيهم لأن أبويا وكلني عليهم وهكذا.
فالابن التاني ده عنده مخافة الله لأن حاضر في ذهنه دايمًا أبوه وعمله ووجوده، وهو نفسه موجود لكن في ظل أبوه، ودي مخافة الله اللي هي حجر الزاوية لمنهج إدارة قداسة البابا للكنيسة.
سلام الكنيسة
القيمة التانية هي سلام الكنيسة، وعلى قد ما ده ما يهمش ناس كتير، لكن البابا بيفكر فيه قبل كل خطوة، ودي اللي بتؤدي أحيانًا لمواقف أولاده والداعمين ليه بيبقوا أكتر الغاضبين منها، لكن بيبقوا شايفين أنه ببساطة يقدر ياخد مواقف ينهي بيها على ناس عاملين صداع ليه وللكنيسة كلها، وهو في ايديه كل الأدوات اللي تخليه يعمل كده، لكن يتفاجئوا أنه ما بيحصلش، ولو حصل وكشر بس البابا يرجع الشخص يعتذر، فيقبل البابا الاعتذار وتعدي الأمور، فالناس تشوف ده تراجع وضعف، لكن اللي هو شايفه سلام الكنيسة اللي أهم من أي موقف أو حتى كرامة شخصية ليه.
المحبة المسيحية
ودي القيمة اللي ياما قداسة البابا، واحنا اتكلمنا فيها، لكن القريبين قبل المغرضين زهقوا منها، وبدأوا ينتقدوه ويستخدموها ضده، هي المحبة لكن اللي ظهر في العظة دي هو شكل ومفهوم المحبة اللي بيتبناه قداسة البابا واللي هو أعمق من مفهومنا شوية، وهو محبة المسيح اللي فاتح حضنه ومادد ايده وبيقدم جسده ودمه يوم خميس العهد وهو عارف معرفة اليقين وليس التوقع أن وسط اللي قاعدين قدامه دول اللي بايعه فعلًا ومتفق على تمن رخيص ليه، واللي لسه هينكره، واللي هيشك فيه، واللي واللي.. لكن محبته ليهم نقية ومتساوية ليوحنا اللي قاعد في حضنه زي يهوذا اللي باعه قبل ما يقعد معاه، وعلى قد ما الفكرة صعبة، لكن وصلت لنا من كلمات قداسة البابا ومن تعبيراته ولغة جسده شفنا أنه يفيض محبة حقيقية ومش تمثيل، شوفنا وحسينا قد إيه هو متألم من اللي خان واللي كتب واللي جمع، لكنه يفضل أنه يوصل لهم محبته ليهم كلهم كأخوة ورغبته أن يكون بينهم علاقة محبة حقيقية.
وهنا تحضرني كلمات الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه:
كن حريصًا وأنت تصارع الوحوش، كي لا تصبح واحدًا منهم(فريدريك نيشته، ما وراء الخير والشر)
واللي بيفسرها في كتابه ” ما وراء الخير والشر: أن من ينازع وحوشًا يجب أن ينتبه جيدًا، كي لا يتحول هو بدوره إلى وحش. فحين تُطيل النظر إلى الهاوية، تنظر الهاوية إليكَ أيضًا وتنفذ فيك ومن خلالك، وأعتقد إن ده المبدأ اللي بيطبقه قداسة البابا واللي لولاه كان ممكن تتحول الكنيسة إلى حلبة صراع ليس فيه فائز وأكثر الخاسرين هو المسيح ذاته وجسده الذي هو الكنيسة أي (كل جماعة المؤمنين).
المسؤولية كنعمة وكرامة
والنقطة اللي بعدها يرجع ده لفايدة الناس ويفكرهم بمسؤوليتهم عن الشعب الرعية اللي المسيح ائتمنهم عليها ويفكرهم في نقطة بالنسبة لي جوهرية ولازم اعترف إني ما فكرتش فيها وإن علشان هو يقولها لازم يكون بيمتلك اتضاع حقيقي مصدرة الوحيد هو المسيح، والمسيح فقط لما قال إن المسؤولية دي (يقصد بيها الكهنوت والأسقفية والبطريركية) هي نعمة وكرامة حصلنا عليها مجانًا ما عندناش حاجة علشان ناخدها ولكن الله اختارنا ليها والمفهوم ده ثوري في الخدمة والقيادة في الكنيسة مع أنه يعني منطقي وواضح لكن ناس كتير تناسته أو مش بتركز عليه.
كلمة أخيرة
أتمنى أن كل إنسان يسمع العظة دي لكن فيها كنز تعليمي وحياتي ومنهج قيادة عظيم من رجل الله وأب حقيقي وإذا كان لي كلمة أتجاسر وأقولها له أو أطلبها منه فهي: افتح قلبك يا أبى وأتكلم على قد ما تقدر بهذا القدر من الصراحة والانفتاح والبساطة لأن المسيح عنده دروس كتير عاوز يعلمها لنا من فيض نهر حكمته ومحبته اللي أنعم بيهم عليك مسيحنا، يديمك لينا أب وراعي ومثل وقدوة سنين كتير كلها صحة وخير ،وترى بعينيك ثمر المحبة والحكمة التي زرعتها.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟