يفتقر قاموس اللغة العربية إلى مصطلح يعادل “cult” ولن تجد لهذا المصطلح مرادفًا بالعربية، وسيسعدني أن انحت هنا مصطلح “النُظمة” كمرادف له، وتجمع على “نُظمات”، وكلتاهما بضم النون، آملًا أن يوثق التاريخ هذه المساهمة.

لن تلاحظ غياب المرادف عن العربية وحسب، بل يرافقه غياب تام لتعريف دقيق ودراسات معمقة حول هذا المصطلح. ويبدو أن الأمر -للغرابة- لم يسترع انتباه ناطقي الضاد.

سأعتمد هنا على بعض الدراسات التي أعدها معهد Cult Education Instute، وهي مؤسسة أمريكية غير ربحية تخصصت في دراسة هذه الظاهرة بعد أن استيقظ المجتمع الأمريكي على كوارث تسببت فيها بعض “النُظمات”.

“النظمة”، هي تجمع بشري تربطه وشائج قوية، عمادها هو “التنظيم الطقسي”، مصممة لخدمة أهداف ورغبات قيادة النُظمة فقط دون أيّ اعتبار أخر، وغالبا ما تكون هذه القيادة عنقودية هرمية، يتربع على قمتها شخصية كاريزمية، يدين لها الجميع بالولاء المطلق. على أن غياب الشخصية الكاريزمية لن يفسد “النُظمة” طالما استمرت القيادة في الحفاظ على القواعد المحددة لهيكل النُظمة.

لضمان “طفو” النظمة، فسلب إرادة الأتباع وشل عقولهم، هو العمل اليومي للقيادة، وذلك لتحويلهم إلى كائنات اعتمادية تحتاج إلى رأي القيادة حتى في أدق الشئون الشخصية، بدءًا من اختيار نوعية الدراسة أو شريك الحياة وليس انتهاءً بممارسة الحب مع الشريك، ومطيعة تنصاع بدون بحث لما يُطلب منها، ربما يشمل هذا التنازل عن ممتلكات أو حتى الانتحار الجماعي.

للوصول إلى هذه الدرجة من “برمجة” الأتباع، يمارس القادة العديد من التكتيكات: ما يمكن وصفه بالتلاعب النفسي، الممارسات الخادعة، وأحيانا السلطوية، معرفة أدق أسرار الاتباع أداة هامة للسيطرة والنفاذ إلى نفس التابع، قد تلجأ القيادة -سبيلًا لهذه المعرفة- للتجسس اللصيق أو الاستجواب الطوعي، وعلى الجانب الأخر، احدي التكتيكات الهامة هي تغذية الشعور بالفرادة والفوز المحقق لدى الاتباع، حتى أن التابع لا يمسه أدنى شك انه “محبوب الأقدار” التي قذفت به هنا تحت أقدام هذه القيادة الحكيمة.

يفصل المعهد المشار إليه آنفًا عشر سمات لو توافرت في تجمع ما، انتقل فورًا من الدين إلى خانة “النُظمة”، تتناصف بين ما يخص سلوك القيادة وقناعات الاتباع.

1- الاستبداد القيادي المطلق المتعلق بكل ما يخص النُظمة، دون السماح بأي قدر من مساهمة الاتباع.

2- عدم السماح -أو التسامح- مطلقًا مع نقد أسلوب القيادة أو حتى الأسئلة عنه.

3- غياب تام للشفافية والإفصاح المالي، على الرغم من أن الاتباع غالبًا هم مصدر الإيرادات.

4- التسجيل والتوثيق “الدقيق” المُسيطر عليه لتعاليم القيادة وتصرفاتها بحق الاتباع.

5- عمل القيادة على غرس وترسيخ شعور دائم لدى الاتباع بعدم قدرتهم بمفردهم أن يكونوا “جيدين” بما يكفي.

6- إيمان لا يقربه الشك من الاتباع أن القيادة دائمًا على حق ولا يأتيها الباطل.

7- اعتقاد راسخ لدي الاتباع بأن القيادة هي الوسيلة الحصرية لبلوغ “الحقيقة” أو إثبات صحة أمر ما.

8- حضور مخاوف دائمة من العالم الخارجي، واضطهاده وتآمره على النُظمة.

9- الوثوق بأن السبب وراء خروج بعض الاتباع من النظمة هو نتاج بعض المؤامرات المحكمة، فلا مبرر أو سبب مشروع لهجر النُظمة.

10- عدم الاستياء من إساءة القيادة إلى فرد أو مجموعة من الاتباع، مهما كانت غير مبررة أو مقنعة.

والآن عزيزي القارئ، هل لديك أدنى شك انك عضو نُظمة، ليس لها من المسيحية إلا اسمها وشكل طقوسها؟
نُظمة نسجها بعناية وتدقيق شخص كاريزمي فذ، حتى وصلت خيوطها إلى رقبتك (يمكنك قراءة ما فعله الأنبا من هنا).

لهذا المقال جزء ثان، نتدارس فيه كيف نستعيد مسيحيتنا التي تفصلنا عنها الآن مصاعب جمة، إلا أنني أود قبل أن اختم هذا المقال الإشارة إلى نقطتين:

أولهما: أن هذا المآزق دخيل على كنيستنا، ونتاج حبرية شنودة الثالث، وحقبة لا زلنا نعيشها اسميها “الشندجة”. (منحوتة أخري سيدين لي التاريخ فيها بالفضل)

وثانيهما: أن الأمر ليس جديدًا على المسيحية، والتي تحمل في هيكل خدمتها نظامًا كهنوتيًا يسهل امتطاؤه من المغامرين.

ولكن الفارق كل الفارق يصنعه الشعب، وفقط الشعب المحب لمُخلّصه.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

رجائي شنودة
[ + مقالات ]