Search
Close this search box.
المقال رقم 1 من 4 في سلسلة نهاية العالم والمجئ الثاني

الكنيسة الأرثوذكسية كنيسة “مجيئية أُخروية”، أي تَضع نصب أعين أبنائها دائمًا انتظار للمسيح (المُسَمى فى صلواتها بـ “الباروسيا Paroussia”).

إن المجيء الثاني للمسيح أعلنه صراحةً الملاكان لتلاميذ المسيح بينما كان معلمهم صاعدًا من الأرض إلى السماء، قائلين لهم: “ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء، إن يسوع هذا الذى ارتفع عنكم إلى السماء سيأتى هكذا كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء(أعمال الرسل 1: 11).

لقد جرت على مدى الألفي عام الماضية محاولات عدة لتحديد موعد مجيء السيد المسيح وكلها باءت بالفشل، بل وكانت تخدم تشكُك الذين يسألون في كل زمان “أين هو موعد مجيئه. لأن من حين رقد الآباء كل شئ باق هكذا من بدء الخليقة(بطرس الثانية 4:3).

إن مراجع فَهْمِنا وتعاملنا مع الأزمنة الأخيرة تنبع من تقليد الكنيسة المقدسة الجامعة الرسولية، وأولها هو السيد المسيح نفسه، والذي قطع في الأمر “وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السموات إلا أبي وحده(متى 24: 36). ويضيف إنجيل مرقس “ولا الابن إلا الآب(مرقس 13: 32). [لا ينبغي أن نستكثر أن يكون الابن المتجسد غير عالم بذلك اليوم وتلك الساعة كإنسان، حتى لا نقع في هرطقة إنكار واقعية التجسد وحقيقة بشرية المسيح، وهي الهرطقة الدوسِيتية والتي تمادت فاستكثرت وأنكرت صلب المسيح].

وكذلك آباء الكنيسة لم يحدث أن حددوا مواعيد لمجيء المسيح. فالقديس (القرن الرابع) يشير على المسيحي قائلًا:

اسأل وتعّقب علامات مجيئه، فإن الديان لن يتأخر، لا تكُفّ عن السؤال، حتى ولو لم تعرف الموعد بدقة. ولكن اهرب بسرعة من الذين يدَّعون أنهم يعرفون هذا الموعد بدقة

(مار  إفرام السرياني)

ومن جهة أخرى قد ُيفضِّل البعض من المسيحيين أن يتفادوا الحديث أو الاهتمام بموضوع الأزمنة الأخيرة بسبب ما يحيطه من أفكار وآراء مختلفة، مدعين أن هذا الموضوع أصعب من أن يفهموه، وبالتالي فهو غير نافع لخلاصهم. ولكن شكراً لله أن سبق وأنبأنا عن بعض العلامات التي تنبه أولاده المتغربين في العالم ليَرَوا الله في كل حين من خلال عمله في التاريخ الإنساني. فإن الله القدوس يَحْكم التاريخ ويضبط أحداثه ويجعلها تصُّب في النهاية لخدمة تدبيره لخلاص العالم مهما كانت حرية إرادة الإنسان أو أنحيازها لعمل .

ولذا نجد السيد المسيح يلقى باللوم على الذين لا يفهمون علامات الأزمنة “يا مراءون تعرفون أن تميزوا وجه السماء، وأما علامات الأزمنة فلا تستطيعون(متى 16: 3). وهنا يشير المسيح إلى زمان مجيئه الأول لأنه أتبع قوله هذا بحديثه عن آية في بطن الحوت والتي ترمز إلى موت المسيح ودفنه وقيامته بعد ثلاثة أيام وثلاثة ليالي.

وأيضًا بالنسبة لزمان مجيئه الثاني نجد الرب يسوع يسمح ببعض العلامات التي ستحدث في الأزمنة الأخيرة للإنذار والتبيُّن “هكذا أنتم أيضًا متى رأيتم هذا كله فاعلموا أنه قَرُبَ على الأبواب، الحق أقول لكم لا يمضى هذا الجيل حتى يكون هذا كله(متى 24: 33- 34). ويقول مفسرو علامات الأزمنة إن “هذا الجيل” هو “كل جيل”. أي أن هذه العلامات تحدث في التاريخ من وقت لآخر لتُذّكرنا أن هذا الصراع بين الضد للمسيح وبين كنيسة المسيح يقترب إلينا يومًا فيومًا “لئلا تَثقل قلوبكم في خمار وسكر وهموم الحياة، فيصادفكم ذلك اليوم بغتة(لوقا 21: 34).

السبي البابلي لليهود:

في عام 606 قبل الميلاد، أي من أكثر من 2600 سنة، غزا نبوخذ نصّر، ملك بابل، مدينة أورشليم وهدم هيكل اليهود الذي بناه (2 أخبار الأيام 36: 19).

نبؤة إرميا النبي عن السبي البابلي:

شهد أرميا النبي لهلاك أورشليم قبل خرابها بنبوته:

وتصير كل هذه الأرض خراباً ودَهْشاً، وتَخدُم هذه الشعوب ملك بابل سبعين سنة

(إرميا 5: 11)

نبؤة دانيال النبي عن انتهاء السبي البابلي:

كان دانيال النبي معاصرًا لإرميا النبي. وفى عودة نبوخذ نصّر إلى بابل أخذ معه كثيرين من الأسرى، وكان بينهم الشاب دانيال، بينما بقى إرميا النبي في أورشليم تحت الاحتلال البابلي. عاصر دانيال الملوك الغازين نبوخذ نصّر وبلطشاسر وداريوس و. وقد فسر دانيال أحلام نبوخذ نصّر.

كان دانيال على علم بنبوة إرميا عن خراب أورشليم، وعندما قاربت السبعون سنة على الانتهاء، صلى دانيال إلى الله ليعلن له ماذا سيكون حال شعبه. واستجابة لسؤاله أرسل الله له رئيس الملائكة جبرائيل قائلًا: “إنى خرجت الآن لأعلمك الفهم(دانيال 9: 22)، “وجئت لأفهمك ما يصيب شعبك في الأيام الأخيرة(دانيال 10: 14). وقال له في هذه النبوة: “سبعون أسبوعًا ُقضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة، لتكميل المعصية، وتتميم الخطايا، ولكفارة الإثم، وليؤتى بالبر الأبدي، ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين“.

هنا تصف النبوة المجيء الأول للسيد المسيح. ثم امتدت النبوة لتصف تألمه ثم خراب أورشليم وهدم الهيكل النهائي:

فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون اسبوعاً، يعود وُيبنى سوق وخليج فى ضيق الأزمنة. وبعد اثنين وستين اسبوعاً [أي بعد انتهاء الحقبة الأولى 7 أسابيع ثم الحقبة الثانية 62 أسبوعًا] ُيقطَع المسيح وليس له [أى ليس عن ذنب نفسه]، وشعب رئيس آتٍ يخرب المدينة والقدس [الرومان وقائدهم تيطس] وانتهاؤه بغمارة وإلى النهاية حرب وخَرَب ُقضَى بها

(دانيال 9 : 24 -26)

– المعنى الرمزي للأسبوع في نبوة دانيال ليس 7 أيام بل 7 سنين. إذن، ابتداءً من الأمر بإعادة بناء أورشليم سيمضى “سبعة أسابيع ثم اثنين وستين أسبوعًا” أي 69 × 7 سنين = 483 سنة وبعد ذلك يقطَع المسيح “.

– خروج الأمر لتجديد أورشليم وبناء هيكل اليهود الثاني تم في أيام ، حينما أعطى الملك ارتحشتا الأمر بإعادة بناء أورشليم “في شهر نيسان فى السنة العشرين لأرتحشتا الملك(نحميا 2: 1). وقد حدد كثير من العلماء الثقاة بمن فيهم المرصد الملكي في غرينتش بانجلترا هذا التاريخ بيوم 14 مارس عام 445 قبل الميلاد. أي بعد نبوة دانيال بأكثر من 15 سنة.

مجيء المسيح الأوّل حسب نبوة دانيال:

في عام 1895 م حسب السير روبرت أندرسون من سكوتلانديارد، هذه السنين الـ 483 محسوبة على أساس السنة اليهودية والتي تتكون من 360 يومًا، فوجد إنها تساوى 173880 يومًا والتي إذ عدّ هذه الأيام من 14 مارس سنة 445 ق.م (صدور الأمر ببناء أورشليم) أوصلته إلى يوم 6 أبريل سنة 32 بعد الميلاد، والموافق ليوم دخول يسوع إلى أورشليم راكبًا على جحش، حسب الدراسات التاريخية للتواريخ المذكورة في الأناجيل.

ماذا سيتم بين الأسبوع 69 والأسبوع 70؟

إنها الحقبة الكبيرة التي عاشها العالم منذ صلب المسيح وتعيشها الكنيسة إلى الآن، وستعيشها الكنيسة إلى المجيء الثاني للرب.

– النصف الأول من الأسبوع الأخير: يتم فيه هدم الهيكل اليهودي الثالث (هيكل هيرودس)، ووقف الذبيحة والتقدمة اليهودية القديمة:

وُيثّبت عهداً مع كثيرين فى أسبوع واحد. وفى وسط الأسبوع يُبطل الذبيحة والتقدمة . وعلى جناح الأرجاس ُمخّرب، حتى يتم، وُيصّب المقضّى على المُخّرِب

(دانيال 9: 27)

فالرئيس الآتي، المذكور في الآية 26 من النبوة، هو الحاكم الروماني الذي تعاهد مع اليهود “ثبّت عهداً” على قتل ملكهم المسيا يوم جمعة الصلبوت، والذي تعاهدوا معه على المسيح بصراخهم “ليس لنا ملك إلا قيصر(يوحنا 19: 15). وبعد ذلك بحوالي 35 سنة، وفى سنة 70 ميلادية، يَنْقُض عهده مع الأمة اليهودية. ويدنس الرومان بقيادة تيطس قدس الأقداس. فقد دخل بجنوده إلى قدس أقداس الهيكل حيث دنسوه بخيولهم قبل أن يخربوه.

– وقد ذكّرهم السيد المسيح بهذه النبوات وأكدها “وفيما هو يقترب، نظر المدينة [أورشليم] وبكى عليها.. وقال ‘إنه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة ويهدمونك وبنيك فيك، لا يتركون فيك حجرًا على حجر، لأنك لم تعرفي زمان افتقادك(لوقا 19: 41 – 44). وأما عن تدنيس قدس أقداس الهيكل فقال الرب يسوع “فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس… ليفهم القارئ(متى 24: 15). ولقد تحققت هذه النبوة بعد صعود السيد المسيح إلى السماء بحوالي 37 سنة.

النصف الثاني من الأسبوع 70 الأخير:

وهو أصعب الأزمنة التي ستصادفها البشرية ويصف المسيح -له المجد- هذه الفترة الدقيقة بقوله : “لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون. ولو لم تقصر تلك الأيام لم يخلص جسد. ولكن لأجل المختارين ُتقَصّر تلك الأيام(متى 24: 21 – 22).

– ويشار إلى هذه الفترة العصيبة في النصف الثاني من الأسبوع الـ 70 بوصفها : “42 شهرًا، أي ثلاث سنوات ونصف”، أو “زمان وزمانين ونصف زمان”، أو “زمان وأزمنة ونصف زمان”، كما يظهر من هذه النصوص:

وأما الدار التي هي خارج الهيكل فاطرحها خارجاً ولا تقسها لأنها قد أعطيت للأمم، وسيدوسون المدينة المقدسة اثنين وأربعين شهراً

(رؤيا 11:2)

ويتكلم [أي الضد للمسيح] بكلام ضد العلىّ ويبلى قديسى العلىّ ، ويظن أنه يغير الأوقات والسُنّة ، ويسلمون ليده زمان وأزمنة ونصف زمان

(دانيال 7: 25)

…إلى زمان وزمانين ونصف …

(دانيال 12: 7)

الملك الألفي: ما بين الأسبوع 69 والأسبوع 70

إن هذه الحقبة هي “زمان الكنيسة” الذي بدأ منذ قيامة ربنا يسوع المسيح ونصرته على الشيطان وتأسيس ملكوته بحلول الروح القدس يوم الخمسين. وعلى مدى زمان الكنيسة هذا انتشرت المسيحية في العالم الوثني أو من يسمون في الكتاب المقدس : “الأمم”.

– ولكى يتم هذا، كان لابد أن ُيقَيّد الشيطان كما ذكر سفر الرؤيا:

ورأيت ملاكاً نازلاً من السماء معه مفتاح الهاوية وسلسلة عظيمة على يده فقبض على التنين الحية القديمة الذي هو إبليس والشيطان وقيده ألف سنة وطرحه فى الهاوية وأغلق عليه وختم عليه لكي لا يُضِل الأمم فيما بعد حتى تتم الألف سنة وبعد ذلك لابد أن ُيحَلّ زماناً يسيراً

(رؤيا 20: 1- 3)

– معنى هذا أن الله تركه يعمل ولكن ليس بكل طاقة قوته الجبارة، وذلك حتى يعطى الله الفرصة للكرازة بالإنجيل أن تمتد حتى تصل إلى أقاصي الأرض ثم بعد ذلك لابد أن َيحِل الشيطان زمانًا يسيرًا. وهذا الزمان اليسير هو زمان الشيطان (التنين) وأتباعه: الضد للمسيح (الوحش)، والنبي الكذاب. وهو يشكل الجزء الثاني من الأسبوع 70 في نبوة دانيال النبي.

– يعزينا الوحي المقدس بأن هذا الزمان سيكون قصيرًا: “ويل لساكني الأرض والبحر لأن إبليس نزل إليكم وبه غضب عظيم، عالمًا أن له زمانًا قليلًا” (رؤيا 12: 12).

(يتبع)

والسُبح لله

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: نهاية العالم والمجئ الثاني[الجزء التالي] 🠼 (٢) النصف الثاني من الأسبوع الأخير
(١) نهاية العالم والمجيء الثاني 1
[ + مقالات ]