المقال رقم 3 من 12 في سلسلة ملكوت الله سيمتد

في رحلتنا الروحية لاستيعاب الرؤى الإلهية عن ملكوت الله على شعبه، وإعلان ملكوته بين صفحات الكتاب من سفر  التكوين إلى سفر الرؤيا، نصل إلى لحظة أخرى من رؤية كاتب الكتاب المقدس [الروح القدس] في إعلان ملكوت الله، والمفارقة العجيبة بين صلاح الله ومحبته للإنسان وعشقه وشوق قلبه وشهوته بالأحرى أن يسكن كملك بينهم ويلتصق بشعبة [1]، وترقية الإنسان من مقام العبودية إلى رتبة الشرفاء والملوك بي تترأس الرؤساء والشرفاء، كل قضاة الأرض. [2]، ومع ذلك، يرفض الإنسان المتمثل في شعب الله في العهد القديم  لهذا الملك…

فها نحن أمام حِقْبَة أخرى من تلك المفارقة المخزية، مرحلة بزوغ آخر قاضٍ وأول نبي للشعب، ألا وهو صموئيل النبي والكاهن. إشارة إلى شخص الرب يسوع الذي هو قاضينا كما قال الكتاب: فإن الرب قاضينا. الرب شارعنا. الرب ملكنا هو يخلصنا. [3]، ففي سفر صموئيل الأول، يذكر الوحي الحالة الروحية المحزنة التي وصل إليها الشعب. وهناك إشارة واضحة للسبب وراء تلك الحالة، ألا وهو: وكانت كلمة الرب عزيزة في تلك الأيام. لم تكن رؤيا كثيرًا. [4].

كانت كلمة الله شحيحة، فبدون كلمة جديدة من الرب وبدون رؤيا واضحة، نجم عن ذلك فتور وضعف روحي، وحينئذ اتسعت الفجوة بين خطة الرب العجيبة لنا وبين رفضنا وتعطيلنا لعمل الرب… هكذا كان حال الشعب آنذاك، فبينما نرى ضعف وفجور أولاده، نرى أيضًا صورة أخرى تدل على أمانة الرب. فإنه قبل أن ينطفئ سراج الله، شق الرب طريقًا آخر باختيار صموئيل، وينتهى الأمر بموت عالي الكاهن وأولاده. والمُحزن في الأمر هو أخذ تابوت عهد الرب من وسط شعبه، وهو إشارة لحضور الملك، حتى أن كنة عالي الكاهن دعت اسم ابنها المولود “إيخابود” [يعني حرفيًا: أين المجد؟] أي زوال المجد، ولم نسمع بهذا الاسم فيمَا بعد على الإطلاق. ورغم ذلك، بقي الرب أمينًا إلى الأبد، فكان مع شعبه في حروبه.

لكن حدثت المفارقة، فبينما شاخ صموئيل وكبر، حوّل الشعب أعينهم عن عمل الرب معهم، ونظروا إلى صموئيل وكبر سنه وأولاده غير السالكين بالكمال، وطلبوا طلبًا غريبًا، وهو أن يجعل لهم ملكًا عليهم، والأسوأ هو تبريرهم لطلبهم، وهو أن يكونوا كسائر الشعوب؟! فقالوا له: فالآن اجعل لنا ملكًا يقضي لنا كسائر الشعوب. [5].

وهنا، عزيزي القارئ، يتحتم عليّ أن أَقف وقفة عند هذين الحدثين لما لهما من أهمية وعمق روحي أراد الروح القدس أن يُشير إليهما بكل وضوح.

الحدث الأول: عندما ننظر إلى شخص أو أشخاص، مهما كان اسمهم، ونحول أعيننا عن الرب ونتكل على آخر غيره، سواء في قوته أو ضعفه، ستحدث المفارقة غير المرضية للرب بكل تأكيد، وهي أن نطلب ملكًا آخر غير الرب أن يملك علينا. وهذا الأمر جد خطير، وظاهر بين صفحات الكتاب المقدس، حتى وصل ذروته في العهد الجديد عندما أقر الشعب بكل وضوح، ووصل بهم الحال وإلحاحهم وصراخهم إلى صلب الرب نفسه واعترافهم علنًا: ليس لنا ملك إلا قيصر! يا للخزي ويا للعار! فصرخوا: خذه! خذه! اصلبه! ليس لنا ملك إلا قيصر! [6]. حذار أن يصل بنا الحال إلى هذه المرحلة! لأننا حينئذٍ سنسقط في عبرة العصيان… وهذا طامة كبرى!!

الحدث الثاني: وهو أن نسعى مع كل الأسف والخزي أن نصير مثل باقي الناس، كما قال ون لدليلة في سفر القضاة: إن حلقت أو فقدت نذري أضعف وأصير كواحد من الناس [7]. مع أن خطة الرب لنا أن نكون خاصة له، أن نكون ميراثًا له كما هو ميراث لنا… أن نكون نصيبًا له كما هو أيضًا نصيبنا… إن قسم الرب هو شعبه. يعقوب حبل نصيبه. [8].

قارئنا العزيز، أنت لست مثل سائر الناس. أنت ابن الملك، حامل للحضور الإلهي، هيكل للروح القدس [9]، بيت الله [10]، مميز جدًا [11]. لأنك امتزت عجبًا ليس لكونك صالحًا ولا لعملك الصالح ولا لأجل برك، إطلاقًا، بل لأن الله أحبك حتى المنتهى ووضع فيك كلمة المصالحة لتكون ابنًا وملكًا.

هوامش ومصادر:
  1. سفر إرميا ١٣: ١٢ [🡁]
  2. سفر الأمثال ٨: ١٦ [🡁]
  3. سفر إشعياء ٣٣: ٢٢ [🡁]
  4. سفر صموئيل الأول ٣: ١ [🡁]
  5. سفر صموئيل الأول  ٨: ٥ [🡁]
  6. إنجيل يوحنا ١٩: ١٥ [🡁]
  7. سفر القضاة ١٦: ١١ [🡁]
  8. سفر تثنية الاشتراع ٣٢ : ٩ [🡁]
  9. رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس ٦ : ١٩ [🡁]
  10. رسالة بولس إلى العبرانيين ٣ : ٦ [🡁]
  11. مزمور ١٣٩ [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: ملكوت الله سيمتد[الجزء السابق] 🠼 ملكوته ملكوت أبديّ[الجزء التالي] 🠼 ملكوت شاول
عاطف حنا
[ + مقالات ]