Search
Close this search box.
المقال رقم 2 من 8 في سلسلة آيات ومحتاجات

في الحلقة الأولى قمنا بمناقشة الآية المزعومة من يكرمكم يكرمني والتي ابتدعها قداسة البابا شنودة الثالث على الهواء في اجتماع الأربعاء الشهير، وأخذها عنه كل الأساقفة والرهبان والكهنة، وأصبحت تقال وكأنها بالفعل آية من الكتاب المقدس، وتم طباعتها في كتب ومجلات وأصبحت المصدر الأول للاستشهاد بعقيدة شفاعة القديسين وإكرام الجثث والرفات! وقمنا بتقصي الأمر ووضحنا أنه لا توجد أي آية في الكتاب المقدس لا لفظًا ولا معنى، وأنها من ابتداع نيافة الحبر الجيل ال.

آية اليوم مرتبطة ارتباط وثيق بالأية التي ناقشناها في الجزء الأول، لأنة حينما قيلت الأولي يتبعونها بالأية الثانية أيضا، بحيث لو منفعتش الأولي فالثانية تنفع !

الخطأ هذه المرة لا يتعلق بتأليف آية لم تكن أبدًا ضمن الكتاب المقدس، أو ابتداع أو تحريف في اللفظ كما فعل البطرك السابق ذكره في آية من يكرمكم يكرمني، بل الخطأ هذه المرة هو باقتطاع الآية من سياقها الأصلي، واعتماد القائل على وجود تشابه ومترادفات لفظية وجرسها الموسيقي في الأذن، مثل يكرمكم يكرمنني ثم استخدامها كاستشهاد في تفسير أو لإثبات عقيدة أو طقس أو تقليد معين.

قبل البدء في تفسير أي أمر استشكالي، أو عند وجود شك في معنى معين لأي آية، يجب كما أشرنا سابقًا وكررنا بألا تؤخذ أي كلمة أو آية عشوائياً لإثبات أي عقيدة أو ممارسة أو طقس أو فكرة أو وجهة نظر، إلخ. بل يجب أولًا العودة للنص الأصلي كله، ونبحث عن قائلها، وأين ولمن قيلت؟ وماهو السياق الذي قيلت فيه؟ ونبحث في الترجمات الأخرى المتوفرة إن أمكن، والبحث في القرائن والأدلة!

تعالوا نرجع للنص الكامل في سفر صموئيل الأول الإصحاح ٢، ونقرأه من البداية،

سنجد أن موضوع الإصحاح يدور حول انتهار الرب لعالي الكاهن وتوبيخه الشديد له، على موقفه المتخاذل والمتهاون أمام ابنيه حفني وفينحاس الكاهنين.

فَلِمَاذَا تَدُوسُونَ ذَبِيحَتِي وَتَقْدِمَتِي الَّتِي أَمَرْتُ بِهَا فِي الْمَسْكَنِ، وَتُكْرِمُ بَنِيكَ عَلَيَّ لِكَيْ تُسَمِّنُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَوَائِلِ كُلِّ تَقْدِمَاتِ إِسْرَائِيلَ شَعْبِي؟ لِذلِكَ يَقُولُ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: إِنِّي قُلْتُ إِنَّ بَيْتَكَ وَبَيْتَ أَبِيكَ يَسِيرُونَ أَمَامِي إِلَى الأَبَدِ.

(صموئيل الأول ٢: ٢٩)

حفني وفينحاس الكاهنين تمادوا في الرجاسات والخطية، ولم يقدسوا بيت الرب، ولم يكرموا اسمه، فكانوا يسرقون الأموال والذبائح، ويستبيحون فعل الشر، ويزنون بالنساء عند باب الهيكل، ويحتقرون كلمة الرب، ويحتقرون المكان المقدس كله بأفعالهم تلك.

أما عالي الكاهن، فكان موقفه ضعيفًا جدًا أمامهم، بل تركهم يستمرون في أفعالهم ربما خوفًا منهم، أو ربما لعدم رغبته في خسارتهم ولحبه لهما اكثر من الرب! (أو حفاظًا وسترا لسمعة الكهنوت من الفضيحة، أو لأي سبب ضمائري يبرر تهاونه مع أبنائه)

فجاءت كلمة الرب كضربة، ولعنة، وعار على “عالي الكاهن”:

وَالآنَ يَقُولُ الرَّبُّ: حَاشَا لِي! فَإِنِّي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي، وَالَّذِينَ يَحْتَقِرُونَنِي يَصْغُرُونَ.

(صموئيل الأول ٢: ٣٠)

أي إن حديث الرب هنا ليس معناه أكرام البشر أو تعظيم القديسين، المقصود هنا إكرام الله نفسه،
إن من يقدس الرب في أفعاله وفي حياته وأقواله، من يكرم بيت الرب ويقدسه، فالرب سوف يكرمه ويجازيه حسنًا، أما من يحتقر بيت الرب ويحتقر كلامه ووصاياه، فسينال الجزاء والعقاب.

لذا كانت الآيات خطاب إنذار شديد اللهجة لعالي الكاهن، وضربة قوية على ابنيه حفني وفينحاس، حينما نقرأ باقي الآيات ونرى بأنفسنا:

هُوَذَا تَأْتِي أَيَّامٌ أَقْطَعُ فِيهَا ذِرَاعَكَ وَذِرَاعَ بَيْتِ أَبِيكَ حَتَّى لاَ يَكُونَ شَيْخٌ فِي بَيْتِكَ. وَتَرَى ضِيقَ الْمَسْكَنِ فِي كُلِّ مَا يُحْسَنُ بِهِ إِلَى إِسْرَائِيلَ، وَلاَ يَكُونُ شَيْخٌ فِي بَيْتِكَ كُلَّ الأَيَّامِ. وَرَجُلٌ لَكَ لاَ أَقْطَعُهُ مِنْ أَمَامِ مَذْبَحِي يَكُونُ لإِكْلاَلِ عَيْنَيْكَ وَتَذْوِيبِ نَفْسِكَ. وَجَمِيعُ ذُرِّيَّةِ بَيْتِكَ يَمُوتُونَ شُبَّانًا. وَهذِهِ لَكَ عَلاَمَةٌ تَأْتِي عَلَى ابْنَيْكَ حُفْنِي وَفِينَحَاسَ: فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ يَمُوتَانِ كِلاَهُمَا.

(صموئيل الأول ٢: ٣١-٣٤)

وقد تحقق هذا بالفعل حيث مات عالي الكاهن هو وابناه، ونُزع الكهنوت من بيته حينما طرد ال، إبياثار الكاهن، وذهب الكهنوت إلى عشيرة أخرى وبيت آخر من سبط لاوي.

إذن، الآية لم تكن أبدا تعني أننا نكرم البشر، وإنما تعني إكرام البشر للرب وحده، ومن يفعل غير هذا فكأنما “يحتقر الرب”، ويقع عليه الجزاء.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: آيات ومحتاجات[الجزء السابق] 🠼 (١) من يكرمكم يكرمني[الجزء التالي] 🠼 (٣) ما جئت لأنقض بل لأكمل
[ + مقالات ]