- ☑ [١] مقدمة في الجندر
- [٢] المساواتيون والتتميون
- [٣] دراسة للنص اليهودي ما بين العهدين
- [٤] المسيح المساواتي: أنا اﻷوّل والأخير
- [٥] بولس التتمي: صانع التراتبيات المأقوتة
هل تعرف الفرق بين ثنائية (ذكر / أنثى)، وبين ثنائية (رجل / امرأة)؟
عندما نتكلم عن الذكر والأنثى، فنحن نتحدث عن مسألة بيولوجية بحتة. كل الحيوانات التي تتكاثر تكاثرًا جنسيًا تتمايز إلى نوعين؛ ذكر وأنثى، وتوجد بينهما فوارق في شكل الجهاز التناسلي، ومن ثم فوارق فسيولوجية (فوارق في وظائف الأعضاء).
لكن عندما نتكلم عن ثنائية (رجل/امرأة)، فنحن هنا نتحدث عن علم الاجتماع وليس علم الأحياء أو علم وظائف الأعضاء. ”Gender” وليس “Sex”، ونتحدث عن الإنسان تحديدًا وليس عن حيوانات أخرى.
جندر (gender): مصطلح بنكتبه زي ما هو بالعربي، وأقرب ترجمة عربية ليها هي “النوع الاجتماعي” وتعني الدور الذي رسمه المجتمع لكل من الذكر والأنثى… مثلًا لو الذكر عليه العمل والأنثى عليها تربية الأطفال، هتلاقي المجتمع وزع الأدوار بحيث ترتبط الصورة النمطية للرجل بالعمل والكدح، وترتبط الصورة النمطية للمرأة بالوظائف المنزلية.
العملية دي مش ببساطة قراءة للسطر السابق، وإنما بتستمر بتفاصيل وتصورات اجتماعية غاية في التعقيد، بتوصل لإن المجتمع رسم وحدد ضرورة ارتداء أزياء مختلفة (بدلة/فستان)، أو حتى لما كلاهما يلبس حذاء، ففي حذاء رجالي وآخر نسائي، وبالمثل في مسألة زي النضارة، الساعة، قصة الشعر، رائحة العطر، إكسسوارات التزيّن… إلخ.
وكل هذا يتحرك مع الزمان والمكان وفقًا للسياق التاريخي والاجتماعي. يعني ممكن في حقبة معينة تلاقي المجتمع منع إكسسوارات التزيّن عن الرجال خالص… أو يمنع العطور عن المرأة نهائيًا… أو يمنع خروجها في نص الليل… أو يحظر قانونًا قيادتها للسيارات… أو يجبرها على تغطية شعرها… أو يمنع صلاتها في فترة الحيض ويعتبره نجاسةً مرة… أو رخصةً مرة أخرى… بعدين يحسسها بالذنب نتيجة النجاسة… أو بالمرقعة والمياصة نتيجة إنها أقل صلاة… إلخ.
علم الاجتماع قال أن ده بيُنشئ ما يسمى بـ gender gap [الفجوة الجندرية
]، وهي تُعبّر عن تعاملات ظالمة لنوع اجتماعي معين، لا لشيء سوى لكونه إتولد كدا.
مهم جدًا أن تفهم أن الأصل في الإنسان هو الهمجية البدائية، وليس الحضارة والأخلاقيات. والمتابعة الكرونولوجية (التسلسل الزمني) لتاريخ البشر تقول بوضوح أننا نتقدم ونسمو في الإنسانية بمرور الزمن… يعني، الطبيعي هو الصراع بين الذكر والأنثى وأنهم يتقاتلوا حرفيًا، وحكاية التعايش الجندري نشأت لاحقًا نتيجة الاحتياج المتبادل للجنس، وكانت قائمة على مفاوضات غير عادلة بمعايير العصر الحالي. بمرور الوقت، تزداد أخلاقنا الإنسانية الأرضية تراكمًا ورهافةً في مسألة “الظلم الاجتماعي”، ومن الوارد جدًا أن نظرة مثقف ملحد في القرن الواحد والعشرين في مسألة النظر لقضايا المرأة، قد تتفوق كثيرًا عن نظرة الأنبياء والصحابة والقديسين. هذا طبيعي ومنطقي بسبب تطور القيم الإنسانية نفسها (لاحظ أن المكتوب “القيم الإنسانية” وليس “القيم الدينية”، وهذا مقصود) لأشكال أكثر اهتمامًا بالتفاصيل الدقيقة، والتي في عصر سابق، لم تكن هذه التفاصيل مهمة، أو حتى كان يمكن التضحية بها من أجل تحقيق مكتسبات أخرى أكثر أهمية وجوهرية بالمعايير التاريخية الأقدم.
في المقالات القادمة، هندخل المنطقة دي، ونحاول نفهم ونشوف المسيح إتعامل إزاي، واللي بعده عملوا إيه، وإحنا رايحين فين…
هذا المقال جزء من سلسلة: عن المرأة في المسيحية
