أثلج صدري جدا ما تلقيته من تعليقات، واستفسارات عن مقال البطريرك الغامض والاعتراف الأخير، هذا الاهتمام يشي بأننا في طريقنا لاستعادة كنيستنا.

البعض “استهول” أن يكون هناك “هَنَة” في قدس أقداسنا الة، بل حتى وجود شائبة فيمَا يتعلق ببطريرك تاريخي يسبغ عليه ال القداسة، ويحتفي به. وأود التوضيح أن الأمر لا يتعلق بشخص البطريرك “” فربما كان الرجل إصلاحيًا وراعيًا جيدًا، ولكن هذا لا ينفي الخطأ الجسيم الذي حدث في حبريته.

حتى نستعرض التوضيحات سيلزمنا جلو الفارق بين مسيح الإسكندرية الكيرلسي، ومسيح أنطاكيَة الي:

المسيح عند السكندريين هو حرفيًا “عمانوئيل/ الله معنا”،
هو الكلمة نفسه في جسدنا.
الكلمة لا جسد له، المسيح هو الكلمة متجسدًا في ترابنا.
الكلمة غير مدرك إلا بالفكر، المسيح هو الكلمة حين رآه الناس، حاوروه، ولمسوه.
الكلمة طبيعة بسيطة/ أقنوم بسيط، المسيح تكون (وليس يتكون) من طبيعتين/ أقنومين، فأصبح طبيعة واحدة متجسدة (مركبة) / أقنوم واحد مركب.

فنحن نقصد بالمسيح الشخص الذي سلمنا الآباء أنه هو الله الكلمة، الابن الوحيد المولود من الآب أزليًا بلا بداية، وبطريقة غير جسدية، هو نفسه ومن أجل خلاصنا اتخذ من الروح القدس ومن القديسة دائمة البتولية جسدًا ذا نفس عاقلة مفكرة، من نفس جوهرنا، لم يكن له وجود قط قبل أن يتخذه الكلمة، وبميلاده الزمني أظهر لنا العذراء أنها والدة الإله.  وهنا تكمن خصوصية الاتحاد الطبيعي/ الأقنومي، الذي تكون من طبيعتين/ أقنومين، يرفضان الوجود في استقلالية، فلا يمكن أن نعدهما اثنتين/اثنين، فلا يمكن أن نقول لاهوت وناسوت، أو الكلمة والإنسان المتخذ من العذراء، لأنهما كونا طبيعة واحدة متجسدة، أقنوم واحد مركب، شخص واحد، عمانوئيل، الرب والابن يسوع المسيح

(، كتاب: محب الحق)

لن يقبل السكندريون أبدًا أن يكون الإنسان (الناسوت) حاضرًا دون تحديدات قاطعة أنه جسد الكلمة، ونحن بـ”اشتراكنا” فيه في ال نصبح من جسده، قبل الكلمة تدبيريًا كل المحددات التي تحكم الوجود الإنساني نعم، ولكن لا يمكن إغفال أن هذا الجسد نفسه باتحاده بالكلمة ومنذ اللحظة الأولى بدأ رحلة تألهه (التي تكللت بقيامته)، فأصبح “ثوبه” يشفي الأمراض، رحلة هذه عينها، نحن مدعوون لها وفيها باشتراكنا فيه.

لذا فالتأله هو جوهرة تاج والمآل الوحيد لمساره الفكري، ولا يمكن عزله عن مقدماته، ودع عنك أغبياء الجهال.

لذا جاءت الإضافة التي أسميتها “رقعة” في المقال السابق، وهي إضافة “المحيي” إلى “الجسد” في غاية من الأهمية، فالاعتراف الذي هو “خلقيدوني” بالتمام، استطاع رهبان “أبو مقار” بعد عناء طويل إضافة رائحة سكندرية عليه، لأن هذه الصفة تحديدًا “الجسد المحيي” استعملها القديس كيرلس في نصه البديع “ضد نسطوريوس” ليرد على ما قاله نسطوريوس عن الإفخارستيا على طريقة “اللاهوت لا يؤكل”.

ليس كذلك مسيح نسطوريوس:

فالأنطاكيون يرون أن “البداية” بالكلمة صائرة حتمًا إلى الامتزاج بين الطبيعتين، فهم لا يفهمون كيف يكون “الجسد” محييًا، بينما تدبيريًا يجب أن تبقى الطبيعتان متمايزتان بثبات ودائمًا، حتى مع اتحادهما.

فيقول نسطوريوس موجهًا حديثه إلى ق. كيرلس: لقد بدأت روايتك مع خالق الطبيعة، وليس مع بروسبون الاتحاد، أنه ليس الكلمة الذي أصبح ذو شقين، بل الرب الواحد يسوع المسيح هو الذي “في طبيعتين”.

ومن هنا ظهر التعبير “في طبيعتين” لاهوت وناسوت/ الكلمة والإنسان.

للتجسد عند الأنطاكيين ثلاثة “شخوص”:

– يسوع الناسوت/الإنسان المخلوق.
– الكلمة اللاهوت/ الإله الخالق.
– المسيح بروسبون ثنائي القطب، لا يشير إلى الإنسان ولا إلى اللوجوس بل إلى الوظيفة المحددة للتدبير.

فلا يصح أن نقول أن العذراء ولدت الكلمة/اللاهوت، إلا لو قلنا أنها ولدت الإنسان في نفس الوقت، والأدق لاهوتيًا -حسب نسطوريوس- أن نقول إنها ولدت المسيح.

هرطقة أن نقول اللاهوت مات، لأن من مات هو الناسوت/ يسوع.

لكن يمكننا أن نقول إن المسيح مات (كما تقول الكتب بحسبه)

هرطقة أن نقول إن الناسوت أقام لعازر، لأن اللاهوت هو من فعل.

وهكذا.

الطبيعتان متمايزتان ومتواجدتان لتفعل كل منهما أو تتلقى ما يناسبها، ومع هذا هما في اتحاد دائم هو المسيح الذي يجمعهما.

في كل مرة نذكر اللاهوت أو الناسوت نحن نستدعي مسيحًا ليس هو من تسلمناه من الآباء، بل مسيح يجمع الله الكلمة، والإنسان يسوع.

مسيح يبدو منطقيًا، ولكنه لا يناسب خلاصنا البتة.

فليس هو الكلمة الذي تجسد وتشارك معنا في اللحم والدم، ولا الابن الذي “بذله” الآب، مسيح نصبح معه مدينين للناسوت يسوع في خلاصنا وليس للكلمة.

مسيح “في طبيعتين” لاهوت وناسوت، مسيح لا يستطيع أن يقودك إلى التأله لأن “لاهوته” لا يؤكل، وغني عن البيان هجوم نسطوريوس على فكر التأله السكندري، في نفس الوقت هو مسيح مناسب جدا للبلاجيين، الذين يرون أن الخلاص متوقف على الشخص نفسه، دون مؤازرة إلهية.

أعد قراءة المقال السابق ستجد أن مسيح المقال هو مسيح نسطوريوس، الذي وحد الناسوت مع لاهوته، الذي أسلم الناسوت على خشبة الصليب، الذي -لحسن الحظ- احتفظ بهما معا دون انفصال لحظة واحدة ولا طَرْفَة عين.

يتبقى سؤال أخير: هل من الخطأ ذكر اللاهوت والناسوت على وجه العموم؟
كلا طبعا، شأن أي مفاهيم يتوقف الأمر على التوظيف، فلا مفر من استعمالهما في التنظير على سبيل المثال:

“بالرغم من أن مسيرة البشرية استمرت ملايين السنين فإن حدثها الأبرز هو “اتحاد اللاهوت بالناسوت” في التجسد الإلهي”.

“لم يكن للبشر التخلص من حتمية الموت، إلا باللوذ بغير المائت، وهذا ما حدث في “اتحاد اللاهوت بالناسوت”.

مرة أخرى النسطورية والأنطاكية وال هي مفاهيم متطابقة ويمكنك استبدال أيهم بأخرى دون غضاضة.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

رجائي شنودة
[ + مقالات ]