- قراءات سكندرية لكتابات خلقيدونية
- الأصل الكيرلسي المزعوم لصيغة خلقيدونية [١]
- ☑ الأصل الكيرلسي المزعوم لصيغة خلقيدونية [٢]
- الأصل الكيرلسي المزعوم لصيغة خلقيدونية [٣]
- الأصل الكيرلسي المزعوم لصيغة خلقيدونية [٤]
يحاول الكاتب في الفقرات المقبلة نفي أن عبارة خلقيدونية هي نفس عبارات نسطوريورس، ودعنا نرى اجتهاد الرجل [1] .
أولا: معنى الصيغة الذيوفيزيتية “مسيح واحد” أو “ابن واحد فى طبيعتين… معترف به” عند نسطور وعند باسيليوس الصفقلي.
من المعروف والثابت أن الصيغة الذيوفيزيتية وتحديد مجمع خلقيدونية “مسيح واحد” “ابن واحد فى طبيعيتن… معترف به” قد تم نحتها أول مرة أرثوذكسيًا على يد باسيليوس الصفقلي فى الاعتراف بالإيمان الذي سنه المجمع المحلي عام 448م. ولكن هناك حقيقة أخرى لا يرقى إليها الشك، وهي أنه قبل أن يستخدم هذا التعبير باسيليوس وآباء خلقيدونية بمعناه المستقيم الرأي، كان قد استخدمه نسطور وإن لم يكن بنفس اللفظ ولا نفس النية اللاهوتية المستقيمة.
يظهر نسطور من خلال عظتين له أنه ولابد أن يكون هو شخصيًا مهندس وواضع أساس التعابير الذيوفيزيتى في التراث اللاهوتي الأنطاكي مثل تعابير “ابن واحد… في طبيعتين… نعترف به”. ففي إحدى فقرات عظة له، حيث يشير إلى ميلاد المسيح، يكتب وبشكل واضح: “نحن نعترف بإنسانية الطفل وألوهيته [نعترف بالتباين بين الطبائع]، أما البنوة فنحن نتمسك بفرادتها في الطبيعة لاهوتًا وناسوتًا”.
وفي فقرة ثانية وردت في عظة لنسطور عن الإيمان ووصلت إلينا في تَرْجَمَة باللغة السريانية يشير إلى: “… نحن نراه واحدًا في طبيعة مخلوق وغير مخلوقة… ونعترف به “كمسيح واحد في طبيعتين إلهية وإنسانية مرئية وغير مرئية…. ابن واحد في طبيعتين”. إن الربط بين هذه التعبير والفعل (نعترف به) تشكل عامل مشترك بين عظات نسطور من ناحية وصيغة باسليوس الذيوفيزيتية من ناحية أخرى. ربما هذا يشرح السبب وراء ما حدث حينما قام باسيليوس بتقديم هذه الصيغة الذيوفيزيتية في خلقيدونية، قام الأساقفة المصريون وآخرون بالصراخ “هذا هو اعتقاد نسطور… هذا هو صوت نسطور.”
(الأقباط متحدون، مقال الأصل الكيرلسي للصيغة الخلقيدونية “في طبيعتين”)
لم يقل الرجل هنا شيئا سوى التأكيد إن صيغة خلقيدونية هي صيغة نسطوريوس برمتها.
نستكمل علنا نرى جديدًا [2] .
ليس هناك ما يمنع من الظن أن باسيليوس الذي كان يعرف جيدًا كما أظهرنا في دراسة أخرى لنا عظات وتعاليم نسطور، وأن يكون قد أخذ التعابير “مسيح واحد” أو “ابن واحد في بيعتين… نعترف…”، والاحتمال الآخر أن يكون قد استقاها من التراث الخرستولوجى الأنطاكي حيث كانت هذه التعبيرات منتشرة ومعروفة كما سبق وذكرنا أنها وردت في الاعتراف الذي تم عمله في المجمع المحلي عام 448م. وهنا يظهر الدور الإبداعي والأصيل الذي قام به باسيليوس لتضييق الهوة بين الخرستولوجيا الأنطاكية والمسيحيانية الإسكندرانية.
ظهر إبداع باسيليوس اللاهوتي في أنه لم يكتف فقط باقتباس تعبيرات نسطور الذي كان يسميه “الفاسد العقل «Φρένοβλαβή» ولكن ظهر إبداعه وحسه اللاهوتي بالأكثر حينما ربط بين ولادة وأصل هذه التعبيرات في جوهرها ومضمونها اللاهوتي بفكر ولاهوت وخرستولوجية القديس كيرلس الإسكندري معتبرًا كيرلس مصدر تعليمه المسيحياني.
(الأقباط متحدون، مقال الأصل الكيرلسي للصيغة الخلقيدونية “في طبيعتين”)
توسع هذه الفقرة الهامة اعترافات الرجل، وتأتي بنا إلى مربط الفرس، فنسطوريوس لم يكن هرطوقيًا تفتق ذهنه عن فكرة مارقة ضارة بالإيمان، ولكنه ممثل لتيار واسع من الفكر الخروستولوجي، ومدرسة عريقة في اللاهوت -خرجت منها كل الهرطقات الشرقية- بل إنني أكاد أرى أن اللاهوتي المبدع -كما يصفه كاتب المقال- “باسيليوس” ينتمي لنفس المدرسة.
وإذا شئنا إلقاء الضوء على هذا الفكر اللاهوتي “الأنطاكي” الديوفيزي باختصار قلنا إن هذا الفكر هزم هزيمة ساحقة في أفسس المسكوني، ولكنه لملم شتات أعضائه ودبر الخطط للعودة وإعادة المعركة إلى الساحة مرة أخرى، كانت البداية في القسطنطينية المكاني -الذي يشير له الكاتب كثيرًا، وسنتكلم عنه نحن أيضا كثيرًا لاحقا- وحازوا انتصارًا مهمًا، ولكنهم منوا بانتكاسة قاسية في أفسس الثاني، حتى كرسوا انتصارًا حاسمًا ونهائيًا في خلقيدونية، بعد أن رقص الشيطان رقصته الأكثر إبداعًا.
حتى الآن نحن نرى اعترافات -لا نملك إلا أن نشكر الرجل عليها- دون أن نرى نفيًا لتطابق الصيغة مع فكر نسطوريوس، ربما نجد في القادم بصيص أمل.
يتبع..
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
نحاول تخمين اهتماماتك… ربما يهمك أن تقرأ أيضا:
- أغسطينوس والحرب العادلة السؤال المطروح أمام أوغسطينوس هو كيف يستطيع المسيحي ممارسة العُنف دون أن يستلزم ذلك كسره لمسيحيته؟ كيف يقدر أن يحمل السلاح ويحارب مع إطاعة: “أحبوا أعدائكم”؟ لكي يتمكن أوغسطينوس من ذلك، قام بعمل مجموعة من التمييزات المُهمة. مثلًا إن المسيحي لا يستقيم مع حب الحرب، ولكنه يحارب لو اضطرته الضرورة. لذلك، يُشرط إنه ﻻ يحب الحرب ولا يطلبها. الأمر الذي اختصره القرآن بعدها بقرنين: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ (سورة البقرة، الأية ٢١٦)...