قال نيل أرمسترونج عندما هبط على سطح القمر: خطوة صغيرة لإنسان [ناسوت]، لكنها قفزة هائلة للبشرية [ناسوت].
ونحن نقول: تجسد الله الكلمة [لاهوت] فعانقت السماء الأرض وتصالحت الطبيعة الإلهية [لاهوت] على الطبيعة البشرية [ناسوت].
في المثالين السابقين، استعملنا “الطبيعة” بكلا الاستخدامين الذين تحدثنا عنهما قبلا.
الاستخدام في الشطر الأول -لكلا المثالين- للدلالة على الطبيعة التي تخصصت في أقنوم ممثل لهذه الطبيعة تمام التمثيل.
نيل أرمسترونج في المثال الأول كممثل للناسوت، والله الكلمة في المثال الثاني كممثل للاهوت.
والاستخدام في الشطر الثاني للدلالة على الطبيعة العامة غير المخصصة، أي جميع الأقانيم المكونة لهذه الطبيعة (بمعني يقترب من الجوهر).
فالطبيعة إذن قد يفهم منها الإشارة للطبيعة العامة، أو الإشارة إلى أقنوم فرد ممثل لهذه الطبيعة.
وكان هذا هو الاستخدام المستقر كنسيًا في الكنيسة الجامعة بداية من افسس
فحين يتحدث الآباء عن الطبيعة الإلهية عمومًا، فهم يعنون الجوهر الإلهي،
أما إذا تحدثنا عن الطبيعة الإلهية في التجسد، فهم لا يعنون إلا الكلمة نفسه، لأنه هو من تجسد وليس الآب أو الروح.
لكن لاحظ كيف أن الخشب مغشى بالذهب من الداخل والخارج، وهذا لأن الكلمة كان متحدًا بالجسد، والذي بحسب رأيي يتمثل في تغشية التابوت من الخارج، أما انه جعل النفس العاقلة خاصة به فهذا يتضح من تغشية التابوت من الداخل أيضا، ومن هنا نتعلم أن الطبائع [الأقانيم] بقيت بغير تشويش(القديس كيرلس السكندري)
ويقول خصمه اللدود ثيئودوريت:
فلو كانت كل طبيعة كاملة واتحدا معا [مكونين طبيعة واحدة] فإن هيئة الله قد اتخذت بلا شك هيئة العبد، ولكننا نحن نعترف في تقوى بشخص واحد ابن ومسيح واحد في طبيعتين [أقنومين] وهذا ليس خاطئًا، بل مناسب جدا.(ثيئودوريت، أسقف قورش، آخر ممثلي مدرسة أنطاكية)
وما يهمنا بداية في قوليّ الخصمين أن: الجميع يتفق على أنه في التجسد: الطبيعة تعني الأقنوم.
فاللاهوت هو أقنوم الكلمة، والناسوت هو الأقنوم البشري.
وبينما يعرض القديس كيرلس إيمان الإسكندرية والكنيسة الجامعة وقتها: أن الأقنومين اتحدا أقنوميا ليكونا أقنومًا واحدًا هو الكلمة نفسه متجسدًا، ويشرح أن ذلك تم “بدون تشويش” على مثال تابوت العهد،
يرفض ثيئودوريت -ممثلًا لمدرسة أنطاكيَة- ذلك، قائلًا أن ذلك الاتحاد صائر حتما إلى الاختلاط والتشويش، قائلًا – معيدًا لكلام نسطوريوس ومدرسة أنطاكيَة- أن الاتحاد هو في الشخص الذي يحمل الأقنومين معا.
لدى أنطاكيَة ثلاث كيانات: أقنوم الكلمة [اللاهوت]، وأقنوم يسوع الإنسان [الناسوت]، والمسيح الحامل لهما معا اللاهوت والناسوت.
يقول السكندريون “من طبيعتين” أي من أقنومين، باتحادهما اظهرا أقنومًا واحدًا، هو الكلمة نفسه متجسدًا، مركزًا واحدًا للفعل، ويقبلون الحديث عنه بصورة: من جهة… ومن جهة أخرى، فهو من يقيت الجميع ويشبع الجموع، وهو نفسه من شعر بالجوع.
بينما يقول الأنطاكيون -بفروعهم النسطورية والخلقيدونية- “في طبيعتين” ويعنون في أقنومين، أي مركزين للفعل، اللاهوت يختص بما للاهوت، والناسوت يقع عليه ما يقع على الناسوتيين، من اشبع الجموع هو اللاهوت، بينما من شعر بالجوع هو الناسوت.
فلا تنخدع عزيزي إن سمعت أنهما متحدان، لأنه قول فارغ من مضمونه ولا يعني شيئا، فالعدد نقيض الاتحاد ولن يتحد شيئان ويبقيا قابلين للعد.
أما إذا سمعتهم يقولون “هو نفسه” فهي أيضا عبارة جوفاء، لأن المقصود بها هو “المسيح” الكيان الحامل للطبيعتين: اللاهوت والناسوت.
عزيزي الأسقف والكاهن الجاهل، أي حديث تتفوه به مستعيدا مفردات اللاهوت والناسوت في شخص الكلمة المتجسد بدلا من الحديث عن الكلمة وجسده هو نسطورية صريحة، قولا واحدًا، وأرجو أن تعي هذا وتتوقف عن استعمالهما.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
نحاول تخمين اهتماماتك… ربما يهمك أن تقرأ أيضا:
- [١٩] تعليمات الأسقف استدار أبونا بطرس وكل علامات الإحباط وخيبات الآلم مرسومة على وجهه، كل ما كان يشعر به أنه يعاقب لأنه عمل خيرًا ووشى به أحدهم عند الأسقف الذي لم ير في القصة كلها سوى كاهن ضرب بتعليماته عُرْضَ الحائط...