منذ أيام، استيقظت على جرس هاتف من صديقة، فالميديا القبطية ضجّت من حلقة "ريهام عياد" المعنونة "هل حاول  التخلص من البابا شنودة؟"، مما أدى لحذفها من فريق عمل برنامج "القصة وما فيها". لم تكن الحلقة مثار الجدل متاحة بعد أن تم حذفها، والذي كان متاحًا وقت بحثي عبارة عن ثلاثة فيديوهات تلوم حلقة ﻻ نراها. تابعت إثنين من الثلاثة على عجالة: واحد للإعلامية على القنوات القبطية نانسي مجدي، والأخر لشماس برتبة دياكون (مساعد كاهن) دُعِى ديوسقورس من فم ، أسقف مغاغة والعدوة، ورسامته كشماس مزارع خاصة تجعل رتبته معتلّة ومثار طعن، لذا سنخاطبه هنا باسمه العلماني: ، مؤسس رابطة .

هل حاول السادات التخلص من البابا شنودة؟ 1بدا لي أن الأستاذة “نانسي” ليست ذات خبرة في العمل العام وأن خبرتها منعزلة داخل المجال الكنسي بثقافته الدينية المميزة. خلاصة كلامها أن أسلوب “ريهام عياد” غير ﻻئق دينيًا، وربما متعمدة لإهانة رمز ديني كقداسة ال. في الحقيقة لقد شاهدت “ريهام عيّاد” في حلقات متعددة، وأستطيع التوكيد على أن أسلوبها الشعبي هكذا دائمًا حتى مع رؤساء الدولة، والمهم في البرامج هو مدى دقة السردية، وليس الأشياء الضميرية الخبيئة مثل مقاصد ونوايا المتكلم.

هل حاول السادات التخلص من البابا شنودة؟ 3جميع ما أزعج الأستاذة “نانسي” هو شكلاني غير موضوعي ويمكن رده للاستنكار المعرفي لأي شخص نشأ في وسط كنسي محافظ، وهو نفس ما تم تكراره في فيديو ﻻحق للأب الراهب بولس الأنبا بيشوي، والذي تم تقديمه إعلاميا بوصفه “سكرتير البابا شنودة” الراحل. كلاهما ارتأى مشكلة عويصة في القول بأن مجموعة المستنيرين والمثقفين والمؤسسين لمدراس الأحد (العلمانيين): دخلوا الدير بهدف الوصول لسلطة دينية في مفصليات الكنيسة.. بالنسبة لهم هذا عيب!! طيب الصح إيه؟ الرهبنة هي الهدف بذاتها!! والأدلة هي إيه؟ قصائد كتبها الراهب أنطونيوس السرياني (الأنبا شنودة ﻻحقا)، تلك كانت كل الأدوات لحسم مسائل ضميرية!! أنظر للقصيدة وعش مع الأدب والحالة الشعرية!! هل هكذا ينبغي التعامل مع الرموز والشخصيات العامة في المناصب الحساسة كالباباوية؟ أن يتم تقييمهم وفقا لمعايير الرومانسية؟

هل حاول السادات التخلص من البابا شنودة؟ 5بزعمي، هذا تخدير عاطفي..  فالروائية “أجاثا كريستي” كتبت مئات القصص عن مئات الجرائم، هل هذا يجعل منها “مجرمة”؟ أو هل نستطيع تقييمها على أنها شخصية سيكوباتية مثلا؟! الأستاذ نظير جيد له قصيدة وقتما كان طالبا بكلّية اﻵداب عن طموحة في أن يكون عميدا للكلية، يكلم فيها زملائه ويقول: أنا لما هابقى عميد هالغيلكم الجغرافيا من المنهج وأعمل وأسوي وأنغنغكم وأخليكم تنجحوا بدون مجهود.. هل يمكن أن تؤخذ هذه القصيدة كدليل على الوصولية وإن له مطامح في الزعامة؟! ﻻ ﻻ طبعا وده اللي اسمه بجد عيب! منهج الاستدلال نفسه ظني، ويمكن أن يستخدم في الشيء ونقيضه!

طموح الإنسان، شهوة سلطة للرهبان

أيا كان المسمى الملائم لشغف الإنسان في أن يكون مؤثرًا في تغيير العالم للأفضل، فموضوع “شهوة السلطة” لدى البابا شنودة ربما يكون شيئا معيبًا وفق النسك الرهبانية التي تجبن عن الاحتكاك بالعالم  وتعتبره “عالم شرير” ينبغي اجتنابه. لكنه شيء مشروع ومباح إداريًا وسياسيًا وإنسانيًا في أي سلطة ذات رؤية ومشروع. من قال أن الرهبان هم استثناء من البشر ﻻ ينطبق عليهم علم النفس وعلم الاجتماع؟ وما دليله؟ هذا كلام نظري طوباوي مثالي جدا وﻻ علاقة له لا بالتاريخ وﻻ بطبائع البشر وﻻ حتى له علاقة بالواقع، إذ تنفيه نَظْرَة عابرة لبهرجة الأساقفة في سياراتهم أو مكاتبهم أو تذاكر الطيران درجة أولى!

هل حاول السادات التخلص من البابا شنودة؟ 7إن كانت أدواتنا هي التاريخ ﻻ إعلام المخدرات الشعورية الأدبية، فوقت خلو عقب رحيل البابا ، تقدم الراهب أنطونيوس السرياني -مع آخرين من تياره- للكرسي البطريركي، وفشلوا وتم استبعادهم بقانون وضع خصيصا لإبعاد الشباب حديث الرهبنة. وكل هذا مكتوب ومذكور في كل تأريخات وتدوينات الكنيسة من المعاصرين. لكن الأهم -برأيي- في مسالة شهوة السلطة هو ما كتبه د. “” رفيق “نظير جيد” في مقال يصف فيه حوار شخصي بينهما على مقهى محطة مصر قبيل فكرة الرهبنة مباشرة.. والمقال نشر في حياة البابا عدة مرات دون أدنى اعتراض منه.

نبدأ ‏من‏ ‏المجمع‏ ‏المقدس‏ ‏المكون‏ ‏من‏ ‏أساقفة‏ ‏ومطارنة‏ ‏هم‏ ‏في‏ ‏الأصل‏ ‏رهبان‏ ‏وعددهم‏ ‏محدود‏ ‏وغير‏ ‏قابلين‏ ‏للعزل، ‏وبالتالي‏ ‏فإنك‏ ‏إذا‏ ‏أردت‏ ‏التخلص‏ ‏من‏ ‏أحدهم‏ ‏بسبب‏ ‏فساد‏ ‏ما‏، ‏فعليك‏ ‏الانتظار‏ ‏حتي‏ ‏يغادر‏ ‏هذه‏ ‏الحياة.

ثمة‏ ‏طريق‏ ‏آخر‏ ‏وهو‏ ‏مضاعفة‏ ‏عدد‏ ‏أعضاء‏ ‏المجمع‏ ‏المقدس‏، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏المضاعفة‏ ‏ليست‏ ‏ممكنة‏ ‏إلا‏ ‏بمضاعفة‏ ‏الإيبارشيات‏ ‏وذلك‏ ‏بتقسيم‏ ‏محافظات‏ ‏مصر‏، ‏بذلك‏ ‏يمكن‏ ‏رسامة‏ ‏أساقفة‏ ‏ومطارنة‏ ‏جدد‏ ‏علي‏ ‏الإيبارشيات‏ ‏الجديدة ‏ ثم‏ استطرد‏ ‏نظير‏ ‏جيد‏ ‏قائلا‏: ويمكن‏ ‏أيضا‏ ‏رسامة‏ ‏أساقفة‏ ‏عموم‏، ‏أي‏ ‏أساقفة‏ ‏بلا‏ ‏إيبارشيات‏ ‏مثل‏‏ ‏أسقف‏ ‏للتعليم‏ ‏الديني‏ ‏وأسقف‏ ‏للخدمات‏ ‏العامة‏.

‏لمعت‏ ‏فكرة‏ ‏في‏ ‏عقل‏ ‏نظير‏ ‏جيد‏، ‏قال‏: ‏إذن‏ ‏نتجه‏ ‏إلي‏ ‏خدّام‏ ‏مدارس‏ ‏الأحد‏ ‏ونحرّضهم‏ ‏علي‏ ‏الرهبنة‏، ثم‏ ‏نختار‏ ‏منهم‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏يكون‏ ‏صالحا‏ ‏لإحداث‏ ‏التغيير‏ ‏المنشود‏” ‏وقد‏ ‏كان. ‏إذ‏ ‏تمركز‏ ‏هذا‏ ‏التحريض‏ ‏في‏ ‏مدارس‏ ‏الأحد‏ ‏بكنيسة‏ ‏الأنبا‏ ‏أنطونيوس‏ ‏حيث‏ ‏كان‏ ‏نظير‏ ‏جيد‏ ‏من‏ ‏روادها‏ ‏الكبار‏ ‏إلي‏ ‏الحد‏ ‏الذي‏ ‏كان‏ ‏ينظر‏ ‏إليه‏ ‏علي‏ ‏أنه‏ ‏شخصية‏ ‏كاريزمية‏.‏ وبدأ‏ ‏نظير‏ ‏جيد‏ ‏بنفسه‏ ‏فتردد‏ ‏علي‏ ‏دير‏ ‏السريان‏ ‏حيث‏ ‏كان‏ ‏يقيم‏ ‏أبوه‏ ‏الروحي‏ ‏الراهب‏ ‏الأب‏ ‏متي‏ ‏المسكين‏.

(مقتطفات من حديث “نظير جيد” مع  “مراد وهبة” على مقهى محطة مصر)

هل حاول السادات التخلص من البابا شنودة؟ 9وهذا يقودنا للفيديو الآخر لديسقورس المزارع: مينا أسعد كامل، مؤسس رابطة حماة الإيمان! إذ يبدو أنه خلط بين المنظّر لل د. مراد وهبة، وبين المؤسس للتيار العلماني المسيحي كمال زاخر وأغلب الفيديو عبارة عن جرائم تحريض وبث أكاذيب وهجوم شخصي على أي شخص يعبر بجوار الفيديو ولو على سبيل الصدفة!!

كمال زاخرإذ بعد حركات عرضحالجية مثل عدم ذكر الأسماء حتى ﻻ يطاله القانون، زعم إن مؤسس التيار العلماني () قام بـ “حركة” غير ﻻئقة أمام نعش البابا شنودة والناس كلها شافته بس هو مش هايقول إيه الحركة.. وشخص من زملاء المزرعة دخل ليسانده في هذا التشهير مما دعى ديسقوروس المزارع الخلوق للتكرار: مفيش داعي نتكلم ومش هنقول عمل إيه.. شخصيًا، تخيلت إن أستاذ كمال قام بسلوك يعاقب عليه القانون في صندوق النعش! طرطر عليه مثلا.. ماهو كل واحد وخياله، والمجال مفتوح لإبداعك الظني بعد مفاعل ديسقورنوبيل لتخصيب اليورانيم ما اشتعل.

تواصلت مع أستاذي كمال زاخر وسألته مازحا عن المنكر الذي فعل، ليتضح إن أستاذ كمال لم يطأ الجِنازة من الأساس!!

ناس أفاقة مدعية ضاربة أكونت قديس وﻻبسة هدوم شماشرجي قرن أوسطي صابغ صدره أسود، وقاعدة تلقح وتحرض على شخصيات عامة معروفة بالاسم بكلام أقل ما يقال عنه إنه وساخة!! هي دي حماية الإيمان وﻻ دي أخلاق ناس مش مؤمنة وكفار حتى؟! بزعمي دي أزمة تربية مش أزمة إيمان!

هل حاول السادات التخلص من البابا شنودة؟

استطعت الحصول على نسخة مسجّلة لحلقة “ريهام عياد”، وشاهدت الحلقة بتمعّن. وبكل صدق لم أجد ثمة معلومات خاطئة.. ربما هناك بعض الأمور المتعلقة بالموضوعية يمكن أن يعتبرها البعض إعلامًا موجهًا، وسأذكر أهمها:

هل حاول السادات التخلص من البابا شنودة؟ 12التناول كان منحاز للسادات الذي لم يكن قطعا بهذه الطيبة والعقلانية. برأيي أن كثير من قرارات البابا شنودة تعتبر عبقرية وفقا للمعايير السياسية، وربما لو عمل شيئا آخر ، لكانت “خربت أكتر”.. وبالمعايير السياسية البحتة يمكن أن نرى البابا شنودة ﻻعب “هجمة مرتدة” تندم صاحبها، لكنه لم يكن صانعا لأحداث عنف مثلا،، والفيديو، (عبر إخفاء كثير من مواقف السادات الطائفية) جعلني أرى البابا “غاوي مشاكل” وليس “متصديا ماهرا لواقع مفروض عليه بسلطة الدولة”، (وأنا لست من أبناء البابا شنودة نهائيًا وهذا معروف)

فيه مواطن اتقتل من أخوه المواطن الإرهابي، وحطوا سيخ حديد مسلح في مؤخرة الجثة لحد ما طلعت من راسه، وعلقوه في بلكونة بحيث الدم ينقط ويتصفى ويعمل بركة دم مرعبة في الشارع كله.. هذا ما نعرفه كأقباط عن مقولة السادات “غسيل مواطن نقط على أخوه المواطن والظاهر إن الميّة مش وﻻبد”!!

هل حاول السادات التخلص من البابا شنودة؟ 14الرئيس المؤمن السادات في أكتوبر عام ١٩٧٧تعمد زيارة الكاتدرائية في الظهيرة، حتى إذا جاء ميعاد صلاة الظهر، طلب سجّادة صلاة ومكانا للوضوء داخل المقر البابوي، وأصر على أن يصلي بابا الأقباط مع الوفد المرافق صلاة الظهر ويعمل ركعتين على سبيل “الأسلمة الوطنية”، بينما السادات -الذي يؤم الصلاة- متعب قليلًا، ويجوز له الإمامة وهو جالس على كرسي. أخذا معه مصور جريدة الدولة بالإضاءة بكل ما يلزم بحيث صحافة الدولة تنشر الصورة تحت عنوان: “صلاة من أجل مصر”!

نعم، كان البابا شنودة يمارس السياسة، لكن السادات أيضا كان ﻻعبا دينيًا وليس فقط رئيس دولة! فما المطلوب منا كمشاهدين تقييمه؟

أيضا كان هناك بعض المبالغات مع الاعتماد على مصادر “معفنة” نوعا. قصة “محاولة السادات اغتيال البابا بصاروخ” ليس مصدرها وكالة أنباء ، وإنما سيادة المستشار في مقال منشور بجريدة اسمها «الشرق الأوسط». المقال منشور منذ ٢٠١٢ وقال “جبرائيل” وقتها في نفس المقال إن مصادره هي “” الذي سينشر كل شيء قريبًا في “مذكرات البابا شنودة”، و”قريبًا” بالتأكيد ﻻ تعني مرور ١٠ سنوات دون كلمة واحدة من المجمع عن صاروخ السادات أو محاولة لأسلمة البابا شنودة!! فكلام سيادة المستشار تقييمه عندي: كلام مساطب وهجص شعبوي مش كلام وكالة أنباء دولية.

بعيدًا عن هذه الملاحظات، فالحلقة مهمة جدا وليس بها أي مشاكل قانونية نهائيًا، وأتمنى إعادتها متاحة.

وبعيدًا عن الملاحظات ذاتها، نحن -كأقباط- نحتاج أن نتأمل شخص البابا شنودة من زوايا أخرى غير دينية من الأساس. وربما يكون غير المسيحيين هم الأقدر على هذا من المسيحيين أنفسهم. أقول هذا بعد أن قام بعض الأقباط العاملين إعلاميا بالملف القبطي، بالتلميح السخيف والهمز واللمز أن “ريهام عياد” مسلمة الديانة، وإن هذا الملف حكرا على الأقباط وحدهم. أقول هذا لأعلن أن هذا الكلام ﻻ ينحاز للحقائق وﻻ يكترث للكفاءة وإنما يوصم اﻵخر بدينه بطريقة “الكورة كرتنا والملعب ملعبنا والدفاتر دفاترنا والرمز رمزنا” لكي ينفرد بالساحة لترديد نفس الكلام الموجه الممل.

إضافة من الناشر: قرأ محتوى هذا المقال الأستاذ محمد منطاوي، مدير فريق الإعداد لبرنامج القصة وما فيها، وتواصل برسالة شخصية ودودة، ونظرا لحق الرد، ولأنها توضح موقفهم المهني وسياستهم التحريرية في المجمل، ارتأينا أهمية نشر الرسالة الشخصية على العلن، وقمنا بالاستئذان كتابيا في ذلك.

هل حاول السادات التخلص من البابا شنودة؟ 16

اقرأ أيضا:

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

باسم الجنوبي
[ + مقالات ]