- كتاب “بولس الرسول” للأب متى المسكين
- اقتراب محفوف بالتربص
- فك رموز العهد القديم
- تشكيل شاول لقبوله الإيمان
- شاول الفريسي وحال الكنيسة
- شاول يضطهد الكنيسة
- حادث دمشق
- ☑ مسيحية بولس الرسول (١)
- مسيحية بولس الرسول (٢)
- صفات القديس بولس
- الفكر اللاهوتي للقديس بولس
- مصادر تعاليم بولس الرسول (١)
- مصادر تعاليم بولس الرسول (٢)
- لاهوت بولس الرسول: تمهيد ومدخل
- حكمة تعلو فوق كل شيء
- سبق وجود المسيح
- ربوبيّة المسيح
ثلاث سنوات بين قيامة الرب يسوع وبين ظهوره المباغت لبولس الرسول، وثلاث سنوات تالية قضاها القديس بولس في منطقة "العربية"، يتتلمذ على الروح القدس ويتسلم من المسيح إنجيله، ويعرضه على الرسل فيقروه ويعطوه يمين الشركة.
كان اختيار الرب لبولس استكمالًا لبناء الهيكل الرسولي، وكان ظهور المسيح لبولس ختامًا لكل الظهورات، وختامًا لتعيين الرسل للإرساليات: “وآخر الكل، كأنه للسقط، ظهر لي أنا“، هكذا يؤكد بولس الرسول ضمه إلى قائمة رسل المسيح، ويحدد المسار الذى كلف به “لأبشر به بين الأمم“، يأتي هذا في نفس السياق والرسالة التي يؤكد فيها أنه استلم إيمانه بشكل مباشر من الرب يسوع؛
وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الإِنْجِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُ بِهِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ. لأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ [كخبر] مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
(غلاطية 11:1و12)
وباقتراب الكاتب من بولس الرسول يكتشف سر تحوله من أكبر مضطهد للمسيحية إلى أكبر كارز باسم المسيح، وهو “رد فعل مباشر لفعل الله الذي عمله فيه بالمسيح”، “هذا عبر عنه بولس الرسول بقوله:
مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ، وَمَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ الْفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ الَّذِي عَمِلَهُ فِي الْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ
(أفسس 18:1 ـ 20)
واضح هنا أن الله هو صاحب المبادرة العظمى لخلاص الإنسان كأعظم فعل.
“هكذا تأسست مسيحية بولس الرسول لا على كلمة خبر سمعها؛ بل على المسيح الحي المتكلم معه من السماء، والمتكلم فيه. فمسيحية القديس بولس لم تقم على مسيح التاريخ؛ بل على الرب الروح، الحي، العامل والفعّال في كل كيانه بقوة عمله وتدبيره. وهكذا صارت مسيحية القديس بولس، الاعتماد الكامل على شخص المسيح الحي العامل فيه”
(الأب متى المسكين: القديس بولس الرسول: حياته، لاهوته، أعماله)
“هنا بولس الرسول لما كان (في الروح) أدرك (الرب الروح)، لذلك يؤكد بولس الرسول عن خبرة يقينية أنه ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس (1كو12:3)، لهذا فالشركة في المسيح لا تقوم إلا من خلال الشركة في الروح القدس”
“مسيحية القديس بولس قامت على أساس الحلول، أي حلول المسيح بالروح، كما صارت معرفة القديس بولس بالرب يسوع على مستوى (الرب الروح من السماء)، فالمسيح لما أعلن نفسه لبولس كان في وضعه الروحي السماوي، كما كان حلول المسيح في قلب القديس بولس على مستوى الاتحاد، حتى إن بولس الرسول لم يعد يعي نفسه بدون المسيح: فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ (غلاطية 20:2)
يضع الكاتب يده على سر تحول بولس من مقاوم للمسيح إلى كارز به، بعد تلك المواجهة المباغتة والحوار الواعى الذى دار بينهما، هو انكشاف ماهية المسيح له، حتى أنه لم يعد يرى أحداً غيره فى قيامه وقعوده وأسفاره وكرازته؛ “لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا.” (1كو 2:2)
وكانت ابرز الفقرات التى يوضح فيها الكاتب ماهية مسيح بولس الرسول:
• لقد جمع القديس بولس في وعيه المسيحي بين المسيح قائمًا فيه، وبين المسيح الكائن في أعلى السموات، فأدرك بولس الرسول أنه لم يعُد (للمسيح الرب الروح) حدود”؛ “الرب الروح والرب من السماء” عند بولس هو هو المسيح المتجسد، ولكن جسد المسيح صار جسدًا روحيًا بالقيامة من الأموات، لقد جاز الجسد البشرى “التغيُّر” الداخلي والخارجي دون أن يفقد كل ما له.
• عند بولس الرسول، الله الروح و”المسيح الرب الروح من السماء” هو حقيقة أشد يقينًا وإدراكًا من كل الحقائق الأخرى وذلك عن وعى روحي واختبار، ملك عليه تفكيره ووجدانه وتدبير حياته. وقد نحت بولس الرسول لنفسه اصطلاحًا يصور هذه الحقيقة العملية الاختبارية في علاقته بالمسيح، وهو اصطلح “في المسيح“، والذي ورد في رسائله 164 مرة، والذي يُعبِّر به عن كل تفكير وحركة وعمل وحياة له “في المسيح”، … إيمانه وبره وصلاته وفرحه وسروره وكل عطية نالها ومحبة وسلام وقداسة وختم روحي وختانة والجسد الواحد. كل ذلك يعيشه ويمارسه ويراه “في المسيح”.
• كذلك، كان يشعر وهو واثق أنه كما يحيا في المسيح، فالمسيح يحيا فيه، فهي شركة حية، فيها أخذ وعطاء، اغتنى بها بولس الرسول وأغنى كثيرين.
• وقد صار هذا الاختبار “في المسيح” صفة خاصة بلاهوت بولس الرسول، وقد دخل في شركة حياة دائمة مع المسيح الممجد، الرب الروح من السماء، لذلك استطاع أن يقول عن يقين أنه صلب مع المسيح، ومات وقام وجلس في السماء معه، كتعبير عن الالتحام بأعمال المسيح الخلاصية في الفداء.
ويستطرد الكاتب في تحليل مسيحية بولس الرسول:
“هناك فرق شاسع بين أن نستحضر صورة المسيح من الماضي حينما صُلب أو قُبر أو قام، لنصنع معها علاقة أو شركة على مستوى التأمل، وبين أن يأتي المسيح بشخصه الحي ويُستعلن لنا بحاله الآن ما هو في السماء في المجد، لكى يصنع فينا منزلًا ويقيم، ونصنع نحن معه شركة في المحبة بالإيمان الواعي.”
(الأب متى المسكين: القديس بولس الرسول: حياته، لاهوته، أعماله)
وينبه الكاتب القارئ أن اختبار بولس الرسول كان خاليًا من التصورات المادية التي تصنعها المخيلة، بل كان حقائق روحية وفعالة يفحصها الروح حتى الأعماق ويقدمها كأفعال، فينفعل بها الإنسان انفعالًا حقيقيًا روحيًا أشد من انفعال الجسد، لهذا قال بولس الرسول عن صدق ويقين واختبار فعلى: قد صُلبت مع المسيح، قد دُفنت مع المسيح، قد قمت مع المسيح، قد جلست في السموات مع المسيح. ويقولها بصورة الجمع، معتبرًا أن ما اختبره هو يتحتم أن يختبره الجميع كحقيقة.
فقد تحصنت معرفة بولس بالمسيح وتحصنت حياته ضد الخداع الفكري والزمني، حينما حلَّ في قلبه المسيح القائم في مجده في الأعالي، فملأ ذهنه ووعيه الروحي بحقيقة ذاته الفائقة على كل فكر والمتسامية عن قياسات الإنسان لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ … وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ. (أفسس 17:3و19)
ويلح الكاتب في تأكيد أن بولس الرسول ليس صاحب فكر لاهوتي ولا هو هاوي لاهوت أو محترف، إذ لم يعرف المسيح من إنسان ولا تعلمه على يد معلم، وهو لم يضع مناهج تصلح أن تكون واسطة لمعرفة المسيح، ولا سجل اصطلاحات تعبر أو تحدد الحقائق الإلهية، ولكن لما كشف لنا عن علاقاته بالمسيح، حين كان يحكى لنا قصة تعرفه عليه وقبوله، خرجت منه مقولات كلها حية تُعبِّر عن حياته وحياة المسيح فيه، فكان لاهوته هو قصة قبوله للمسيح وحديثه معه وتدبير إرسالياته التي اختاره الله من أجلها.
مازال الحديث عن مسيحية بولس الرسول ممتد وسنواصل الاقتراب منها المقال القادم.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: العلمانيون والكنيسة: صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨