على الرغم أن كنيستنا – مع كراسي أورشليم، وأنطاكية، ثم القسطنطينية لاحقا – تنتمي للإرث اليوناني، إلا أن اقرب الكنائس إلينا فكريا عبر التاريخ هي الكنيسة التقليدية اللاتينية الكاثوليكية، إلى أن وقع خلاف خلقدونية المشؤوم.
باستثناء الآباء الكبادوك (تلاميذ أوريجينوس) والقديس يوحنا ذهبي الفم، كان الخلاف اللاهوتي مستعرا دائما بين كرسي الإسكندرية وباقي الكراسي الشرقية، ولم نكن نجد الدعم في المجامع وما قبلها وما بعدها سوي من كرسي روما. كان تناغما مذهلا: وكأن ما يصدر عن أحداهما صدر من الآخر.
في نيقية، كان المجمع ثلاث جبهات: الآريوسية، نصف الآريوسية ذات النفوذ الطاغي، والإسكندرية ومعها روما.
بعد مجمع نيقية، لم يكن الحريق قد انطفأ بعد، ولم يجد القديس أثناسيوس الرسولي سندا له في مواجهة الأباطرة وأساقفة الشرق الذين عقدوا أكثر من مجمع وقطعوه، سوي روما، وبشكل أدق: البابوان مرقس ويوليوس أسقفا روما، مثلما كان سلفهما سلفيستريوس سندا للإسكندرية في المجمع نفسه.
ما قبل مجمع أفسس، كان تناغما شديدا بين القديس كيرلس والبابا كلسيتينوس أسقف روما، والذي فوّض القديس كيرلس في قطع نسطوريوس ما لم يرجع عن هرطقته، وهو ما فعله القديس كيرلس، فقامت الدنيا ولم تقعد، ونعلم ما حدث من الوفد الأنطاكي (الذي قطع القديس كيرلس) ولولا الوفد اللاتيني الذي صدق علي قرارات المجمع الذي اتخذها برئاسة كيرلس، لما انتهت الأمور على ما آلت إليه بسبب قوة الجبهة النسطورية كنسيا وسياسيا.
أورد هنا نصا للاتفاقية الموقعة عام 1973 بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية، و آمل أن توضع فعلا في حيز التنفيذ:
بولس السادس أسقف روما وبابا الكنيسة الكاثوليكية، وشنوده الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرسي المرقسي، يقدمان الشكر لله في الروح القدس، إذ أنه بعد عودة رفات القديس مرقس إلى مصر، قد نمت العلاقات بين كنيستي روما والإسكندرية، وازدادت بعد ذلك الحدث العظيم، حتى أمكن الآن أن يصير بينهما لقاء شخصي.
وهما يرغبان في ختام اجتماعاتهما ومحادثاتهما أن يقررا معًا ما يلي:
لقد تقابلنا معًا، تحدونا الرغبة في تعميق العلاقات بين كنيستينا، وإيجاد وسائط واضحة المعالم وفعّالة للتغلُّب على العقبات التي تقف عائقًا في سبيل تعاون حقيقي بيننا في خدمة ربنا يسوع المسيح، الذي أعطانا خدمة المصالحة لنصالح العالم فيه (كورنثوس الثانية 5: 18-20).
• وطبقًا لتقاليدنا الرسولية المُسلَّمة لكنيستينا والمحفوظة فيهما، ووفقًا للمجامع المسكونية الثلاثة الأولى، نقرّ أن لنا إيمانًا واحدًا، بإله واحد مثلث الأقانيم، وبلاهوت ابن الله الوحيد، الأقنوم الثاني من الثالوث القدوس، كلمة الله وضياء مجده وصورة جوهره، الذي تجسد من أجلنا، متخذًا له جسدًا حقيقيًا ذا نفس ناطقة عاقلة، وصار مشاركًا إيّانا إنسانيتنا ولكن بغير خطيئة.
• ونقر أن ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كلنا يسوع المسيح إله كامل من حيث لاهوته، إنسان كامل من حيث ناسوته. وأن فيه قد اتحد اللاهوت بالناسوت اتحادًا حقيقيًا كاملًا بغير اختلاط ولا امتزاج، ولا تشويش ولا تغيير، ولا تقسيم، ولا افتراق، فلاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة أو طرفة عين. وأنه وهو الإله الأزلي الأبدي غير المنظور صار منظورًا في الجسد، واتخذ صورة عبد. وفيه قد حُفِظت كل خصائص اللاهوت وكل خصائص الناسوت جميعًا، باتحاد حقيقي كامل، اتحاد لا يقبل التجزئة أو الانقسام ولا يقبل الانفصال.
• نؤمن معًا أن الحياة الإلهية تُمنَح لنا بواسطة أسرار المسيح السبعة في كنيسته، وأن تلك الحياة الإلهية تنمو فينا وتغتذي بهذه الأسرار: وهي المعمودية، الميرون [التثبيت]، الإفخارستيا [القربان المقدس]، التوبة، مسحة المرضى، الزيجة، الكهنوت.
• ونحن نكرم العذراء مريم، أم النور الحقيقي، ونعترف أنها دائمة البتولية، وأنها والدة الإله، وأنه تشفع فينا وأنها بصفتها والدة الإله [ثيؤطوكوس] تفوق في كرامتها كرامة جميع الطغمات الملائكية.
• ونحن لنا إلى حد كبير مفهوم واحد للكنيسة، وأنها مؤسّسة على الرسل، وللدور الهام الذي للمجامع المسكونية والمحلية. ولنا معًا روحانيتنا التي تعبّر عنها طقوسنا خير تعبير، كما يعبّر عنها القداس الإلهي تعبيرًا عميقًا لأن القداس هو مركز وجوهر عبادتنا الجماعية، وهو قمة اتحادنا وشركتنا مع المسيح في كنيسته.
• ونحن نحفظ الأصوام والأعياد التي يأمرنا بها ديننا. ونكرم ذخائر القديسين، ونستشفع بالملائكة وبالقديسين الأحياء منهم والمنتقلين. هؤلاء يؤلّفون سحابة من الشهود في الكنيسة. وهم ونحن ننتظر – في رجاء – المجيء الثاني لربنا، عند استعلان مجده ليدين الأحياء والموتى.
• ونحن نعترف، بكل إتضاع، أن كنائسنا غير قادرة على أن تشهد للحياة الجديدة في المسيح بصورة أكمل بسبب الانقسامات القائمة بينها، والتي تحمل وراءها تاريخًا مُثقَّلًا بالصعوبات لعدة قرون مضت. والواقع أنه منذ عام 451 لميلاد المسيح قد نشبت خلافات لا يمكن تجاهلها. وعلى الرغم من تلك الخلافات فنحن نعيد اكتشاف أنفسنا فنجد أن بين كنيستينا تراثًا مشتركًا. ونحن نسعى بعزم وثقة في الرب أن نحقق كمال تلك الوحدة وتمامها، هذه الوحدة التي هي عطية من الرب.
• ولكيما نتمكن من إنجاز هذا العمل، نشكل لجنة مشتركة من ممثلين للكنيستين، مهمتها التوجيه لدراسات مشتركة في ميادين: التقليد الكنسي، وعلم آباء الكنيسة، والطقوس، وخدمة القداس [الليتورجيا]، واللاهوت، والتاريخ، والمشاكل العلمية، وهكذا بالتعاون المشترك يمكن أن نتوصل إلى حلول للخلافات القائمة بين الكنيستين، بروح التقدير المُتبادَل،
• ونستطيع أن ننادي بالإنجيل معًا بوسائل تتفق مع رسالة الرب الأصيلة، وتتناسب مع احتياجات العالم المعاصر، وآماله. ونعبّر في نفس الوقت عن تقديرنا وتشجيعنا لأيّ جماعات من الدارسين ومن الرعاة، من بين الكاثوليك والأرثوذكس ممن يكرّسون جهودهم في نشاط مشترك في الميادين المذكورة وما يتصل بها. وإننا في إخلاص وإلحاح، نذكر أن المحبة الحقيقية والمتأصّلة في أمانة كاملة للرب الواحد يسوع المسيح، واحترام متبادل من كل طرف لتقاليد الطرف الآخر، هي عنصر جوهري في السعي نحو الشركة الكاملة.
• إننا باسم هذه المحبة، نرفض كل صور الخطف من كنيسة إلى أخرى، وننبذ أن يسعى أشخاص من إحدى الكنيستين إلى إزعاج طائفة من الكنيسة الأخرى، وذلك بضم أعضاء إليهم من هذه الكنيسة بناء على اتجاهات فكرية أو بوسائل تتعارض مع مُقتضيات المحبة المسيحية أو مع ما يجب أن تتميز به العلاقات بين الكنيستين. ينبغي أن يوقف هذا الخطف بكل صورة أينما يوجد. وأن على الكاثوليك والأرثوذكس أن يعملوا على تعميق المحبة وتنمية التشاور المتبادل وتبادل الرأي والتعاون في المجالات الاجتماعية والفكرية، ويجب أن يتواضعوا أمام الرب ويتضرعوا إليه، أن يتفضل وهو الذي بدأ من هذا العمل فينا أن يؤتيه ثماره.
• وإذ نفرح بالرب الذي منحنا بركات هذا اللقاء تتجه أفكارنا إلى آلاف المتألمين والمُشرَّدين من شعب فلسطين. ونأسف على سوء استخدام الحجج الدينية لتحقيق أغراض سياسية في هذه المنطقة. وبرغبة حارة نتطلع إلى حلٍّ لأزمة الشرق الأوسط حتى يسود سلام حقيقي قائم على العدل، خصوصًا في تلك الأرض التي تقدست بكرازة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وموته وقيامته، وبحياة القديسة العذراء مريم هذه التي نكرمها جميعًا بصفتها والدة الإله [ثيؤطوكوس].
أَلَا ليت الله مانح جميع المواهب والعطايا يسمع صلواتنا ويبارك جهودنا..
(التوقيعات)
– البابا بولس السادس أسقف روما وبابا الكنيسة الكاثوليكية
– البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرسي المرقسيالفاتيكان، في ١٠ مايو سنة ١٩٧٣.
(نص البيان المشترك الذي وقع عليه قداسة البابا بولس السادس وقداسة البابا شنوده الثالث)
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟