إذا رأيت للأقزام ظلًا طويلًا، فاعلم أن الشمس في طريقها للغروب(مثل إسباني)
هذا بالضبط هو واقعنا الحالي. رأينا للأقزام ذيلًا طويلًا في واقعة إلغاء مسرح الأنبا رويس لحفل الفنان هاني شنودة. ترك الأمر على هذه الحال سيترك آثارًا وخيمة على مجمل الشأن القبطي.
ما حدث كان كاشفًا، واستدعى بالضرورة حديثًا أثرناه كثيرًا سابقًا. ولعلنا هنا نضطر إلى التخلي عن التجميل الذي كنا نستعمله سابقًا وأن نسمّي الأشياء بأسمائها الحقيقية.
الواقع الحالي هو نتاج مباشر لما أسميه “ترييف الكنيسة” في العقود القليلة الماضية. لا أريد إثقال القارئ بالخوض في التاريخ، ولكننا بصدد واقع يحكمه عاملان:
الأول: قادة دينيون للكنيسة من الرهبان حصرًا. وتركيبة ديرية حالية تقصر الرهبان على أهل أعماق القرى والعشوائيات الأسوأ من الريف في كردونات المدن (باستثناءات نادرة). هؤلاء القادة الدينيون لا يحكمون الشأن الكنسي والديني فحسب، بل تبسط حظوتهم وسلطتهم على الشأن القبطي برمته.
الثاني: كان دائمًا هكذا، منذ أن استقرت التجمعات الرهبانية. ومنذ القرن السادس، تميزت الرهبانية بالجلافة والانغلاق. ربما لا يتسع المقام هنا لذكر بعض تدخلاتهم المؤسفة في الشأن الكنسي، وتأثيراتهم السلبية على مجمل التاريخ المسيحي. وباختصار، إذا أضفت إلى السمات الريفية سمات التصحر، حصلت على قنابل موقوتة لا حل لها إلا نزع فتيلها. لا علاقة للأمر هنا بمستوى التعليم، بل بالثقافة ومصادر تلقي الخبرات الحياتية.
كنا نمتلك صِمَام أمان في مواجهة الجلافة، وهو الجناح العلماني لقيادة الكنيسة، مجلس الأراخنة، أو ما اصطُلح على تسميته “المجلس الملي” بعد أن أصبح كيانًا رسميًا. ضم المجلس دائمًا نخبة الشعب القبطي، أفرادًا من خيرة رجالات المجتمع، يتمتعون بانفساح نفسي وعقلي، وقدرة على المواجهة واتخاذ القرار الصائب. كان المجلس فعليًا هو من يدير الشأن العام القبطي، بما فيه المال القبطي المُتبرع به.
يجب أن أشدد هنا على أن هؤلاء الرجال أنفسهم هم نتاج الكنيسة نفسها في إحدى حقبها المنيرة. فمن أنشأ وأدار المدارس التي صنعت هؤلاء الرجال هي الكنيسة نفسها. وواجه العظيم البابا كيرلس الرابع نفس ما نواجهه الآن من الأقزام. لا شك أن الشماعة قد تناهى إلى مسامعها جمل مثل: “بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه تخته وخوجة”، و”الكتاب يحذرنا من العلم”، وغيرها مما يجيده الأقزام.
ظللنا على هذا الحال حتى أتى إلى كرسينا من جعل المجلس الملي “وردة” في عروة “فراجيته”، فأطاح بصمام الأمان، وتركنا نهبًا لرجاله الذين كانوا على شاكلته، عنوانًا للجلافة. تأثيره الأخطر كان طبع نمط التدين بطابعه الشخصي، إغراقًا في الفريسية دون فهم للمقاصد، مع جهل مُركب مقيم كالداء العضال. ولا أدل على ذلك من أن أحد بنود حرمان اللاهوتي العظيم د. جورج حبيب بباوي كان فضيحة عالمية، وأنقله هنا نصًا:
التحريض على حضور أفلام عالمية فيها نوع من الشذوذ، والتشجيع على قراءة كتب غير روحية(من قرار مجمع أساقفة الأنبا شنودة بحرمان دكتور جورج حبيب بباوي)
فهل ننتظر إذًا شيئًا غير ما حدث؟ أنا هنا أفترض فقط حسن النية، ولم أتطرق إلى أصحاب الغرض من ذوي الدَّلَس.
الكنيسة، حين تكون ناضجة وعاقلة، تكون قاطرة الوطن نحو التمدن والحداثة. وحين تكون متريفة ومتصحرة، تتحول معه إلى كهف غارق في الظلام، بكل الانعكاسات المترتبة على ذلك.
همسة في أذن أبينا القديس رئيس الأساقفة وبطريركنا المُفدى، نحن نثق كل الثقة بحكمتكم ورؤيتكم. معركتكم لتخليص الكنيسة من “الجلافة” هي معركة الشعب القبطي كله، ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح، و”الأقزام” دون ذيول “مهضومين أكتر”. دمتم في حماية الرب وروحه، سيدي الجليل.