المقال رقم 2 من 12 في سلسلة أرثوذكسية تأله اﻹنسان
سوف أستعرض في هذا الجزء بعض أقوال اﻵباء الدالة على عقيدة ، وهذه الأقوال هي بعض من كل، لأن الآباء اليونانيين تحدثوا في كتاباتهم الغزيرة كثيرًا جدًا بشكل مفصل عن .
القديس إيرينيؤس أسقف ليون

يتحدث ق. إيرينيؤس أبو التقليد الكنسي وتلميذ القديس أسقف أزمير، الذي كان بدوره تلميذًا للقديس يوحنا الرسول، عن أن تأله الإنسان يحدث فقط من خلال اتحاد الله بالإنسان، وهذا يعيدنا إلى موضوع التجسد غير المشروط، لأنها جميعًا أمور مرتبطة ببعضها البعض، فتكميل خلق الإنسان ليصير إلهًا بالنعمة، لا يمكن حدوثه دون اتحاد الله بالإنسان عن طريق التجسد الإلهي، ليجعل الله الإنسان شريكًا في عدم الفساد وعدم الموت (التأله)، وهذا لا يمكن حدوثه بدون الوسيط بين الله والناس، أي الإنسان يسوع المسيح. حيث يقول التالي:

”ولو لم يكن الإنسان قد اتحد بالله، لما صار شريكًا في عدم الفساد إطلاقًا، لأنه كان إلزامًا على الوسيط بين الله والناس، من خلال علاقته بكل منهما أن يُحضر كليهما إلى الصداقة، والوئام، ويُقدِّم الإنسان إلى الله، بينما يصير الله مُعلنًا للإنسان“. [1]

(إيرينيؤس (قديس)، ضد الهرطقات ج٢، ترجمة: د. )

ويؤكد ق. إيرينيؤس على نفس الحقيقة السابقة وهي أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان، وبدون التجسد لا يمكن أن يصير الإنسان في حياة عدم الفساد والخلود، حيث يقول التالي:

”لأنه لهذا الهدف، قد صار الكلمة إنسانًا، الذي هو ابن الله صار ابن الإنسان، ذلك الإنسان الذي إذ قد أُخذ في داخل الكلمة، وإذ نال ، يصير ابن الله، لأنه لم يكن ممكنًا أن نبلغ إلى عدم الفساد والخلود بأية وسيلة أخرى، لو لم نتحد بعدم الفساد. ولكن كيف كان ممكنًا أن نتحد بعدم الفساد وعدم الموت. لو لم يصر عدم الفساد وعدم الموت أولاً، هما ذلك الذي هو نحن أيضًا، حتى أن الفاسد يُبتلع في عدم الفساد، والمائت يُبتلع في عدم الموت لكي ننال تبني البنين“. [2]

(إيرينيؤس أسقف ليون (قديس)، ضد الهرطقات ج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد)

وهذا ما يؤكده ق. إيرينيؤس أيضًا أنه لا يوجد طريق آخر لنصير في شركة مع الله ونتأله سوى تجسد الابن الوحيد، حيث يقول التالي:

”فبأية طريقة كان يمكننا أن نصير شركاء تبني البنين، لو لم نكن قد نلنا منه تلك الشركة معه هو نفسه من خلال الابن، لو لم يكن الكلمة الذي صار جسدًا قد دخل في شركة معنا؟“. [3]

(إيرينيؤس أسقف ليون (قديس)، ضد الهرطقات ج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد)

كما يشير ق. إيرينيؤس إلى أن نفخة الله في الإنسان في بداية الخلق هي نفخة الروح القدس التي هي وسيلة شركة الكنيسة، وعربون عدم الفساد، ووسيلة تثبيت الإيمان، وسلم الصعود إلى السماء، وهذا على العكس مما يدَّعيه البعض بأن النفخة الإلهية في الخلق هي نفخة الروح الإنسانية وليست نفخة الروح القدس، حيث يقول التالي:

”فإن هبة الله هذه قد استؤمنت عليها الكنيسة، مثلما كانت النفخة بالنسبة إلى الإنسان المخلوق أولاً، ولهذا الغرض، فإن كل الأعضاء الذين ينالونها، يمكن أن يتم إحياءهم. ووسيلة الشركة مع المسيح قد انتشرت في كل الكنيسة أي الروح القدس، عربون عدم الفساد، ووسيلة تثبيت إيماننا، وسلم الصعود إلى الله“. [4]

(إيرينيؤس أسقف ليون (قديس)، ضد الهرطقات ج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد)

ويؤكد ق. إيرينيؤس نفس الكلام في موضع آخر قائلاً:

”لأن الإنسان الكامل يتكون من اختلاط واتحاد النفس نائلة روح الآب [أي الروح القدس] وامتزاج تلك الطبيعة الجسدية التي شُكِّلت على صورة الله، ولهذا السبب يقول الرسول: 'نتكلم بحكمة بين الكاملين‘ (١كو٢: ٦)، مُسميًا الأشخاص الذين قبلوا روح الله 'كاملين‘ […] ولكن أن ندمج الروح مع النفس وتتحد بصنعة الله، يصير الإنسان روحيًا وكاملاً بسبب انسكاب الروح، وهذا هو الذي خُلق على صورة الله ومثاله، ولكن إن كانت النفس خالية من الروح، فمَّن يكون هكذا، هو طبيعة حيوانية، وإن تُرِكَ هكذا ليكون جسديًا، فسيكون كائنًا ناقصًا، مالكًا لصورة الله في تكوينه، وغير مائل للمشابهة بواسطة الروح، وهكذا يكون هذا الكائن ناقصًا“. [5]

(إيرينيؤس أسقف ليون (قديس)، ضد الهرطقات ج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد)

بالتالي نستنتج تأكيد ق. إيرينيؤس أبو التقليد الكنسي وتلميذ ق. بوليكاربوس تلميذ ق. يوحنا الرسول على أن التأله وحياة عدم الفساد والخلود وعدم الموت كان هو الغاية من خلق الإنسان. وتأكيده على أن النفخة الإلهية في الإنسان بداية الخلق هي نفخة الروح القدس في الإنسان المتكون من اتحاد وامتزاج النفس والجسد. كما أكد ق. إيرينيؤس أيضًا على أنه لا يوجد وسيلة أخرى لنوال الاتحاد بالله والشركة معه، ومن ثم نوال حياة عدم الفساد وعدم الموت والتأله إلا عن طريق الابن الوحيد، مؤكدًا على التجسد غير المشروط للابن ليعطي الإنسان الذي خُلِقَ ناقصًا منذ البَدْء وغير كامل كماله، وخلوده، وتألهه.

العلامة إكليمندس السكندري

ونجد عقيدة التأله عند العلامة السكندري ، حيث يقول التالي:

”هو الذي حوَّل الغروب إلى شروقٍ، وصلب الموت في الحياة، وبعد أن انتزع الإنسان خارجًا من فك الهلاك، رفعه إلى السماء، غارسًا الفساد في تربة عدم الفساد، ومُحوِّلاً الأرض سماءً. هو الزارع الإلهي، 'الذي يُعطِي الطوالع الميمونة، ويحث الرجال على العمل‘، وهذا شيء صالح، 'مذكرًا إيانا بالحياة الحقيقية‘، واهبًا إيانا عظمة الآب الحقيقية، النصيب الإلهي والثابت، مؤلهًا الإنسان بالتعليم السماوي، 'جاعلاً شريعته في داخلهم، ويكتبها على قلوبهم(إر31: 33)“. [6]

(إكليمندس السكندري (علامة)، حض اليونانيين، ترجمة: القس )

العلامة أوريجينوس السكندري

ويشرح العلامة السكندري تلميذ العلامة إكليمندس عقيدة التأله بالنعمة كالتالي:

”يقول الكتاب: 'مَن مثلك بين الآلهة يا رب؟ مَن مثلك؟ مُمجَّدًا بين القديسين، عجيبًا في عظمتك، صانعًا معجزات؟‘ إن في قوله: 'مَن مثلك بين الآلهة؟‘ لا يقارن الله بأصنام الأمم، ولا بالشياطين التي تنتحل اسم الآلهة، ولكنه يقول آلهةً على هؤلاء الذين من خلال النعمة ومشاركة الله يُدعَون آلهةً، الذين قال الكتاب عنهم في موضع آخر: 'أنا قلت أنكم آلهة‘ (مز18: 6س). وأيضًا: 'وقف الله في مجمع الآلهة‘ (مز81: 1س). ولكن بالرغم من كونهم وارثين لله، وقد وُهِبوا هذا الاسم بالنعمة، لكن لا يوجد أحد قد وُجِدَ مشابهًا لله، لا في القدرة ولا في الطبيعة، وعلى الرغم من أن يوحنا الرسول يقول: 'أيها الأولاد، حتى الآت نحن لا نعرف ماذا سنكون. ولكن حين يُستعلن لنا -بالتأكيد يتكلم عن الرب- سنكون مثله‘ (1يو3: 2)، إلا أن هذا التماثل لا يشير إلى ما هو حسب الطبيعة، ولكن إلى ما هو حسب النعمة“. [7]

(أوريجينوس (علامة)، عظات على سفر الخروج، ترجمة: أ. مريم رشاد ود. جرجس بشرى)

القديس ميثوديوس الأوليمبي

ويؤكد ق. الأوليمبي على عقيدة التأله بالنعمة متحدثًا عن الذين جعلهم الله آلهةً في التطويبات، هؤلاء الهدوئيون الأطهار من الشهوات، الذين سيعاينون الله، ويصفهم كالتالي:

”إيبوليوس: هل يمكننا القول بأن الذين يعيشون بهدوء، وغير منزعجين بالشهوات هم أطهار؟ اغريغوريوس: بالتأكيد. لأن الله جعلهم آلهةً في التطويبات، فهم الذين يؤمنون به بلا شك. فيقول عنهم: إنهم يعاينون الله (مت5: 8) بثقة، لأنهم لا يُدخِلون شيئًا مظلمًا، ولا يُربِكون عيون الروح، من أجل رؤية الله؛ لكن كل رغبة في الأشياء المادية، قد أُبعِدت. فهم كما قلت: لا يحفظون الجسد طاهرًا من المعاشرة الزوجية فقط، لكن حتى القلب الذي هو هيكل للروح القدس، يسكن ويستريح فيه، غير مفتوح للأفكار غير النقية“. [8]

(ميثوديوس الأوليمبي (قديس)، (الكتابات النسكية في القرون الثلاثة الأولى)، تَرْجَمَة: الراهب القمص )

القديس أثناسيوس الرسولي

وهكذا يقول ق. عبارته التبادلية الشهيرة التي توضح عقيدة التأله بالنعمة كالتالي:

”ﻷن كلمة الله صار انسانًا لكي يؤلهنا نحن“. [9]

(أثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، تَرْجَمَة: د. )

ويتحدث ق. أثناسيوس أيضًا عن عقيدة التأله بالنعمة، وتأله ناسوته الذي صار طريقًا نحو تأليه أجسادنا أيضًا قائلاً:

”فإن اللوغوس لم يحط قدره باتخاذه جسدًا حتى يسعى للحصول على نعمة أيضًا، بل بالحري فإن الجسد الذي لبسه قد تأله، بل وأكثر من ذلك فقد أنعم بهذه النعمة على جنس البشر بدرجة أكثر“. [10]

(أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ، تَرْجَمَة: د. وآخرين)

ثم يتحدث ق. أثناسيوس عن أننا بشركتنا في الروح القدس نصير ، بالتالي يثبت عقيدة ألوهية الروح القدس مستخدمًا عقيدة التأله بالنعمة، حيث يرى أنه إذا كان الروح القدس مخلوقًا، فكيف يؤلهنا نحن البشر بالنعمة كالتالي:

”ولكن إن كنا بالاشتراك في الروح نصير شركاء الطبيعة الإلهية، فإنه يكون من الجنون أن نقول إن الروح من طبيعة المخلوقات، وليس من طبيعة الله، وعلى هذا الأساس فإن الذين هم فيه يتألهون، وإن كان [الروح القدس] يُؤلِّه البشر فلا ينبغي أن يشك في أن طبيعته هي طبيعة إلهية“. [11]

(أثناسيوس (قديس)، الرسائل عن الروح القدس إلى سرابيون الأسقف، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد ود. )

ويؤكد ق. أثناسيوس هنا أن مَن يُشكِّك في تأليه الروح القدس للبشر بالنعمة هو كمَّن يُشكِّك في ألوهية الروح القدس ويدعوه جنونًا.

القديس اغريغوريوس اللاهوتي

وهكذا يتحدث ق. اغريغوريوس اللاهوتي النزينزي في نفس السياق قائلًا:

”فكيف يُؤلِّهني الروح بالمعمودية إن لم تجب عبادته؟ واذا وجبت عبادته، فكيف لا يكون جديرًا بمراسم تلك العبادة؟“. [12]

(قديس)، الخطب 27- 31 اللاهوتية، تَرْجَمَة: الأب )

ويربط هنا ق. اغريغوريوس أيضًا مثله مثل ق. أثناسيوس بين التأله بالنعمة الذي نأخذه بالمعمودية والاعتراف بألوهية الروح القدس. ويتحدث ق. اغريغوريوس اللاهوتي أيضًا عن تألهنا بحلول الروح القدس فينا ليجعلنا هياكله كالتالي:

”الذي يجعلنا هياكله، الذي يُؤلِّهنا، الذي يقودنا الى الكمال، بحيث أنه يسبق المعمودية، ويطلب بعد المعمودية جميع أعمال الله، وهو ينقسم ألسنة نار، ويُوزِّع المواهب الروحية“. [13]

(اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27- 31 اللاهوتية، تَرْجَمَة: الأب حنا الفاخوري)

القديس باسيليوس الكبير

يشير ق. الكبير إلى أن عطية التأله بالنعمة هي أسمى العطايا والنعم التي أعطاها لنا الروح القدس كالتالي:

”وتنال هذه النفوس من الروح معرفة المستقبل، وفهم الاسرار، وإدراك الخفايا، وتوزيع العطايا الصالحة، والمواطنة السماوية، ومكانًا في خورس تسبيح الملائكة، وفرحًا بلا نهاية، وبقاء دائم في الله، والتشبه به، وأسمى من كل هذا أن نصير آلهةً“. [14]

(باسيليوس الكبير (قديس)، الروح القدس، تَرْجَمَة: د. )

القديس كيرلس السكندري

يتحدث ق. كيرلس السكندري بكل صراحة عن أن اسم إله هو مُعطَى لنا من الله كعطية وإضافة لنا ولكنه فيه بالطبيعة:

”كيرلس: ماذا يعني الاسم إله؟ إرميا: يعنى مَن له هذه الطبيعة. كيرلس: غير أن خصائص هذه الطبيعة هي الأزلية، وعدم الفساد، بينما الاسم إله هو خاص بالملائكة أيضًا وبنا نحن على اﻷخص حتى لو كان مضاف إلينا ومُعطَى لنا“. [15]

(كيرلس السكندري (قديس)، ، تَرْجَمَة: د. جوزيف موريس)

ويتحدث ق.كيرلس أيضًا مثله مثل القديسين أثناسيوس واغريغوريوس النزينزي، ويربط بين عقيدة التأله بالنعمة والاعتراف بألوهية الروح القدس، مؤكدًا على أن مَن يرفض عقيدة التأله بالنعمة، فإنه بالضرورة يعترف بعدم ألوهية الروح القدس كالتالي:

”ﻷننا هياكل للروح الحقيقي الكائن، ولهذا فنحن نُدعى أيضًا آلهة، لأنه من خلال اتحادنا به نصبح شركاء الطبيعة الإلهية غير الموصوفة. أما لو كان الروح الذي يؤلهنا هو غريب ومختلف بحسب جوهره عن الطبيعة الالهية، فحينئذ سنفقد رجاءنا“. [16]

( (قديس)، حوار حول الثالوث، تَرْجَمَة: د. جوزيف موريس)

ثم يُفرِّق ق. كيرلس الإسكندري بين صورة الله ومثاله في الإنسان، حيث يرى أن لصورة الله معاني كثيرة، بينما المثال هو حياة عدم الفساد وعدم الاضمحلال، كما يؤكد على أن الإنسان لم يكن خالدًا بالطبيعة منذ خلقته، بل كان سينال الخلود بعد ذلك كعطية من الله على طاعته للوصية وثباته في الله. حيث يقول التالي:

”ورغم أن حديثي أقل من المستوى اللازم، إلا أنني يجب أن أواصل موضحًا الحالة الأولى لطبيعتنا. فإني أعرف أننا إذ نقصد بإخلاص أن ندرك معنى الكلمات التي أمامنا، فإننا سنتجنب الأخطار الناتجة عن الكسل. إذًا، فهذا المخلوق العاقل أي الإنسان، قد خُلِقَ من البداية على صورة ذاك الذي خلقه حسب المكتوب (أنظر كو٣: ١٠). وصورة لها معاني متعددة. فيمكن أن تكون الصورة ليس حسب معنى واحد، بل حسب معاني كثيرة، أما عنصر مماثلة الله الذي خلقه، الذي يعلو الكل، فهو عدم الفساد وعدم الاضمحلال. فنحن نعرف أن المخلوق لا يمكن أن يكون كفوًا في ذاته أن يكون هكذا كالله بمجرد قانون طبيعته الخاصة، لأنه كيف يمكن لذاك الذي هو من الأرض حسب طبيعته الخاصة، أن يملك مجد عدم الفساد، إن لم يحصل على ذلك من الله الذي هو بالطبيعة عديم الفساد، وعديم الفناء، وهو دائم هكذا كما هو إلى الأبد، والله هو الذي يغني الإنسان بهذه الهبة كما يهبه كل العطايا الأخرى؟“. [17]

(كيرلس الإسكندري (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج٢، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين) 

ثم يؤكد ق. كيرلس الإسكندري على أن التأله هو غاية خلق الإنسان لو لم يسقط في التعدي والعصيان، فالله كان سيجعله شريكًا للطبيعة الإلهية، كما يؤكد أيضًا على أن النفخة التي نفخ الله في الإنسان هي الروح القدس، روح الابن، حيث يقول التالي:

”فكما يقول بولس الملهم بكل عقل وحكمة: وأي شيء لك لم تأخذه (١كو٤: ٧). لذلك، فلكي لا يتلاشى ذلك الذي خُلق من العدم، ويعود إلى العدم مرةً أخرى، بل بالحري يُحفَظ على الدوام – كما كان قصد الذي خلقه- لذلك فإن الله يجعله شريكًا للطبيعة الإلهية، لأنه 'نفخ في أنفه نسمة حياة‘ (تك٢: ٧)، أي روح الابن، لأن الابن نفسه مع الآب هو الحياة، وهو يضبط كل الأشياء معًا في الوجود. لأن كل الكائنات التي تنال الحياة 'به تحيا وتتحرك‘ حسب كلمات (أنظر أع١٧: ٢٨)“. [18]

(كيرلس الإسكندري (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج٢، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين) 

ويؤكد ق. كيرلس الإسكندري على أن النفخة في بداية الخلق هي نفخة الروح القدس، ويقول إنه مَن يفترض أن نفخة الله في بداية الخلق صارت نفسًا مخلوقة هو إنسان لا يملك تفكيرًا سليمًا، ويشرح ذلك كالتالي:

”فإننا يجب أن نكرر مرةً أخرى ونقول -لا يوجد أي إنسان ذو تفكير سليم، يمكن أن يفترض أن النسمة التي صدرت من الجوهر الإلهي صارت نفسًا مخلوقة، بل إنه بعد أن صار للمخلوق نفسًا، أو بالحري بعد أن بلغ إلى كمال طبيعته بوجود النفس والجسد معًا، فإن الخالق طبع عليه خَتْم الروح القدس أي خَتْم طبيعته الخاصة أي نسمة الحياة، التي بواسطتها صار المخلوق مشكلاً بحسب الجمال الأصلي، واكتمل على صورة ذاك الذي خلقه. وهكذا وُهِبَت له الإمكانية لكل شكل من أشكال السمو بفضل الروح الذي أُعطِيَ له ليسكن فيه“. [19]

(كيرلس الإسكندري (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج٢، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين) 

يتضح من هنا تأكيد ق. كيرلس الإسكندري على أن التأله هو غاية خلق الإنسان كما قصد الله، أي إن يصير شريكًا للطبيعة الإلهية، ويؤكد ق. كيرلس الإسكندري على أن نفخة الله في بداية الخلق لم تكن نسمة الحياة المخلوقة في الإنسان، بل خَتْم الروح القدس أي خَتْم طبيعته الخاصة في الإنسان، وليس كما ينكر النساطرة الجدد ويدَّعون أن نسمة الله في بداية الخلق هي مجرد نسمة الحياة أو النفس المخلوقة في الإنسان.


هوامش

[1] إيرينيؤس أسقف ليون (قديس)، ضد الهرطقات ج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: ، ٢٠١9)، ٣: ١٨: ٧، ص ٩٤.
[2] المرجع السابق، ٣: ١٩: ١، ص ٩٥، ٩٦.
[3] المرجع السابق، ٣: ١٨: ٦، ص ٩٤.
[4] المرجع السابق، ٣: ٢٤: ١، ص ١١٨.
[5] المرجع السابق، ٥: ٦: ١، ص ٢٨٤.
[6] اكليمندس الإسكندري (علامة)، حض اليونانيين، تَرْجَمَة: القس لوقا يوسف، (القاهرة: ، 2020)، الفصل الحادي عشر، ص 141.
[7] أوريجينوس (علامة)، عظات على سفر الخروج، تَرْجَمَة: أ. مريم رشاد ود. جرجس بشرى، (القاهرة: ، 2021)، 6: 5: 44-47، ص 146، 147.
[8] ميثوديوس الأوليمبي (قديس)، وليمة العشر عذارى (الكتابات النسكية في القرون الثلاثة الأولى)، تَرْجَمَة: الراهب القمص تيموثاوس المحرقي، (القاهرة، 2009)، 11: 3، ص 230.
[9] أثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، ترجمة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003)، 54: 3، ص 159.
[10] أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الين، ترجمة: د. صموئيل كامل وآخرين، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، 1: 11: 42، ص 111.
[11] أثناسيوس (قديس)، الرسائل عن الروح القدس إلى سرابيون الأسقف، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد ود. موريس تاوضروس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، 1: 24، ص 87.
[12] اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27- 31 اللاهوتية، تَرْجَمَة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات ، 1993)، 31: 28، ص 164.
[13] المرجع السابق، 31 :29، ص 166.
[14] باسيليوس الكبير (قديس)، الروح القدس، تَرْجَمَة: د. جورج حبيب بباوي، (القاهرة: جذور للنشر، 2014)، 9: 23، ص 94.
[15] كيرلس الإسكندري (قديس)، حوار حول الثالوث، تَرْجَمَة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، الحوار السابع، ص 346.
[16]  المرجع السابق، ص 355.
[17] كيرلس الإسكندري (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي الدراسات الآبائية، ٢٠١٥)، ص ٢١٤.
[18] المرجع السابق.
[19] المرجع السابق، ص ٢١٥.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: أرثوذكسية تأله اﻹنسان[الجزء السابق] 🠼 التأله في الكتاب المقدس[الجزء التالي] 🠼 التأله عند الآباء السريان
أنطون جرجس
بكالوريوس اللاهوت اﻷرثوذكسي في   [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: عظات القديس على سفر الجامعة
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للوس أسقف هيبو
ترجمة كتاب: "ضد "، للقديس غريغوريوس النيسي