كالعادة المرعية، لم يخذلنا الأسياد هذه المرة أيضًا، فقبيل كل اجتماع لمجمع الأساقفة يجري تسريب المقترحات المقدمة للجان المجمع، ومع كل تسريب، تتلقي وجوه مجمعية معينة أسئلة من رعية مهمومة بالأثر الذي قد تحدثه هذه الاقتراحات على الإيمان المسلم مرة، وعلي خلاص الكنيسة القبطية وسلامة إيمانها وتوجهاتها.
لا يملك أسيادنا أمام هذا الإخلاص المحمود من الرعية المباركة التي تجشمت عناء السؤال إلا طمأنتهم، إننا على العهد ماضون، وأن هناك أسودا تزد عنهم وعن الكنيسة و عن الإيمان المسلم مرة، و لن تسمح لذرة من العقل والتعقل -والعياذ بالله- في التسلل للمجمع ولجانه.
يستخدمون عبارة تبعث على الطُمَأنينة فعليا: “ما تسلمناه سنسلمه دون تغيير” ولكن ما يبعث على القلق، إنهم بالأمس القريب -هم أنفسهم- قد غيروا ما تسلمناه فعلا من إيمان الكنيسة وليتورجيتها (مثل ما حُذِف من صلوات السجدة الثالثة) حتي تركونا بمفردنا بعيدا عن جميع الكنائس الرسولية، أصبحنا نحن الوحيدون الذين لا نثق في رحمة ومحبة الرب للمنتقلين ولا نأمن جانبه. فضلاً على موضوع “تناول يهوذا”، الذي انقلب إلى نكتة “ماسخة” بعد أن تبارى فنانونا و كنائسنا في حذف “الملعون” يهوذا من أيقوناتنا ليقتصر الحضور على أحد عشر تلميذا، بدلا من إثني عشر تلميذا في أيقونات باقي “مخاليق” ربنا من الطبيعيين.
الأمر إذن ليس كما يزعمون، إن باب التغيير لا يوجد له مفتاح، بل الأمر أن هناك مفتاح ولكنه يستخدم حسب الأهواء.
عن موضوعنا الأخير والمنتظر مناقشته في اجتماع المجمع القادم، موضوع تعديل مدة صوم الرسل، تحدث أحدهم من “مقره الصيفي” في أمريكا، فندد بمن لا يريدون للكنيسة “أن تصوم”. ثم انبرى آخر يقرأ لنا مقالا طويلا، كُتِب له ليلقم كل من جرؤ على التفكير، أحجاراً.
المؤسف أن من كتبه قد استعمل التدليس غير مرة ليفرض وجهة نظره وهي: لا مساس بالوضع الحالي للصوم.
سنكتفي هنا بإيراد مثالين للتدليس، نظنهما كافيين لوصم الحال الأسقفي بما يستحقه:
الأول: أورد المقال للتدليل على أصالة صوم الرسل، نصا دسقوليًا، لكنه أسقط منه طول مدة الصوم المقررة بالنص وقدرها أسبوع، وهي أقرب ما يكون للتعديل المقترح، وهنا الكاتب يستخدم نصا يؤيد التعديل المقترح، للهجوم على التعديل المقترح، وهي جرأة ولا شك، تحسب لهذا الكاتب.
الثاني: اقتباس من كتاب قديم، اسمه “مرآة الحقائق الجلية”، يبدو لي أنه -بسبب اللغة البدائية وغياب المراجع التي يستند إليها- كتابا شعبويًا لا ثقل له، ولكن المقتبس يزيد التجويد من طرفه، فلا يكتفي بأن الفقرة المقتبسة غير منطقية ولا يمكن تصديقها، لكنه يحول قائلها من “يوحنا مَطْرَان نيقية” إلى “يوحنا أحد آباء مجمع نيقية” هكذا بقدرة قادر، فيسبغ على الجملة المتهافتة: العصمة! كيف لا ونحن نأخذ الحل من فم آباء نيقية.
ماهو الحل إذن في هذا السيناريو المبتذل المتكرر مع كل انعقاد لاجتماع مجمع الأساقفة؟
لا يبدو لي أن هناك حلا ناجزا في وجود هذه النوعية من الأساقفة، فالتسريبات لن تتوقف، وادعاء الغضنفرة أمام “المايكات” مرض لا براء منه، ربما لا نملك إلا أن نهيب بأفراد الرعية الملتاعة خوفا على الإيمان أن يهدأوا قليلا، ويسيطروا على هلعهم هذا، وأن يؤجلوا أسئلتهم المريبة هذه لما بعد انعقاد المجمع، ولهم الأجر و الثواب.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟