من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم.(من ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)
“١) للرجل والمرأة، متى أدركا سنَّ البلوغ، حقُّ التزوُّج وتأسيس أسرة، دون أيِّ قيد بسبب العِرق أو الجنسية أو الدِّين. وهما متساويان في الحقوق لدى التزوُّج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله.
٢) لا يُعقَد الزواجُ إلاَّ برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءً كاملً لا إكراهَ فيه.
٣) الأسرةُ هي الخليةُ الطبيعيةُ والأساسيةُ في المجتمع، ولها حقُّ التمتُّع بحماية المجتمع والدولة.”(المادة ١٦ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)
هل أجده عارًا حين أحتكم إلي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عِلاقة تخص فرد مسيحي ومؤسسته المسيحية؟
في الواقع أنني أجده عارًا أيضا أن أحتكم إليه في شأن يخص فرد قبطي. فأسلافه الذين عاشوا علي هذه الأرض من عدة آلاف من السنين تمتعوا بكل هذه الحقوق دونما انتقاص، ولو وجدنا طريقة لإيقاظ احدهم من سباته وترجمنا له الإعلان، لصعق الرجل من احتياجنا إلى تدوينه، وكأنه ليس بديهيًا بذاته.
فماذا حدث إذن؟ هل ارتدت بنا المسيحية إلى الهمجية!! تحرم معتنقيها من حقوق بديهية اجتمع الشرق والغرب علي وجوبها!!
لا أجد في النصوص ما يدعم هذا الزعم إطلاقًا. العكس تمامًا، علي عكس كل معتقدات الأرض، المسيحية ليست معتقدًا نصوصيا، ترسم له النصوص طريقًا لا يَجِبُ ألاّ يحيد عنه، تحدد له ماذا يأكل و ماذا يشرب، أو شكل ملابسه، وحالة لحيته و شاربه.
المسيحية ليست دينا و دولة، كي يصبح الفرد فيها جنديًا في معسكر الإله، خاضعا لأحكام المعسكر و نظامه، وإن لم يحضر وقت التجمع: اسُتتبب، وإن أصر علي التمرد: قُتل.
ليست كذلك المسيحية، ليست كذلك.
لا “حلال” و”حرام” هناك، بل بوصلة شخصية داخلية، تقرر ما يليق وما يوافق! فكلُ ما ورد بنصوصها هو “وصايا” موجهة إلى الفرد، ولا تحمل تفويضًا لأي جهة لمراقبة تنفيذها. ولا “ولي أمر” في المسيحية.
فماذا حدث إذن، لماذا احتجنا إلى هذه المقدمة الطويلة؟ !
لأن ما يحدث في مِلَفّ الأحوال الشخصية للأقباط تخطي كل حدود الإنسانية.
ليس هدف هذا المقال الدفاع عن لائحة ٣٨، القانون الأرثوذكسي الراسخ الذي كانت تطبقه كنيستنا لقرون طويلة، وتطبقه كل الكنائس الأرثوذوكسية في العالم، ولا حتي الهجوم علي الفهم الـ”شنودي” الكارثي لعدد كتابي مجتزأ ومقتطع من سياقه.
الهدف من هذا المقال إعطاء ما لقيصر له، و تجنيب ما لله له عز وجل.
الأسرة هي عماد المجتمع، ولا يمكن وجود مجتمع صحي دون وحدات أسرية مستقرة ومنتجة، وعليه فاستقرار الأسر هو مطلب مجتمعي ليس للدين دخل به، وللمجتمع وحده – ممثلًا في جهازه القانوني وتشريعاته – حق فحص رغبة الأطراف في الارتباط أو انحلاله، و ما يترتب علي كل حدث.
فماذا عن الدين، و المسيحية تحديدًا؟
أضافت المسيحية بعدًا روحيًا جديدًا للزواج، صنعت منه اتحادًا مع الإله نفسه.
غنيٌّ عن البيان إذًا، أن هذا الاتحاد الإلهي يستلزمه أولًا تحقيق متطلبات قيصر [المجتمع] من سلامة واستقرار الأسرة، فإن غاب قيصر لن يجد الإله محلًا له.
الواقع الآن أن المؤسسة الكنسية – في سعيها المقدس لتكوين الاتحاد الإلهي الأسري و هو دورها المناط بها من الرب – تفتئت علي حق المجتمع القبطي -وبالضرورة المصري- في صحة و سلامة تكوينه.
تمارس المؤسسة الكنسية دور المجتمع في فحص طلب أطراف الزواج والموافقة عليه ومن ثم توثيقه، بصفتها الموثق الوحيد والحصري والاحتكاري لعقود الزواج التي تجمع طرفين مسيحيين،
ثم تمارس دور المجتمع في فحص طلب طرفي الزواج في انحلاله، والموافقة أو الرفض.
والحق أننا لا نري سندًا من الكتاب أو التقليد يفوضها لهذا الدور، ولا نري سائغًا يسمح للمجتمع بالتنازل لها عن هذا الدور.
ربما فُرض عليها هذا الدور سابقا، في عصور الذمية و الملية (وإن كنت اشك كثيرًا، فالمجلس الملي كقيادة للمجتمع القبطي كان هو المناط بالبت وليس المؤسسة الكنسية) ولكنه لم يعد مطلوبًا منها الآن، ويجب أن تتخلى عنه لمصلحة المجتمع القبطي وبالضرورة المصري.
ماهو الحل إذن؟ ! الحل هو صياغة “قانون أحوال شخصية مدني” يراعي حقوق الأفراد والمجتمع. يستلهم التجارِب الإنسانية الرائدة في صياغة القوانين، يطبق أحكامه المجتمع المدني بجهازه العدلي، فيستوفي “ما لقيصر”. نحن هنا لا نماري في حق المؤسسة الكنسية في فرض رؤيتها فيما يخص شؤون “ما لله” في الزواج، فلتكن رؤيتها أرثوذكسية أو شنودية، هذا شأنها الذي لن ينازعها فيه احد، علي أن حقوق “قيصر” يجب أن تؤدى كما توصينا الوصية الكتابية، و هنا نحن نربأ بالمؤسسة الكنسية – ليس فقط أن تكسر وصية كتابية – أن تتخلف بالمسيحية حتي يسبقها القوانين التي صاغها البشر القانون.
اقرأ أيضا:
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟