المقال رقم 2 من 6 في سلسلة تحرير اﻹيمان من سلطة الدين
أسبوع الآلام بالنسبة لي ليس طقسا وصلاة… إنما أراه الذكرى السنوية لموت أكثر شخص اختلف البشر حول ماهيته… البحث في هوية المسيح من تعقيده تحول لعلم كامل يحمل اسمه (ال)، فالطفل يسوع، المطعون في نسبه اﻷبوي، والمنسوب لوالدته "مريم"، تم تلقيبه بأكثر من ١٢٨ لقباً واسماً لكل منها معنى مختلفاً… بينما هو كان يفضّل أن يدعو نفسه: "ابن الإنسان".

عندما كنت طفلاً وارثاً للمسيحية، وعضواً ناشطاً في حلقة المؤمنين… لم أقابل المسيح يوماً في أيقونة مرسومة، أو تمثالاً مصلوبا،
بل قابلته بين أوراق كتاب…

كانت أفكار “ابن الإنسان” تذهلني بتحطيمها لكل ما هو تقليدي، وتفتح لي نوافذا جديدة للرؤية…

كان يسخر من ثقافة الموت، ووضع كل تركيزه على ثقافة الحياة… هذا المنادي بالفضيلة كان مختلفا… كان صديقا مدواما لكارهي الصيام، وتاركي الصلاة، وشاربي الخمر، والزناة، والأنكى، أنه دافع عنهم حرفيا أمام مجتمعاتهم وقال أنكم لستم بأفضل منهم… كل الفاشلين والمرذولين أخلاقيا والمنبوذين من مجتمعاتهم، صنع لهم أملاً…

يبدو لي أن “” كان مختلفا عن كل اﻷنبياء والقديسين وكل رجال الله في كونه يؤمن بإنسانيتنا… قبله كنت أتصور الله قويا جبارا عسكريا وقاضيا عادلا وحاسما وعنيفا ولا يوجد بشر لا يخافه إﻻ وعد خوفه “حكمة”… أما بعده فصرت أرى الله في زنابق الحقول وفي الزهور وفي اﻷلوان وفي الجمال وفي براءة اﻷطفال… أزال الخوف من الله وصرت أحبه… لقد حول الله في تصوراتنا من “مصدر مخيف” إلى “مصدر آمان” من كل ما يخيف، وهو ما لم يفعله آخر…

شق مضاجع الكهنة، انتقد المثقفين، وبخ المتشددين، جلد مرتزقة الدين بسياط الكلمات، داس على الشريعة بكلتا قدميه وهتف: الإنسان أولا… والمثير للدهشة أنه فعل كل هذا بسلاسة، دون صدام…

أنشأ أقوى برنامج اجتماعي ضمائري، بأن يهتم الفرد بصلاح نفسه ولا يحكم على الآخرين…
وإن أخطأت، فابتسم، وقم من جديد كالعنقاء تنهض من رمادها وقل للخطيئة “لا تشمتي بي يا عدوتي، فإن سقطت أقوم”…

لم يكن فكر المسيح مقترناً بسياسة، لكنه أنشأ مجتمعاً مدنياً قوياً، ووضع بذور فكرة التكافل الاجتماعي التي استخدمها تلاميذه فيما بعد… أيضاً هو أسطورة حيّة لكل ليبرتاريان حول قدرة الفرد على تغيير أفكار العالم بمفرده… وبالتأكيد هو كعبة لكل مثقف أو فيلسوف أو باحث أو منشغل بالعمل الميداني والجماهيري في قدرة الأفكار على تغيير الشعوب في زمن قياسي، فكل تعاليم وأفكار المسيح وصلتنا عن الثلاثة سنوات وأربع أشهر الأخيرة من حياته… وظلت أفكاره، وأقواله، بعد أكثر من ألفي عام، متماسكة، صلبه، تصمد للنقد، وتحظى باحترام الخصوم قبل المريدين…

في مثل هذا الأسبوع، حوكم المسيح أمام خمسة محاكمات، اثنتان منها محاكمات دينية،، جميعها لم تستطع إثبات تهمة جنائية أو سياسية واحدة،، لكن بالنهاية، صدر الحكم بإعدامه لارتكابه: “جريمة الكلام”

أما أنا،، فسأظل أحلم بكنيسة من الناس، تُبشر بالمسيح كاملا غير مجتزأ.. كنيسة تُعلم اتباعها لا عن “ابن الله” الطائع لأبيه وحسب، بل أيضا عن “ابن الإنسان” الذي رفض في أكثر من موقف إطاعة البشر، أو الخضوع السياسي لرجل الدين، وقام بالتعديل والإسقاط لما يُروج له مجتمعه المتدين كله علي أنه “شريعة الله”!!

سأظل أحلم لأني قابلت مسيحا مكافحا صنع للحالمين أمثالي أملا،
وقرأت رسالته، بعد أكثر من ألفي عام، فأيقنت أن الحلم: “ممكن”..

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: تحرير اﻹيمان من سلطة الدين[الجزء السابق] 🠼 الشك ليس خطيئة، <br>والإيمان ليس فضيلة[الجزء التالي] 🠼 المسيح ثائرًا
باسم الجنوبي
[ + مقالات ]