المقال رقم 2 من 2 في سلسلة أسطورة ١٦ فرقة مسيحية أنكرت الصّلب

النص الأول الذي يُناقَش هو إنجيل برنابا، وهذا النص يقول بوضوح أن يهوذا صُلِب مكان المسيح بعد أن أخذت الملائكة يسوع بعيدًا وسقط شبهه على يهوذا. وحقيقة وجود هذا الكتاب في المصدر الذي ينقل عنه كانت مثيرة للدهشة.

سأُخبرك كيف يسير الادعاء: هذا المصدر (الذي أُذكّرك بأنه ليس مرجعًا أكاديميًا، بل كتبه أحدهم ملفًا pdf على الإنترنت) يقول إن إنجيل برنابا موجود في مخطوطات إيطالية [1] ومخطوط إسباني مُترجم عن الإيطالية (لكنّه لا يقول إن تاريخ النص الإيطالي للقرن السادس عشر والإسباني للقرن الثامن عشر؛ لأن ذلك ليس في مصلحته). وركز في الجملة التالية؛ يقول إن هذه المخطوطات منسوخة عن نسخ قديمة كانت موجودة منذ فجر التاريخ المسيحي. طبعًا، هذه الادعاءات المجانية تُرمى هكذا من دون مصادر أو أي شيء. والخلاصة أن نصًا من القرن السادس عشر يُطرح كمخطوطات من فجر المسيحية. لذلك أقول لك: من الخطورة جدًا أن تأخذ الكلام لمجرد أنه يتوافق مع الأفكار التي تتبنّاها.

لإثبات كلامه، ينقل من كتاب إنجيل برنابا ل [2]. لنرى ما يقوله بولس الفغالي عن هذا النص بما أن فلانًا اعتمده كمصدر. في المقدمة، يقول الفغالي إن الكتاب “رواية” تعود للقرون الوسطى، وكاتبها يتحدث عن اليوبيل المسيحي الذي بدأ الاحتفال به في عهد بونيفاس الثامن، بابا روما، في 22 شباط/فبراير سنة 1300. لذا، من البديهي ألا يُؤرخ النص قبل القرن الرابع عشر. بل أكثر من ذلك، يستخدم فقرات من كتابات أليجيري الذي توفي سنة 1321 (في مقدمة كتاب الفغالي أيضًا)، ما يعني أن كاتبه إيطالي كتب بعد القرن الرابع عشر.

معرفة الكاتب بالنصوص الكتابية جاءت من الترجمة اللاتينية الشعبية Vulgate، التي ترجمها القديس . بالتالي، يمكننا تحديد السياق أكثر: الكاتب كاثوليكي، يعرف اللاتينية، وعلى دراية بالأدب الإيطالي. يختم الفغالي مقدمته قائلًا: إن إنجيل برنابا كذبة كبيرة. يعني من فتح الكتاب ونقل من صفحة 400، إما أنه نسي قراءة المقدمة ومعرفة تاريخ النص الذي ينقل منه، أو أنه قرأها ويعرف هذا الكلام جيدًا، لكنه زعم أن النص قديم يعود إلى “فجر التاريخ المسيحي”! هذا مثال يُظهر لماذا ليس من الصحيح قراءة كتب خارج الدائرة الأكاديمية، سواء من المسيحيين أو غيرهم. خارج الأكاديمية؛ الجهل والكذب والادعاءات سهلة، لأن لا أحد يُراجع. كل ما يحتاجه الادعاء لينتشر هو أشخاص يتفقون معه ويخدم أغراضهم. أنا شخصيًا لا أعتبر الفغالي مرجعًا، لذا سأورد آراء المتخصصين لنرى ماذا يقولون.

لنبدأ مع ورقة بحثية تدرس أطروحة طريفة جدًا، نشرتها چان چوستن سنة 2002 في دورية الدراسات اللاهوتية بجامعة هارڤارد، بعنوان: إنجيل برنابا والدياتيسارون [3]. أطروحة چوستن تتناول إنجيل برنابا الذي استقى بعض نصوصه من الإنجيل الرباعي أو الدياتيسارون الذي وضعه [4] في القرن الثاني، والذي تُرجم إلى عدة لغات، وظلّ مستخدمًا لفترة طويلة في الأوساط المسيحية.

قبل أن يدخل چان چوستن في أطروحته، يُقدّم مقدمة عن النص، ويشير فيها إلى خلاف حول تاريخه، مُرجعًا إلى ورقة بعنوان: إنجيل برنابا في الأبحاث الأخيرة [5]، لكاتبه چان سلومپ، ولنركز أولًا على ورقة چوستن، ثم نطلع على ما ذكره سلومپ. بعد أن ذكر چوستن نقطة الخلاف في تأريخ النصّ، وقدّم نطاقًا واسعًا جدًا من العصور القديمة حتى القرن السادس عشر، وأشار إلى أن التأريخ المبكر لا يستند إلى أدلة مُقنعة [6]، يبدأ بتحديد الفترة التي كُتب فيها النصّ، كما يُحدد بعض تفاصيل هوية الكاتب.

يقول چوستن في أطروحته [7]، إن مؤلف النص اسمه موريسكو (Morisco) عاش حوالي سنة 1600، أي في بداية القرن السابع عشر، ويقول إن هذه الفرضية بدأت تنتشر وتلقى إقبالًا وسط الباحثين. وفي الحواشي، يعرض رأي باحث آخر اسمه جيرارد ألبرت ويجرز الذي عرض في ورقة بحثية نشرت سنة 1995 أن كاتب إنجيل برنابا كان كاثوليكيًا سابقًا اعتنق الإسلام، وبناء عليه كتب إنجيلًا يعكس الرؤية الإسلامية في سياق من الاقتباسات الكتابية المسيحية.

يُكمِل جوستن مُعلقًا على اقتباسات إنجيل برنابا من دانتي، كما قرأنا في مقدمة الفغالي، ويُحدد أن الاقتباسات من ، جزء الجحيم (Inferno) للأديب الإيطالي دانتي أليجيري، وأنها بالتحديد من الإيطالية القديمة، وليس من الترجمة الإسبانية لأعمال دانتي. ويتحدث أيضًا عن الفصلين 82 و83 من اليوبيل المئوي (Centennial Jubilee)، ويقول إن هذه الإشارات، مع إشارات دانتي، تُرجّح أن النص يرجع إلى القرن الرابع عشر الميلادي. وبشكل أدق، وبناءً على الاقتباس من الفصلين المذكورين، يقول إن إنجيل برنابا كُتب ما بين عامي 1300 و1350م. يعني، الكلام عن أصول مُبكّرة للنص، وإنه يرجع إلى “فجر التاريخ المسيحي”، هو محض كلام فارغ.

في ورقته المعنونة: إنجيل برنابا والسامريين، يُرجع چون بومان تاريخ النصّ إلى ما بين سنتي 1300 – 1340 بناءً على معرفة باليوبيل المئوي [8]، ويُقدّم حججًا يراها سلومپ أقرب للخيال منها للواقع، ويقول فيها إن كاتب النصّ ذو خلفيّة سامريّة، واعتنق الإسلام. يعرض چون بومان عدّة أسباب لها علاقة بالسياق الديني والثقافي للكاتب. ثمة مشكلة أيضًا في تأريخ القرن الرابع عشر، إذ أُعلنت سنتا 1590 و 1600 كذلك سنتي يوبيل، ويعني ذلك أنه ليس بالضرورة أن يرجع نصّ إنجيل برنابا إلى القرن الرابع عشر الذي أُعلن فيه أول يوبيل، بل قد يقترب من فترة مورسيكو لو كانت معرفته باليوبيلات جاءت من سنتي 1590 و 1600. وهذا نقد يقدّمه سلومپ لأطروحة چون بومان وچان چوستن.

حسنًا، من الممكن أن يقول أحد أنه ربما هذا رأي تفرد به چان چوستن، وانتقده سلومپ، تعال لنرى رأي چان سلومپ؛ في ورقته بعنوان: إنجيل برنابا في الأبحاث الأخيرة. يقول سلومپ في المُقدِّمة إن إنجيل برنابا هو نصّ منحول على كُل التَّعريفات، ويقول أن النُسخة النقدية اللي أصدرها لونسديل راج، ولورا راج عام 1902 لإنجيل برنابا، أثبتت أنه منحول، لدرجة إن كتابهما كان بمثابة ضربه قاتله لاهتمام الأكاديميين بالبحث في هذا النصّ [9].

وهو نفس ما يقوله ديڤيد سوكس في كتابه: إنجيل برنابا، ويضيف عليه أنَّ مع بداية القرن العشرين كان الموضوع محسوم في الأوساط الأكاديمية بأنه: إنجيل برنابا مُزيَّف، بلا أي قيمة. كتاب سوكس يتتبع تاريخ الاهتمام بهذا النصّ وسبب انتشاره في ال والهند بالرَّغم من كونه بلا قيمه تاريخيَّة في الأكاديميا الغربيَّة أو بالنِّسبة للمؤرخين [10].

الموضوع ببساطة هو أن الكتاب يقدم تصورًا يتفق مع القناعات الدينية عند الناس في هذه المناطق، فتم نشره باعتباره نصًا رسميًا وأصيلًا وقديمًا، بغض النظر عن خطأ هذا الادعاء وآراء المتخصصين. يُلاحظ أن النص فيه إشارات متعددة لأفكار أبيونية وة، وكوكتيل من الأفكار الكاثوليكية والأدب الإيطالي كدانتي أليجيري مثلًا. فالنص بمجمله، نص مزور، من القرون الوسطى، ويوم نحاول أن نرجعه لتاريخ مبكر، سيكون القرن الرابع عشر، وانتشر كجزء من حجج الطائفة الأحمدية القاديانية في باكستان، التي تتبع ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ادعى أنه المسيح.

في مقدمة كتاب إنجيل برنابا للونسديل راج ولارا راج، يناقشان في الفصل الثالث علاقة هذا النصّ بقائمة نصوص أبوكريفية منسوبة للبابا جيلاسيوس (492 – 496) مثل وثيقة Decretum Gelasianum [مرسوم جلاسيوس]. ومن ضمن النصوص المذكورة إنجيل برنابا الغنوصي، ويطرحان إمكانية أن يكون كاتب إنجيل برنابا الإيطالي قد وصل إليه شيء من إنجيل منحول، واقتبس منه بعض الأفكار. وإن كانا يقولان في النهاية إنهما سيتركان الموضوع لمن هم أكفأ منهما في هذا المجال [11].

يعلّق چون بومان ويشرح فكرتهما بشكل أكبر، يقول إنّهما ينفيان تمامًا علاقة إنجيل برنابا (القرن السادس عشر) بالإنجيل الموجود ضمن قائمة جيلاسيوس، لكنّهما يقولان إنّه من الممكن أن يكون هناك تأثير من إنجيل غنوصي منحول كان موجودًا وقت البابا جلاسيوس (القرن الخامس). وهنا نعود مجدداً إلى ادّعاء الشخص الذي كان يستدلّ بإنجيل برنابا، وهو أنّ جيلاسيوس أعلن رفضه لمجموعة نصوص من ضمنها إنجيل يُسمّى إنجيل برنابا، إذن إنجيل برنابا الإيطالي كان معروفًا في القرن الخامس، ويستنتج من ذلك أنّه معروف منذ فجر المسيحية.

هل يصح أن نفترض تلقائيًا أنّ إنجيل برنابا الغنوصي المفقود هو بالضَّروره إنجيل برنابا الذي ظهر في القرن الـ 16؟ (ولو جاملناه سنرجَّعه للقرن الـ 14 وقت دانتي ووقت الإعلان عن اليوبيل؟) بالتأكيد لأ، النصّ في صورته النهائيَّه هو نصّ من القرون الوُسطى ومُنتج إيطالي. ولو أردنا إفتراض أنه مبني جُزئيًا على نصّ أقدم من القرن السادس مثلاً (لأن لونسديل ولارا يقولان أن هذه الوثيقه كُتبت بعد البابا جيلاسيوس بحوالي قرن [12] ) إذن سنحتاج أدلة تدعم هذه الفرضية.

كون إن النصِّين لهما نفس الإسم أو أن كلاهما منسوب لبرنابا، لا يعني إنهما نفس النصّ. النصّ الغنوصي من القرن الخامس الذي تتكلم عنه وثيقة جيلاسيوس مفقود، فكيف يمكن أن تدَّعي أن النصّ الإيطالي من القرن السادس عشر، هو هو بعينه نفس النصّ من القرن الخامس؟ بناءاً على ماذا؟ ضرب الودع؟! ولو فرضنا أنّه مبني على نصّ غنوصي من القرن الخامس، فما قيمته التاريخية؟ نصّ بعيد عن الحدث بخمس قرون، فعلام تريد الاستدلال به وهو مفقود ولا تستطيع إعادة بناؤه (سنرى أن ذلك ممكن في إنجيل عندما نتعرض لمناقشته) ولا تعرف محتواه، ولا تعرف أيّ فقرات إستخدمها النصّ الإيطالي منه، ولا حتى تعرف ترجَّع المعلومات والأخبار التي به لوقت الحدث أو حتى للقرن الأوّل!

وخُلاصة القول، من يُجري احتجاجًا كهذا فهو غير منصف تجاه البحث التاريخي. لا يجوز دعم اعتقادك بنص من القرن الرابع عشر أو السادس عشر، ومحاولة ربطه بنص مفقود (ولا تعرف محتواه باقتباسات أو تلميحات!) من القرن الخامس، لتقفز قفزة طولها 450 سنة وتقول إن شخصًا بعد قرون عرف معلومة أخطأ فيها من كتبوها على مدار القرن الأول كله. هذا هراء. لا يمكن إثبات أن معلومات كاتب القرن الرابع عشر أو السادس عشر تعود للقرن الأول، ولا يمكن ربط النص المعلوم بالنص الغنوصي المفقود في القرن الخامس. ومع ذلك تتجرأ وتعتبر هذا دليلًا؟ بل هو الدليل الأول أيضًا! فماذا ستفعل في الباقي؟

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. يقصد المخطوط المعنون Codex 2662 في المكتبة الوطنية النمساوية في فيينا Oesterreichische Nationalbibliothek [🡁]
  2. بولس الفغالي، إنجيل برنابا: ترجمة، دراسة، تحليل، ، 2012. [🡁]
  3. Jan Joosten, The “Gospel of Barnabas” and the , Harvard Theological Review, 2002 [🡁]
  4. تاتيان السوري / السرياني / الآشوري: أحد المدافعين المسيحيين في القرن الثاني الميلادي. ولد عام 130 م. في أرض أشور بسوريا، شرق نهر التيجر، حيث كانت تلك المنطقة مرتبطة في عهد ببلاد ما بين النهرين (الميصة) وأيضًا بأرمينيا كولاية رومانية واحدة. وُلد تاتيانوس من عائلة وثنية ثرية وصار مسيحيًا في روما ما بين سنة 150، وسنة 165 م.، لكنه كان له فكره المستقل وآرائه الخاصة. عُرف بالتطرف في آرائه، فقد علَّم بالرفض التام لكل فلسفة يونانية، وأظهر امتعاضه حتى من الحضارة اليونانية من فن وعلم ولغة، لكنه لم يقدر أن يتخلص من الفكر اليوناني تمامًا. أقام جماعة نسكية تسمى الإنكراتيين (Encratites) تحرّم أكل اللحوم وتنظر إلى الزواج كزنا وتمنع عن شرب الخمر فاستعاضت عنه بالماء في الأفخارستيا. ألّف دفاعه “Oratio ad Graecs” أظهر فيه إنه لا وجه للمقارنة بين المسيحية بتعاليمها الإلهية النقية والثقافة اليونانية. اشتهر أيضًا بعمله دياتيسارون (Diatessaron) الذي يحوي حياة السيد المسيح مأخوذة عن الأناجيل الأربعة، استخدمه السريان حتى القرن الخامس. قاومه الآباء و و و و. [🡁]
  5. Jan Slomp, The ‘Gospel of Barnabas' in Recent Research [🡁]
  6. Jan Joosten, The “Gospel of Barnabas” and the Diatessaron, Harvard Theological Review, 2002, p.74 [🡁]
  7. تبني أطروحة چان چوستين ثلاثة دارسين هم:
    – لويس إف. برنابي پونز (Luis F. Bernabé Pons)،
    _ مايكل دي إپالزا (Mikel de Epalza)،
    _ إميليو جارسيا جوميز (Emilio García Gómez). [🡁]
  8. John Bowman, The Gospel of Barnabas and the Samaritans, 1992, p.30-31 [🡁]
  9. Jan Slomp, The ‘Gospel of Barnabas' in Recent Research [🡁]
  10. David Sox, The Gospel of Barnabas, ALLEN U, 1984, p.31 [🡁]
  11. Lonsdale Ragg, Laura Ragg, The Gospel of Barnabas, CreateSpace Publishing, 2017, Chapter 3: The Question of the Lost Gnostic Gospel [🡁]
  12. Lonsdale Ragg, Laura Ragg, The Gospel of Barnabas, CreateSpace Independent Publishing, 2017, p.45 [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ أسطورة ١٦ فرقة مسيحية أنكرت الصّلب[الجزء السابق] 🠼 أسطورة ١٦ فرقة مسيحية أنكرت الصَّلب
چون إدوارد
[ + مقالات ]
‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎