المقال رقم 5 من 7 في سلسلة إطلاق سراح كلمة الله
قال يسوع للشاب "كيف تقرأ؟" ومازال يقول لك يا من تقرأ كلمة الله "كيف تقرأ؟" وكيف تتحرَّر من القراءة الحرْفية؟ هذه المحاولة لقراءة حيَّة لكلمة الله بواسطة بعض النصوص والأمثلة.

سِفر القضاة يحكي عن “تاريخ” القضاة الذين قضوا لشعب إسرائيل. وفترة القضاة تمتد من بعد موت يشوع بحوالي 20 عامًا حتى تتويج شاول ملكًا، وهذه الحِقْبَة التي يقدِّرها البعض بـ 450 عامًا، بعد انتقال الشعب من الحكم الثيوقراطي theocratic، وفيها سقط إسرائيل في الارتداد عدة مرَّات، وإذ كانوا يسقطون تحت التأديب يصرخون إلى الله فيرسل لهم قاضيًا يخلِّصهم. وكان القاضي حاكمًا ذا سلطة مطلقة وقائدًا للجيش. (موقع أنبا تكلا)

قاضٍ من القضاة الذين ذكرهم السِّفر، إلا أن (التاريخ) في سِفر القضاة يذهب إلى قصد وليس تاريخًا يعيد نفسه ويدور في دائرة مُفرَغة، وليس هدفه سرد أسماء القضاة على أطفال ، لحفظ أسماءهم وترديدها، وليس سفرًا يسجِّل بطولات أشخاص، ولكنه سِفر شعب الله عندما عانى من مضايقين وعندما أعطاهم الله مخلِّصين وهذا كان دور القضاة؛ أي خلاص الشعب ممن يضيِّقون عليهم ونصرة الله للشعب عن طريق القضاة.

وإذا صح التشبيه فهو تاريخ خطّي بمعنى أنه يتجه إلى قصد معيّن، بل إن الكتاب المقدس كله سجل شهادة عن عهد الله الذي قطعه مع البشر بصدق وبحق وبقصد أن يكون وَسْط شعبه بالحقيقة.

تظهر معيِّة الله وَسْط شعبه في قصة جدعون في نسيج تفاصيل القصة، حيث كان المديانيون هم المضايقين هنا.

وَكَانَ لَمَّا صَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمِدْيَانِيِّينَ أَنَّ الرَّبَّ أَرْسَلَ رَجُلاً نَبِيًّا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ لَهُمْ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: إِنِّي قَدْ أَصْعَدْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَخْرَجْتُكُمْ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ، وَأَنْقَذْتُكُمْ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّينَ وَمِنْ يَدِ جَمِيعِ مُضَايِقِيكُمْ، وَطَرَدْتُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ وَأَعْطَيْتُكُمْ أَرْضَهُمْ. وَقُلْتُ لَكُمْ: أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ. لاَ تَخَافُوا آلِهَةَ الأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ أَنْتُمْ سَاكِنُونَ أَرْضَهُمْ. وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي».

(سفر القضاة 6: 7-10)

وهنا يذِّكرهم الله بل يطمئنهم أنه معهم كما كان من البداية.

طلب الله من جدعون هدم مذبح البعل وتكسير السارية فاجتمع المديانيون

وَاجْتَمَعَ جَمِيعُ الْمِدْيَانِيِّينَ وَالْعَمَالِقَةِ وَبَنِي الْمَشْرِقِ مَعًا وَعَبَرُوا وَنَزَلُوا فِي وَادِي يِزْرَعِيلَ

(سفر القضاة 6: 33)

وهنا أرسل جدعون رسلا لدعوة بعض الأسباط للحرب. الرب لم يأمرهم بالحرب كما يرى البعض، بل إن المديانيين هم الذين بدأوا الاستعداد للهجوم

وَأَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى جَمِيعِ مَنَسَّى، فَاجْتَمَعَ هُوَ أَيْضًا وَرَاءَهُ، وَأَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى أَشِيرَ وَزَبُولُونَ وَنَفْتَالِي فَصَعِدُوا لِلِقَائِهِمْ، وَقَالَ جِدْعُونُ لِلهِ: «إِنْ كُنْتَ تُخَلِّصُ بِيَدِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمْتَ».

(سفر القضاة 6: 35، 36)

فخرج جدعون للحرب ومعه الذين دعاهم من الأسباط للمشاركة لكن الله قال:

إِنَّ الشَّعْبَ الَّذِي مَعَكَ كَثِيرٌ عَلَيَّ لأَدْفَعَ الْمِدْيَانِيِّينَ بِيَدِهِمْ، لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ عَلَيَّ إِسْرَائِيلُ قَائِلاً: يَدِي خَلَّصَتْنِي.

(سفر القضاة 7: 2)

وبالفعل جاء الآلاف تلبيةً للدعوة، لكن الله طلب من جدعون عمل تصفية بأن طلب من الخائف أن يرجع، فرجع اثنان وعشرون ألفًا، وطلب الرب تصفيةً ثانية عن طريق اختبار المتبقِّين بالخروج لكي يشربوا من النهر وملاحظة طريقة شربهم للماء،

فكان عدد من ولغ في الماء من راحته إلى فمه ثلاث مئة رجل، وسائر الشعب أجمع” جثوا على ركبهم ليشربوا

(ترجمة البستاني- فان دايك)

فكان عدد من شرب الماء من راحته ثلاث مئة رجل، أما البقية فركعوا على ركبهم ليشربوا.

()

أخذ البعض المياه في كفيه ورفعها لفوق ليشرب، والبعض ركع على رُكَبتيه وشرب، وكان عدد الذين أخذوا المياه في أكفهم ثلاثمائة. طريقة شُرب الثلاثمائة للماء توضح أنهم متيقِّظون، أما من ركعوا فهم لا يستطيعون رؤية ما يجري حولهم وهم منحنون.

فَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: «بِالثَّلاَثِ مِئَةِ الرَّجُلِ الَّذِينَ وَلَغُوا أُخَلِّصُكُمْ وَأَدْفَعُ الْمِدْيَانِيِّينَ لِيَدِكَ. وَأَمَّا سَائِرُ الشَّعْبِ فَلْيَذْهَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَكانه

(سفر القضاة 7: 7)

والآن لنقف عند قول الله لجدعون

إِنَّ الشَّعْبَ الَّذِي مَعَكَ كَثِيرٌ عَلَيَّ لأَدْفَعَ الْمِدْيَانِيِّينَ بِيَدِهِمْ، لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ عَلَيَّ إِسْرَائِيلُ قَائِلاً: يَدِي خَلَّصَتْنِي.

(سفر القضاة 7: 2)

• هل الله يضع الشعب ندَّا له؟
• هل الله يقف في موقف منافسة مع الشعب؟

لنأخذ مثالًا واقعيًا من الحياة ونفترض أننا دعونا بعض المتطوِّعين لتأدية عمل ما، فاجتمع لدينا آلاف، ألا يكون بعضهم جادًا، وبعضهم مُحرَج من عدم تلبية الدعوة، وآخرون يسيرون في الزحام بلا نيِّة حقيقية للعمل؟ ألا تكون التصفية في هذا الحال واجبة؟ وإذا فُرِض وأن لم تحدث تصفية ألا نجد أن من يؤدون العمل في الواقع عددٍ قليلٍ، أما الباقون يكونون معطلِّين للعمل أو ينسبون النجاح لأنفسهم وهذا ما قاله الله لجدعون؟

لكن قصة جدعون لم تنته بعد، فقد حان دور الخدعة الحربية التي ستحدِّد سير المعركة:

نزل جدعون وغلامه فورة كما قال له الله (ومن المهم أن نفهم معنى “وقال له الله” وأن القول ليس تحت شرط يكون كلامًا مباشرًا من الله لجدعون، فنحن للآن نستخدم هذه العبارة لأن الله مازال يجري حوارًا مع شعبه وإن كان غير منطوق)، ليستطلع الحالة النفسية لجيش المديانيين الذي ينتشر كالجراد في الوادي، ومعهم تجهيزات من جمِال لا عدد لها على رمل شاطئ البحر، وإذا بهم في حالة رعب من جدعون. (سفر القضاة7: 9-13).
وسمعوا الأعداء يقولون:

لَيْسَ ذلِكَ إِلأَّ سَيْفَ جِدْعُونَ بْنِ يُوآشَ رَجُلِ إِسْرَائِيلَ. قَدْ دَفَعَ اللهُ إِلَى يَدِهِ الْمِدْيَانِيِّينَ وَكُلَّ الْجَيْشِ

(سفر القضاة 7: 14)

ثم تأتي الخطوة التالية فقد قسَّم جدعون الثلاثمائة رجل إلى ثلاث فِرق ووزَّع عليهم الأبواق والجِرار الفارغة وبها مصابيح في الوَسْط وشرح لهم الخُطَّة

وَقَالَ لَهُمُ: «انْظُرُوا إِلَيَّ وَافْعَلُوا كَذلِكَ. وَهَا أَنَا آتٍ إِلَى طَرَفِ الْمَحَلَّةِ، فَيَكُونُ كَمَا أَفْعَلُ أَنَّكُمْ هكَذَا تَفْعَلُونَ. وَمَتَى ضَرَبْتُ بِالْبُوقِ أَنَا وَكُلُّ الَّذِينَ مَعِي، فَاضْرِبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِالأَبْوَاقِ حَوْلَ كُلِّ الْمَحَلَّةِ، وَقُولُوا: لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ».

(سفر القضاة 7: 17، 18)

هي خطة حربية ذكية وليست أعمالا من وراء العقل أو تخفى على الفطنة البشرية، ولنلاحظ أنه خلال تنفيذها يعلنون: “لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ

نعم يهوه وسط شعبه بالحقيقة وفي واقع الأحداث:

فجاء جِدْعُونُ وَالْمِئَةُ الرَّجُلِ الَّذِينَ مَعَهُ إِلَى طَرَفِ الْمَحَلَّةِ فِي أَوَّلِ الْهَزِيعِ الأَوْسَطِ، وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ قَدْ أَقَامُوا الْحُرَّاسَ، فَضَرَبُوا بِالأَبْوَاقِ وَكَسَّرُوا الْجِرَارَ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ. فَضَرَبَتِ الْفِرَقُ الثَّلاَثُ بِالأَبْوَاقِ وَكَسَّرُوا الْجِرَارَ، وَأَمْسَكُوا الْمَصَابِيحَ بِأَيْدِيهِمِ الْيُسْرَى وَالأَبْوَاقَ بِأَيْدِيهِمِ الْيُمْنَى لِيَضْرِبُوا بِهَا، وَصَرَخُوا: «سَيْفٌ لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ». وَوَقَفُوا كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَكَانِهِ حَوْلَ الْمَحَلَّةِ. فَرَكَضَ كُلُّ الْجَيْشِ وَصَرَخُوا وَهَرَبُوا. وَضَرَبَ الثَّلاَثُ الْمِئِينَ بِالأَبْوَاقِ، وَجَعَلَ الرَّبُّ سَيْفَ كُلِّ وَاحِدٍ بِصَاحِبِهِ وَبِكُلِّ الْجَيْشِ. فَهَرَبَ الْجَيْشُ إِلَى بَيْتِ شِطَّةَ، إِلَى صَرَدَةَ حَتَّى إِلَى حَافَةِ آبَلِ مَحُولَةَ، إِلَى طَبَّاةَ. فَاجْتَمَعَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مِنْ نَفْتَالِي وَمِنْ أَشِيرَ وَمِنْ كُلِّ مَنَسَّى وَتَبِعُوا الْمِدْيَانِيِّينَ.

(سفر القضاة 7: 19- 23)

كل هذه الأحداث كانت مقدمة الحرب وبعدها استدعى جدعون إلى كل جبل أفرايم للاشتراك في الحرب الفعلية

فَأَرْسَلَ جِدْعُونُ رُسُلاً إِلَى كُلِّ جَبَلِ أَفْرَايِمَ قَائِلاً: «انْزِلُوا لِلِقَاءِ الْمِدْيَانِيِّينَ وَخُذُوا مِنْهُمُ الْمِيَاهَ إِلَى بَيْتِ بَارَةَ وَالأُرْدُنِّ». فَاجْتَمَعَ كُلُّ رِجَالِ أَفْرَايِمَ وَأَخَذُوا الْمِيَاهَ إِلَى بَيْتِ بَارَةَ وَالأُرْدُنِّ.

(سفر القضاة7: 24)

هكذا يتفاعل الله مع شعبه وهكذا يتفاعل الشعب مع ما قاله الله
• وهو مازال موجودًا بنفس التوجُّه.
• وتاريخ حضوره مع شعبه لا يدور في حلقة مُفرَغة.
• ووجوده وَسْط الأحداث التاريخ والواقع يصل إلى مقصد وغاية وهدف.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: إطلاق سراح كلمة الله[الجزء السابق] 🠼 مشغولية الله بالآباء والأبناء[الجزء التالي] 🠼 لماذا النِسيان والتَرْك؟
فنيس بولس
[ + مقالات ]