في شتاء العام السابع بعد الألفين، نفخ في النفير العام، انطلق الصوت من العباسية ليعبر أرجاء المحروسة معلنا عن حدث جلل ينتظر اجتماع المجلس.

امتطي فارسنا ركوبته علي عجل، رفض اعتمار العمة الجديدة التي أتاه بها خادمه، فالأجواء ملبدة و تنذر بالخطر وهو لا يريد إثارة حفيظة أحد، خصوصا “مولانا” و “حاشيته”، هو يعرفهم جيدا.

انطلقت الركوبة تشق الهواء، كان للوصول أسبق من الباقين مميزاته الكبري في هكذا أحداث، موعد وصوله سيكون أحد بنود التقرير الذي يعده العجوز المتصابي عن كل فارس، والأهم، أنه قد يقوده حظه السعيد إلي الانفراد بأحد خدم مولانا المقربين ليتلقط منه بعض الأخبار.

تحسس صرة الجواهر، وتأكد أنها في موضعها، وتساءل: لمن ستكون؟ للطويل الذي يتصنع الأهمية، أم للسمين الذي يتصنع العبط؟

وصل فارسنا إلى القصر، ترجل عن ركوبته، وحاول السيطرة علي رعدة شعر بها، لو لاحظها أحد سيعزوها إلى الطقس البارد. توجه إلي الديوان و هو يمسح بنظره كل ركن في حذر، تبادل التحيات السريعة مع فرسان آخرين يبدو أنهم تلقوا التكليفات وفي طريقهم للرحيل.

ولج من باب الديوان و قد حاول جهده السيطرة علي الرعدة، لم يكن مولانا حاضرا، وجد الوزير الأول متصدرا المجلس، يتبادل الحديث مع العجوز المتصابي، الذي يمقته فارسنا بقدر ما يخشاه. كانا يبتسمان تلك الابتسامة التي يعرفها فارسنا جيدا، تقطر اصفرارا، و قال لنفسه: “هناك من سيشنق اليوم ويعلق علي باب القصر”

هرول في اتجاههما وسجد بين ايديهما. لم يحركا ساكنا. خرجت الكلمات بطيئة ثقيلة من بين أسنان الوزير الأول: “شوف يا بك، مولانا متوعك قليلا وهو يريد توقيعك علي هذه الورقة، ثم “خد واجبك” و “اتكل”، هو يريدك أن تبيت وسط أولادك، “الدفا حلو”، مش كدا يا بك؟؟

كان توقيعي قد سبقني علي الورقة، وأومأت له بابتسامة بلهاء مؤمنا علي حديثه وألمعيته الفذة. في طريقي للخروج كان الهواء خفيفا منعشا، ابتسمت لنفسي، لم اقرأ علام وقعت، و لابد أن هذه اللفتة ستكون أحد بنود التقرير الذي سيعدونه عني، وإن كان هذا المتصابي لا يؤمن جانبه.

حين سألت نفسي عما قصده الوزير الأول حين قال “الدفا حلو”، شعرت بقطرة عرق ساخنة تهبط من مؤخرة رأسي علي ظهري, لا بأس صرة الجواهر لا تزال في جيبي، و الأهم، رأسي في مكانه بين كتفيي.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

رجائي شنودة
[ + مقالات ]