المقال رقم 3 من 3 في سلسلة التفسير بين الحرفية والرمزية
مراحل تطور التفسير الرمزي

أول من استخدم الطريقة الرمزية في التفسير كان فلاسفة اليونان، قبل مجيء السيد المسيح، واستخدموا هذه الطريقة في تفسير الأساطير الوثنية، وهذا المنهج يتضح ويظهر بالأخص في فلسفة ، وكان أول كاتب يهودي استخدم المنهج الرمزي كان الكاتب بولس السكندري، واستخدمه في تفسيره للشعر الإغريقي في منتصف القرن الثاني قبل الميلاد، وأيضا استخدمه في تفسيره للعهد القديم.

أما الكاتب اليهودي الذي طور هذه الطريقة في التفسير، واستخدمها أفضل استخدام، فكان “فيلو” الفيلسوف السكندري، يُعتبر بالنسبة لـ”فيلو” هو الظل بالنسبة للجسم أما المعنى الرمزي العميق للأحداث يمثل الحقيقة الكامنة والصحيحة، ومن هذا المنظور قد تبنى الكتاب المسيحيون السكندريون هذا الطريق في التفسير والمنهج لأنهم اعتقدوا أن التفسير الحرفي غير لائق بالله.

سنجد أن القديس إكلميندس السكندري استخدم أيضًا في مرات كثيرة، ولكن العلامة أسس له نظامًا ونظرية كاملة، وبفضل التفسير الرمزي سنجد في هذا العصر إن علم اللاهوت والتفسير الكتابي تقدم خطوات كثيرة، وقد ساعد التفسير الرمزي بوجود اتصال خصب لتكوين عِلاقة بين الفلسفة اليونانية والوحي الإلهي، وسنجد أيضا المرجعية التي اتخذها الآباء لهذا التفسير هو في (غلاطية 24:4، 1كورنثوس 9:9).

أصل مدرسة الإسكندرية ومؤسسيها

يخبرنا عن أصل بأن من أنشأها كان القديس مرقس الرسول بنفسه، وقد أنشأها بهدف أن تكون مدرسة للموعوظين، حيث كان يأتي إليها كل من يطلب الإيمان المسيحي ومعرفة الكتاب المقدس، كمرحلة تأهيلية للمعمودية المقدسة. وقد أُطلق عليها “الأكاديمية المسيحية الأولى”، وأُسست لتواجه العالم اليوناني، ليس بغرض العداوة للفلسفة اليونانية ونقضها بل بالعكس أُسست لتجذب طبقة المثقفين والفلاسفة إلى المسيحية، فكانت في هذا الوقت كمثال لمعهد للدراسات المسيحية المتقدمة.

منهج التفسير الرمزي لمدرسة الإسكندرية

من أعظم ما علم في مدرسة الإسكندرية: القديس بنتينوس، القديس إكلميندس السكندري، العلامة أوريجانوس، القديس ديدموس الضرير، القديس ، القديس كيرلس الكبير.

هذه الأسماء، من أهم آباء الإسكندرية الأفلاطونيين وتأثروا أيضا بأفلوطين وفيلو كما ذكرنا سابقا، فنرى تأثرهم بأفلاطون يتضح في أن الحق يُدرك أكثر بالعقل، والإدراك أكثر من الشعور الحسي الذي تُستخدم فيه المادة والتاريخ.

فكما أن مدرسة أنطاكيَة اهتمت بالتاريخ أكثر من الرمز، نجد أن التفسير السكندري فعل العكس تمامًا، فكانت نتيجة هذا الخليط بجانب الثراء الفكري لعقول الآباء السكندريين، إنتاج سمات خاصة باللاهوت المسيحي السكندري، حيث كانت براعتهم تكمن في أخذهم لكل الثراء الموجود في المدارس الفكرية في هذا الوقت بما يتوافق مع العقائد المسيحية الأرثوذكسية.

سنجد إنهم اعتمدوا على أفلاطون في شرحهم للأخرويات وطبيعة الله، واعتمدوا على أفلوطين في “” و”اتحاد الله بالإنسان”، وأخذوا من فيلو التفسير الرمزي للكتاب المقدس، وعلى هذا الأساس والتنوع قد نتج الفكر الإسكندري في آفاقه الواسعة وصار مركزا لكل من يريد أن يتعلم ويعيش المسيحية في كل بقاع العالم.

مثال للتفسير الرمزي

“وَضَفَرَ الْعَسْكَرُ إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبَ أُرْجُوَانٍ”
(الإنجيل بحسب يوحنا 19 :2)

“لقد عامل العسكر المسيح كمن يسعى إلى عرش ولذلك أهانوه كعادة الجنود ولنفس السبب وضعوا إكليل شوك على رأسه والإكليل هو رمز للسيادة والملك الأرضي أما الرداء الأرجواني فهو دلالة على الملك وأهانوه بطريقة تتفق مع كل هذه المظاهر لأنهم اقتربوا منه وكانوا يقولون له السلام يا ملك اليهود.

و قد سمعت هذا التفسير و هو يرضى خيال البعض أن إكليل الشوك يرمز إلى الجماعات من الوثنيين الذين سيعودون للمسيح وسيقبلهم هو ليجعلهم تاجه الملوكي عندما يؤمنون به، و الأمم مثل الشوك لأنهم بلا ثمر ولا نفع كما يجمع الشوك للحريق هكذا الأمم كانوا بلا فائدة أما الآن فهم في المسيح يسوع لهم كل الفوائد، أما الرداء الأرجواني فهو يرمز إلى ملكوت المسيح الذي سوف ينتشر في العالم كله، ويمكننا أن نقبل أي تفسير مادام أنه ليس غريبًا عن الحق بشرط أن يكون له هدف واضح و لا يوجد ما يدعو إلى رفض هذا التفسير لأنه يحتوى على براعة في فهم عمل المسيح في المستقبل”.

(تفسير إنجيل يوحنا للقديس كيرلس الكبير صـ 54)

التوافق بين المدرستين في كتابات البابا كيرلس عمود الدين

نجد أن أعظم من أستطاع أن يأخذ منهجًا صحيحًا وأن يوفق بين المنهجين فلا يأخذ الرمزية والمعنى المخبئ بطيات الحروف ويهمش التاريخ، وأن يدرس التاريخ ولا يهمش الرمز هو القديس ال، ولذلك فإن تعاليمه العقائدية فيما يختص بطبيعة السيد المسيح له المجد ضد كل من هرطقة ، و، و، و، تمثل الأساس لفهم شروحاته وتفسيراته للكتاب المقدس إذ يربط ربطًا محكمًا بين عقيدة الكنيسة وبين تفسيره للكتاب المقدس.

جمع كيرلس الكبير بين المدرستين والتأويلين، الرمزية والتاريخية، على أرضية ة، في شخص يسوع المسيح الإله المتجسد، الذي اجتمع فيه الله والإنسان، الزمن والأبدية، التاريخ والروح، الطبيعتين بلا انفصال ولا استحالة ولا امتزاج، فما عاد للروح أن تطغى على الجسد كما كان تصور مدرسة الإسكندرية، ولم يعد التاريخ هو سيد الرمز كما في مدرسة أنطاكيَة، بل أن الاثنين قد جُمعا معًا، في شخص المسيح، لقد كان هذا منهجه منقوعًا في صبغة التجسد.

فقد جمع الكل على أرضية الخضوع للحياة الروحية التي تسلمناها من المسيح بفعل روحه القدوس، والتقليد الآبائي الراسخ في الكنيسة المقدسة، والنظرة الخلاصية لعقيدة التجسد التي يشرحها، كل ذلك جعله يبنى منهجه بعيدًا عن المناهج العقلية التي استندت إليها الفلسفة وجعلته ينطلق من هذا المنهج الضيق القاصر الذي اتبعه أسلافه إلى اللاهوت الذي هدفه خلاص الإنسان، والحياة الجديدة التي أُعطيت لنا في الابن الوحيد المتجسد.

مصادر  السلسلة

– محاضرة مدارس تفسير الكتاب المقدس أبونا بولس رمزي.
– محاضرة عن القديس ديديموس الضرير، للدكتور ميشيل بديع، الكورسات المتخصصة للمركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية.
– كتاب التربية عند آباء البرية| آباء الكنيسة كمربين – القمص
– دراسات في آباء الكنيسة/ لأحد رهبان برية القديس مكاريوس
– نظرة شاملة لعلم الباترولوجى في القرون الستة الأولى
–  تفسير المعجزات في إنجيل يوحنا عند آباء الكنيسة ومعلميها 2 – الكتاب الشهريّ – مارس 2006 – ص26
– محاضرة عن مدرسة الإسكندرية، للدكتور /
– تفسير إنجيل يوحنا للقديس كيرلس الكبير
– الدراسة اللاهوتية التي قام بها د / بباوي “الخلاص كما شرحه القديس كيرلس السكندري”
– القمص – آباء مدرسة الإسكندرية الأولون 2001

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: التفسير بين الحرفية والرمزية[الجزء السابق] 🠼 التفسير بين الرمزية والحرفية [مدرسة أنطاكيَّة]
أبانوب صبري
Faculty of Arts في English Department  [ + مقالات ]

Studies at Evangelical Theological Seminary in Cairo - ETSC
تمت الدراسة ايضا بمدرسة تيرانس للتعليم اللاهوتي والوعظ