من خلال الدراسات والأبحاث الأكاديمية لا المسيحية نجد أن المسيحية المتمثلة في الكنيسة قد ورثت إسرائيل القديمة، حسب عبارة العلامة  أن الكنيسة قد ورثت كنوز الأنبياء، فحفظتها في الممارسات الطقسية والصلوات، وقد حاول الباحثين على مدى السنوات رد كل ممارسة إلى أصلها في صلوات الكنيسة الأولى والمجمع اليهودي. [1]

كما أن المسيح رأس الجسد الواحد الذي هو الكنيسة المتمثلة في المؤمنين، فأن الليتورجيا المتمثلة في التسابيح والطقوس تجمع الكل بنفس واحده لإقامة هذه الطقوس كما في أعمال الرسل “هؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ، مَعَ النِّسَاءِ، وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ، وَمَعَ إِخْوَتِهِ.” (أع 1: 14)، ومن هنا نجد المعيار الذي تم على أساسه اختيار بعض عناصر الليتورجيا من المجمع اليهودي وهي العلاقة الجديدة التي جاءت بتجسد الابن. [2]

إلا أن هذا يضعنا أمام تساؤل مهم، فما هي أنماط الصلاة التي أخذناها من المجمع اليهودي؟
وهل أخذت كما هي؟
ولماذا هذه الصلوات تحديداً التي أخذت وكيف تطورت؟

سنقوم في هذه السلسلة  باﻵتي؛
الجزء الأول: يناقش ماهي الليتورجيا من حيث التعريف وتطورها،
الجزء الثاني يناقش الصلاة في اليهودية مواعيدها وأنماطها،
وأخيراً نتكلم عن الصلوات في الكنيسة الأولى وسنركز على ماهية التسابيح في يوم عشاء الرب الذي يعد من أهم الأحداث التي كانت تحدث في الكنيسة المبكرة.

أصل كلمة ليتورجيا ومعناها:
ليتورجيا هي كلمة يونانية، تنقسم إلى جزأين: الجزء الأول يعنى عمل، والجزء الآخر يعنى الشعب. [3] وأصل الكلمة يعني في اليوناني القديم: عمل عام يعود فائدته على الشعب ولمصلحته، ثم تطورت حتى صارت تعنى خدمة الشعب إلى الله أو الخدمة الدينية لله.

أوقات الصلاة في اليهودية المبكرة:
هناك الكثير من الدلائل التي تقول أنه كان يوجد 3 مواعيد للصلاة خلال اليوم، في الصباح وبعد الظهر وفي المساء، نجد هذا في (دا 10:6). صلاة بعد الظهر نجدها في العهد الجديد مشار إليها في (أع 1:3، 3:10، 30:10)، وأيضاً توجد أبحاث بإن الصلاة ثلاث مرات في اليوم كانت من عادات جماعة وادي قمران. [4]

أنماط الصلاة في اليهودية:
عندما نريد أن نركز على أهمية الممارسات المسيحية في الكنيسة الأولى، وكيف تمت الاستعارات من النصوص والممارسات اليهودية، حينئذ سنلقى الضوء على الممارسات اليهودية في القرن الأول، وهذا من أجل الروابط التي كانت تربط بين اليهودية والمسيحية، فيذكر القديس بأن كان هناك بعض المسيحين العاديين يحضرون في كل من المجمع اليهودي والكنيسة في وقتاً واحد [5]، وأيضاً لا ننسى بأن التلاميذ كانوا يهوداً أولاً، والمسيح كان يمارس الطقوس والعبادات اليهودية فلم ينتقدها ولكن عمل بها.

والعبادات في اليهودية كان لها ثلاث أركان أساسية: عبادة، وتعليم، وطقوس. كما كان يوجد أيضاً قراءات وشروح للأسفار المقدسة. [6]

صلاة البركة:
من خلال الدراسات والأبحاث المسيحية تم اكتشاف أن صلاة البركة berakah  كانت صلاة يهودية في القرن الأول، ولم يكن لها شكل واحد نموذجي يحدث كطقس دائم، بل لها أكثر من شكل كانوا يستخدمونه اليهود في العصور الأولى.

كان هناك 18 نص صلاة بركة كانت تتلى في الهيكل اليهودي. [7]

من هذه الصيغ كانت تستخدم اسم المفعول المبني للمجهول “مبارك baruk ” (أو باليونانية eulogetos) وهذا نجده في إشارات من العهد القديم وأيضاً في أدب ما بين العهدين، أيضاً كانت تذكر صلوات البركة في جمل تفصيلية أكثر من التسبيحات القصيرة، وفيها يتم ذكر ما فعله الله لكي يمجده الشعب، كما جاء في (خر10:18 “مبارك الرب الذي أنقذكم من أيدي المصريين ومن يد فرعون“).

أو كما جاء “فَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ أَنَّ نَابَالَ قَدْ مَاتَ قَالَ: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ الَّذِي انْتَقَمَ نَقْمَةَ تَعْيِيرِي مِنْ يَدِ نَابَالَ، وَأَمْسَكَ عَبْدَهُ عَنِ الشَّرِّ، وَرَدَّ الرَّبُّ شَرَّ نَابَالَ عَلَى رَأْسِهِ». وَأَرْسَلَ دَاوُدُ وَتَكَلَّمَ مَعَ أَبِيجَايِلَ لِيَتَّخِذَهَا لَهُ امْرَأَةً.” (1 صم 25: 39). وهنا نجد مثالا عمليا على إنه يتم تمجيد وتكريم لله على عطاياه، التي غالباً ما تذكر بعد نص البركة، وكصيغة صلاة فأنها تنتهي بصيغة: إلى الأبد، والرد يكون أمين. [8]

وأيضاً نجد هذه الصيغة في سفر مبارك الرب من الأزل والى الأبد. آمين فأمين” (مز13:41)، ونجدها أيضا في (مز72: 18-19)، (مز52:89)، (مز48:106).

تلخيص لصلاة البركة كما ذكرت في كتاب الإفخارستيا (عشاء الرب) للأب متى المسكين:
أولا: إنها تحوي مباركة الله،
ثانياً: إنها صلاة قائمة على العهد القائم،
ثالثاً: إن مضمونها مأخوذ من كلمة الله المنطوقة بفمه التي هي أصلاً “اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد” (تن 4:6)،
رابعا: إنها مقدمة على أساس الطاعة المطلقة لله “السائرين أمامك بكل قلوبهم“،
خامسا: إن وضعها الخارجي يكون برفع الأيدي. [9]

صلاة الشمع The Shema:
تتكون صلاة الشمع في شكلها المطور من 3 نصوص من ال (تث 6: 4-9، تث 11: 13-21، عد 15 :37- 41) وكان اسم الصلاة مأخوذ من الكلمة العبرية لأول نص وهي (اسمع)، وهذا كان عادة قديمة عند اليهود ونجدها أيضاً في تسمية الأسفار القديمة، حيث كان كل سفر يسمى بأول كلمة من السفر، مثل سفر التكوين كان يطلق عليه (في البدء). كانت صلاة الشمع تصلى مرتين، في الصباح وفي المساء، كانت ترافقها صلاة البركة قبلها وبعدها في المرتين.

صلاة الحمد أو الهوداياه:
من الفعل العبري ترجمته يداه، أي يحمد، وفى صيغ الصلاة عادة يأتي في المخاطب: أحمدك أيها الرب.

وهنا نجد إنه يخاطب الله في صيغة المخاطب وليس في صيغة المجهول مثل صلاة البركة، وهنا يعترفوا إلى الرب بصنائعه معهم ويحمدونه. “وَتَقُولُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: «أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ، لأَنَّهُ إِذْ غَضِبْتَ عَلَيَّ ارْتَدَّ غَضَبُكَ فَتُعَزِّينِي.” (إش 12: 1)، “أَحْمَدُكَ لأَنَّكَ اسْتَجَبْتَ لِي وَصِرْتَ لِي خَلاَصًا.” (مز 118: 21)، “أَحْمَدُكَ إِلَى الدَّهْرِ لأَنَّكَ فَعَلْتَ، وَأَنْتَظِرُ اسْمَكَ فَإِنَّهُ صَالِحٌ قُدَّامَ أَتْقِيَائِكَ.” (مز 52: 9).

طقس الصلاة في المجمع اليهودي:
تم دمج هذه الصلوات وتمت تغييرات على نصوص هذه الصلوات، وعرفت فيما بعد باسم الصلاة، Tefillah تفلاه، لتمييزها عن صلاة الشمع التي كانت تتلو جماعة، أما الصلوات فكان رئيس المجمع هو الذي يتلوها، ويجاوبه الشعب قائلين آمين. كملخص لصلاة التضرع أو تفلاه كما ذكر الأتي في كتاب: ال:

“أولاً: إنها يلزم أن تقوم على ارتباط تعهدي بالله، أي علاقة تبعية “أيها الرب إلهي”،
ثانيا: إن الأمر المتضرع عنه على اسم الرب أو يحمل اسم الرب “أسمي يكون فيه”،
ثالثاً: أن التضرع قائم على أساس توبة، أي رجوع القلب إلى الله”،
رابعاً: إن التوبة قائمة على أساس الاعتراف باسم الرب،
خامسا: إن الطلب المقدم له أساس في وعد الله “التي أعطيتها لآباءهم”،
سادساً: إنها بصراخ وتذلل”، سابعاً: إنها بركوع وسجود أمام الله، وهذه كلها جاءت في تضرعات سليمان.” [10]

ولم يكن مسموحا أن تقدم الذبيحة إلى الله، أو يأكل منها إنسان، إلا بعد أن يكون تمت عليها الصلوات مثل صلاة البركة. وهكذا نجـد أن بعد أن بارك الله َّ والشعب ذبح الذبائح أمام الله ثم قدم الوليمة للشعب، هكذا نجد أن كلاًّ من التقدمة والأكل مرتبطاً ارتباطاً شديداً بصلاة البركة، كطقس ثابت ودائم في العهد القديم. [11]

كانت الخدمة العامة في المجامع يوم السبت، والإثنين، والخميس، وكانت الخدمة تتكون من الشمع والتيفلاه بالإضافة إلى قراءة فصول من الشريعة، وكانت القراءات تتم بالترتيب من الشريعة حتى تتم قراءة الخمسة في سنة كاملة أو في ثلاث سنوات، بالإضافة لذلك كانت هناك قراءات من أسفار الأنبياء في خدمة صباح السبت، دون التقيد بترتيب معين في اختيار القراءات، وكانت القراءات تترجم في فلسطين إلى الآرامية، ومن الممكن أن يتبعها تفسير من أحد الحضور أو عظة كما حدث في (لو 4: 16-30). [12]

وكانت قراءة الجزء الخاص من التوراة يوم السبت صباحاً وفى الأعياد كان سمة متعارف عليها في المجمع اليهودي. [13]

كانت المزامير أيضاً تتلى في الليتورجيا المبكرة في صلوات المجمع اليهودي، فبعض الأبحاث أكدت إن هناك دورة طقسية كل ثلاث سنوات لسفر المزامير في خدمة ما بعد الظهر يوم السبت، كما يحدث في التوراة. [14]

المصادر:

[1] ديفيد فاروق، ليتورجيا الحياة (دار رسالتنا للنشر والتوزيع، 2019)، ص20.
[2] المرجع السابق، ص15.
[3] يوحنا بازجى، المصادر الليتورجيا (لبنان، منشورات معهد القديس ، جامعة البلمند 2005)، ص14.
[4] Paul F. Bradshaw.' Daily Prayer in the Early Church (London: Alcuin Club/SPCK, 1981) pp.4ff
[5] بول ف. برادشو، مينا القمص اسحق البحث عن أصول العبادة المسيحية (القاهرة، الكلية الإكليريكية اللاهوتية للأقباط الأرثوذكس بالأنبا رويس)، ص29.
[6] أنبا يؤنس، الكنيسة المسيحية في عصر الرسل، (القاهرة، الأنبا رويس، العباسية، 1987)، ص29.
[7] المرجع السابق، ص36.
[8] أنبا إبيفانيوس، التسبيح في الكنيسة الأولي (الدقيقة 17، إنقر للاطلاع).
[9] متى المسكين، الإفخارستيا عشاء الرب، بحث في الأصول الأولى لليتورجيا (دير القديس أنبا مقار، وادي النطرون، 2000)، ص98.
[10] المرجع السابق، ص99
[11] المرجع السابق، ص100.
[12] بول ف. برادشو، مينا القمص اسحق، ص38.
[13] المرجع السابق، ص37.
[14] The scholars cited in J. A. Lamb. The Psalms in Christian Worship (Landon 1962). Pp. 14-15

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

أبانوب صبري
Faculty of Arts في English Department  [ + مقالات ]

Studies at Evangelical Theological Seminary in Cairo - ETSC
تمت الدراسة ايضا بمدرسة تيرانس للتعليم اللاهوتي والوعظ