كمسيحيين أرثوذكس، نسعى لإيجاد أجوبة لأسئلتنا في الكنيسة، والكتاب المقدس، وكتابات الآباء، والمجامع المسكونية وقوانين الكنيسة، إلخ. غالبًا ما يُجبر المؤمنين على محاولة فهم ما يحدث في العالم المحيط بهم في الكتاب المقدس، كونه أسهل عناصر التقليد الكنسي الممكن الوصول إليها. أحيانًا لا يكون لسؤالهم جواب في الكتاب المقدس وبالتالي إما يضيفون مفاهيمهم المسبقة على الكتاب المقدس أو يمضوا حزانى لعدم إيجادهم للإجابات التي جاؤوا للبحث عنها. المشكلة الأساسية هنا هي المحاولة الإنسانية في الذهاب للكتاب المقدس لإيجاد الذات أو الأنا أو أي شخص آخر غير المسيح.
الجهل بالكتاب المقدس هو جهل بالمسيح.(القديس جيروم – مقدمة تفسير إشعياء)
الوحدة بين المسيح والكتاب المقدس غير قابلة للجدل. محاولتنا للبحث عن أي شيء غير المسيح هو، بشكل ما، خطية ضد الكتاب المقدس. قدرتنا على الاقتباس من الكتاب المقدس لا تعني بالضرورة أننا نعرف المسيح.
الشيطان يستطيع أن يقتبس الكتاب المقدس لتحقيق أهدافه.(وليام شكسبير، مسرحية: “تاجر البندقية”)
لا فائدة في البحث في كيفية أو أسباب أو أهداف اقتباس الشيطان للكتاب المقدس. تستطيع قصة التجربة على الجبل في الأناجيل الإزائية أن تلقي الضوء على طرق قراءة الكتاب المقدس بالمنهج الشيطاني.
فما هي إذن الطريقة المسيحية لقراءة الكتاب المقدس؟
لإجابة هذا السؤال، لننظر إلى سؤال طرحه المسيح على تلاميذه منذ حوالي ألفين سنة: من يقول الناس إني أنا؟
على الرغم من أن إجابة ق. بطرس: أنت هو المسيح ابن الله الحي
صحيحة، إلا أنها بالطبع لم تكن كافية للرد على الغنوسيين والأريوسيين والأبوليناريين، إلخ. لذا احتاجت الكنيسة لفحص الكتب المقدسة مرارًا وتكرارًا للرد على الاعترافات الخاطئة عن هوية المسيح التي قدمها الهراطقة. بناء على هذا الفحص، تم التأكيد على الاعتراف الكنسي القديم الذي يقدم هوية المسيح باعتباره الكلمة المتجسد الذي جاء ليخلص العالم. وحين واجهه واضطهده اليهود بسبب صنعه للمعجزات، أجاب يسوع وقال:
فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية. وهي التي تشهد لي … لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني، لأنه هو كتب عني.(يوحنا 5: 39، 46)
إجابة يسوع تتضمن عنصرين أساسيين لابد من فحصهما:
أولًا، ما هي الحياة الأبدية؟
وثانيًا، كيفية تكلم موسى عن يسوع.
حين يسمع المرء عن الحياة الأبدية، يأتي لذهنه صورة العصر الوسيط حيث النفوس التي بلا أجساد تحوم حول السحب والملائكة المرسومة على هيئة أطفال بينما يسوع جالس على عرش. هذه الصورة هي أبعد ما يكون عن الحقيقة. فإجابة يسوع هي أن الحياة الأبدية هي معرفة الله ويسوع المسيح الذي أرسله (يوحنا 17: 3). وفي موضع آخر، يؤكد يسوع على أننا نتذكر كلماته التي نعرفه بها بواسطة الروح القدس (يوحنا 14: 26). فالخلاصة هي أن الحياة الأبدية هي معرفة الثالوث القدوس كما استُعلن لنا في التجسد. وذكرى التجسد محفوظة لنا في العهد الجديد. أما العنصر الثاني من إجابة يسوع الخاصة بموسى الذي كتب عنه، نجد صداها في قانون الإيمان النيقاوي-القسطنطيني حيث نقول: نؤمن برب واحد يسوع المسيح… كما في الكتب
. ومن المهم أن نتذكر هنا أنه حين كُتبت هذه الكلمات في القرن الرابع الميلادي، كان المقصود بالكتب ما نعرفه الآن باسم “العهد القديم”. وهذا ليس بأمر عجيب، فالمسيح القائم من بين الأموات على طريق عمواس فسر لهما [أي التلميذين] الأمور المختصة به في جميع الكتب
(لوقا 24: 27). وعلى الرغم من ذلك، فهذا التفسير الخاص بالعهد القديم لم يكن كافيًا لمساعدة التلميذين على معرفة هوية ذاك الذي كان يحدثهم. فقط في كسر الخبز الإفخارستي انفتحت أعينهما وعرفاه ثم اختفى عنهما
(لوقا 24: 31).
لذلك، فالقراءة الأرثوذكسية للكتاب المقدس هي في الأساس قراءة إفخارستية. فالكنيسة، باعتبارها المسيح مُوزعًا على المؤمنين حسب تعبير ق. أغسطينوس، تمتلك حق تفسير الكتاب المقدس للمؤمن. وبسبب أهمية العهد القديم في الاعتراف الأرثوذكسي بهوية يسوع، فالكنيسة استمرت في الاهتمام بالعهد القديم باعتباره مشيرًا لشخص المسيح. بل أكثر من ذلك، بدأت الكنيسة في تغيير عدسة تفسيرها للكتاب من البرقع للإعلان عن شخص المسيح القائم والدائم الحضور في الإفخارستيا. كما يقول ق. بولس الرسول:
فإذ لنا رجاء مثل هذا، نستعمل مجاهرة كثيرة وليس كما كان موسى يضع برقعًا على وجهه لكيلا ينظر بنو إسرائيل نهاية الزائل، بل أغلظت أذهانهم، لأنهم حتى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق باق غير منكشف، الذي يبطل في المسيح … ولكن عندما يرجع إلى الرب يرفع البرقع. وأما الرب فهو الروح، وحيث روح الرب هناك حرية.(2 كورنثوس 3: 12-17)
لهذا فالإجابات السطحية التي يعطيها البعض مثل: “أنا لا أهتم بهذه القصة لأنها من العهد القديم” لن تكون كافيةً بالنسبة لبحثنا. وللأسف، فهناك اتجاه عند البعض يتضمن التقليل من شأن ما يحدث في العهد القديم كما لو أنه لا يعلن أي شيء عن الله وتعاملاته مع البشرية. فالبعض يتطرف في هذا الاتجاه حتى أنه يربط العنف بالله في العهد القديم بينما يربط الرحمة بالله في العهد الجديد. والمتطرفين في هذا الاتجاه يغفلوا آيات من العهد الجديد مثل أما أعدائي، أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم، فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي
(لوقا 19: 27)، أو لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم، الذين يحجزون الحق بالإثم
(رومية 1: 18)، أو أحداث مثل موت حنانيا وسفيرة. ويوجد نوع أخر يتطرف في التركيز على آيات مثل يسوع المسيح هو هو اليوم والأمس وإلى الأبد
(عبرانيين 13: 8) وأن في الله لا تغيير ولا ظل دوران
(يعقوب 1: 17) ويتجاهلون بقية الكتاب المقدس. هؤلاء يضطروا لتجاهل حقيقة التجسد الذي به تغيرت علاقة الإنسانية بالله وبالتالي تعاملات الله مع الإنسانية التي صارت منذ ذلك الحين ملائمة لحقيقة البشرية الجديدة في المسيح.
أتمنى أن نفحص الكتاب المقدس معًا بالطريقة الأصيلة التي طالما استخدمتها الكنيسة. هلم نفحص الكتاب المقدس ونحن واضعين الحياة الأبدية، كما عرفها المسيح سابقًا، نصب أعيننا. هلم نقرأ كل سفر وكل حادثة بالطريقة التي ينبغي أن تُقرأ بها بواسطة الروح القدس في شركة الكنيسة، وليس بالطريقة الهرطوقية التي وصفها ق. أثناسيوس في قوله:
أنهم ضالين جدًا لأنهم لا يفسرون الأسفار المقدسة بحسب القصد الإلهي للسفر.(القديس أثناسيوس الرسولي، الرسالة الثانية لسرابيون عن الروح القدس)
هلم نقرأ ونفهم -في روح الصلاة- العلاقة بين الله والطبيعة في الخليقة والإنسان. من الطبيعي أن يرى الكثيرين الجمال في الطبيعة وأن ينسبوا الجمال للطبيعة الأم بينما كثيرًا ما ينسب نفس الأشخاص الكوارث الطبيعية لله أبانا. أني أدعوك للانطلاق معي في هذه الرحلة راجيًا أن نرى الأشياء بطريقة مختلفة نوعًا ما.
الجزء الأول: الأساسيات النظرية:
الله كخالق
الله كآب والمسيح كأخ
الله: غضوب؟
الطبيعة الساقطة / الطبيعة القائمة
العناية الإلهية
الجزء الثاني: حوادث كتابية وعواقبها:
الطوفان العظيم
سدوم وعمورة
يوسف والمجاعة
في الطريق لأرض الميعاد
حنانيا وسفيرة
الجزء الثالث:
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
كاتب وباحث دكتوراه اللاهوت اﻷرثوذكسي بكلية الثالوث، تورونتو - بكالوريوس الدراسات الدينية، ماكماستر