المقال رقم 9 من 23 في سلسلة خواطر في تفسير إنجيل يوحنا

سنحاول في هذا المقال أن نمعن الرؤية في شهادة عن المسيح وكيف كانت :

” كان إنسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس، رئيس لليهود. هذا جاء إلى يسوع ليلا وقال له: «يا معلم، نعلم أنك قد أتيت من الله معلماً، لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه»
( يوحنا ٣)

– إن نيقوديموس كان رئيساً لليهود (راباي يهودي متمكن في علوم الدين اليهودي). إلا إن أيمانه بالمسيح لم يعتمد بالضرورة علي علمه الديني الذي شهد عبر تاريخ اليهودية بأن يسوع المسيح الواقف أمامه هو المسيا الآتي من السماء الذي ينتظره اليهود لإعلانه لكل العالم. وللتدليل علي ذلك نقول إن معظم اليهود ومنهم تلاميذ المسيح عثروا في الإيمان بالمسيح.

– إن السبب الذي قاله نيقوديموس لإيمانه بالمسيح «يا معلم، نعلم أنك قد أتيت من الله معلماً» هو سبب متاح لأي بشر يتمتع بتفكير سوي غير مشوه بتأثيرات خارجية من المحيطين به : ”لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه». 
- ولقد أظهر الإنجيل بدليل تحرر نيقوديموس من هذه التأثيرات بأن قال إنه جاء ليقابل المسيح ليلاً بعيداً عن تأثير المتدينيين ورؤسائهم المعادي للمسيح “الله الذي ظهر في الجسد ”وانتظار شعب الله.

– ملخص القول إن معرفة الإله الحق والإيمان به ليست حكراً علي علم ديني وبحث يستلزم عقول جبارة في اللاهوت والتاريخ.

– فالإله الحق لا يترك نفسه بلا شاهد لعقل الإنسان و إنسانيته. لأنه -تبارك أسمه- قد وضع في أعماق كيان الإنسان أساساً جوهرياً يشهد لله.

– إن صفات الإله الحق قد أستعلنها الخالق -جل جلاله- لإدراك الإنسان وفي حدود بشريته بأن طبعها في صميم خلقته ”نخلق الإنسان علي صورتنا كشبهنا

– هذه هي حقيقة الخالدة في خلق الله للإنسان والتي هي فاتحة الكتاب المقدس في سفر التكوين الذي يدون سيرة الله مع الإنسان . وأكدها في الإنجيل ”إن ملكوت الله داخلكم“. فما معني هذا؟

– بحسب الكتاب المقدس فإن الله هو ذات واحد يعلن ذاته في كلمته ”كلمة الله (اللوغوس)“. وبهذا فإن ”كلمة الله“ هو ”صورة الله ورسم جوهره“. فهو من ذات الله، وهذا يعبِّر عنه الكتاب بالبنوة والأبوة في ذات الله الواحد، فنقول إن ”الله الابن“ مولود من ”الله الآب“. ومساوٍ وغير منفصل في ذات الله ”أنا والآب واحد“.

– ثم خلق الله الإنسان مطبوعاً في صميم كيانه علي أصل إلهي لا يزول منه ألا وهو صورة الله … المسيح ”كلمة الله“ … الذي هو إعلان الله لذاته.

– هذا هو ما كشفه الوحي الكتابي عن عظمة خلق الله للإنسان ومكانته. فهو مخلوق إلهي عظيم يحمل أصله فيه، والذي لا يزول بما لا يقاس بما تحمله بصمة أصبع الإنسان أو الحمض النووي كدلالة علي أصل للإنسان.

– وحينما تصير الصورة الأصلية المطبوع عليها الإنسان في أعماقه مصقولة جيداً ، فإن النفس الإنسانية من تلقاء ذاتها تري نفسها فيها -كما يري الإنسان حقيقة وجهه عندما ينظر في مرآة. هنا تتقابل نفس الإنسان مع مثيلها- أي تتقابل الصورة مع أصلها.

– فكلما أزداد وعي الإنسان واشتياقه إلي اكتشاف حقيقة ذاته فإنه يتقابل مع الحق سبحانه لأنه في أعماقه ” ها ملكوت الله داخلكم“. حيث الله لا يَحجب ذاته عن محبوبه الإنسان.

– هذه هي نقاوة النفس التي تؤهل لتأمل الله ذاته داخل الإنسان والتي قال عنها المسيح كلمة الكلمة ” طوبي لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله“.

– وكما شهد نيقوديموس للمسيح، يستطيع كل أنسان هذا بالتثبت من تلك الصفات التي تحمل بصمة الإله الحق في أعماق كيان الإنسان وبذلك يضمن تطابق المثيل علي مثيله غير مخدوعٍ بالتشويه الذي ألحقه ”رئيس هذا العالم“ بإعلان الله لنا عن ذاته فينا.

والسُبح لله.
بقلم د. رءوف أدوارد

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: خواطر في تفسير إنجيل يوحنا[الجزء السابق] 🠼 خواطر في تفسير إنجيل يوحنا<br /> الإصحاح الثالث (١)[الجزء التالي] 🠼 خواطر في تفسير إنجيل يوحنا<br /> الإصحاح الثالث (٣)
خواطر في تفسير إنجيل يوحنا<br /> الإصحاح الثالث (٢) 1
[ + مقالات ]