المقال رقم 8 من 8 في سلسلة أقوال المؤرخين في صلب يسوع

أعتقد أنّه لا حاجة لنا في أنّ نشك في أنه بإعدام يسوع بالصَّلب الرّومانيّ قد مات حقًا، وأن مكان دفنه المؤقَّت قد وجد فارغًا بعد ذلك بقليل. [1]

(چيمس دانيال تابور، سلالة يسوع: التاريخ الخفي ليسوع، عائلته الملكية، وية)

بعد أن ناقشنا وجود مصدر للآلام قبل إنجيل مرقس، سنتكلم عن مصدر آخر قبل إنجيل لوقا. لكن قبل أن ندخل في هذه النقطة، أود أن أضيف شيئًا عن مصادر إنجيل متى.

في إنجيل متى، لا يوجد مصدر للآلام منفصل عن الذي أخذه متى من مرقس. لكن هناك فقرة واحدة علق عليها الدارسون بأن فيها مصدرًا آخر، ليس من مرقس ولا هو من تحرير متى بالكامل. وهي الفقرة التي يقول فيها إنجيل متى:

والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا لكثيرين.

(إنجيل متى ٢٧: ٥٢-٥٣)

يرى وهلموت أن مصدر النص في الإصحاح 27 بداية من نصف الفقرة 51 حتى 53 هي محل خلاف بين الدارسين حول ما إذا كانت من تحرير متى بالكامل أم من مصدر سابق لمتى. ويقول لوز رأيه أن هذه الفقرات ليست من متى، وإحصائيًا لا يظهر فيها أسلوبه في التحرير، وأننا أمام مصدر أقدم من متى، وليس مأخوذًا من مرقس، سواء كان تقليدًا شفويًا أو شيئًا من مجتمع مسيحي يهودي مبكر. بطبيعة الحال، هذا لا يعني أن الحدث قد وقع، ولكنه يعني أن لدينا مجتمعات أخرى غير التي جاءنا منها إنجيل مرقس، تعرف بموت يسوع، وبدأت تروي عجائب حدثت وقت موته [2].

هناك تفسير آخر لهذه النقطة، وهو أن متى أخذ ترتيله يهودية مبنية على حزقيال 37: 1-14 [3]، وبدأ يسردها كعلامة كونية لموت يسوع، وهذا هو رأي دونالد سينيور الذي طرحه في ورقة بحثية عن مصدر الآلام لمتى، وهو أيضًا ينتقد فيها فكرة وجود مصادر مسيحية أقدم عند متى في أحداث الآلام [4].

ستجدنا في أوقات كثيرة نعرض لك الأمر وتعليقًا ينتقده، لكي تعرف أيضًا النقاشات التي دارت حول أطروحات المصادر عند الدارسين. لكن بشكل عام، قضية مصادر متى، أو وجود مصادر غير مرقس لمتى، هي فرضية ليست قوية في المجمل، ولهذا لم نخصص لها مساحة كبيرة كاملة بمفردها.

التقليد [L]

هناك رسالة دكتوراه كاملة لماريون إل. سوردز عن مصدر رواية الآلام الموجودة في إنجيل لوقا الإصحاح 22 ومصادره الخاصة. يذكر سوردز في رسالته أن الباحثين مثل ڤينسنت تايلور يرون أن النص في أصحاح 23، ما بين 27-34 تعتبر من التقليد L الذي استخدمه لوقا بالإضافة إلى مصدره الأساسي مرقس، و هذه النصوص تذكر الصلب صراحةً [5].

ويقول في مُلحق في آخر الكتاب إنّ المنهجية التي اتبعها في تحليل لوقا 22 يمكن أن تُطبّق على لوقا 23، ويقول إنّ عددًا كبيرًا من النصوص التي تُعتبر من ضمن المادة الخاصة بلوقا في إصحاح 23، أو التي تُسمّى ال، موجودة.

بما أن تركيزنا الأساسي على الصلب والموت، فسوف نذهب إلى لوقا 23، وسنجد استكمالًا للمصدر L في تعليقات چوزيف فيتزمير يذكر فيه أن لوقا يدمج معلوماته التي أخذها من مرقس مع معلومات من المصدر L، ويقول إنه في تحليله يتبع لوقا نفس ترتيب متى، لكنه يضيف عليه تفاصيل مأخوذة من L، بحيث يكون مرقس هو الإطار الأساسي، و L هو المصدر الإضافي [6].

مثلًا، يقول إن النص في الإصحاح 23 ما بين 35-37 من المصدر L. هذه الفقرات تقول:

«خلص آخرين، فليخلص نفسه إن كان هو المسيح مختار الله!» والجند أيضا استهزأوا به وهم يأتون ويقدمون له خلا، قائلين: «إن كنت أنت ملك اليهود فخلص نفسك!»

(إنجيل لوقا ٢٣: ٣٥-٣٧)

ونفس الكلام يقوله عن 23: 43:

فقال له يسوع: «الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس»

(إنجيل لوقا ٢٣: ٤٣)

ورأيه هنا أن هذا الجزء من L أيضًا، بناءً على اختلافه عن استخدام لوقا في خمسة مواضع أخرى، اُستخدم فيها الحق أقول لكم بصيغة الجمع، لكن في هذه النقطة استخدمها بالمفرد.

الحقيقة أن هذه النقطة ضعيفة، ويمكن تفسيرها بالسياق؛ فهو هنا يكلم شخصًا مفردًا، بينما في المواضع الخمسة الأخرى يكلم التلاميذ فيكلمهم بصيغة الجمع. في رأيي، الجزئية الثانية بخصوص 23: 43 ليست دليلًا على وجود مصدر مختلف. لكن في المجمل، هناك رواية للآلام تسبق رواية لوقا، وتغطي جزء القبض على يسوع، وهو الجزء الذي اشتغل عليه سوردز حتى موته، والذي شرحه فيتزمير.

مصادر الآلام لسفر أعمال الرسل

لأن الساكنين في أورشليم ورؤساءهم لم يعرفوا هذا. وأقوال الأنبياء التي تقرأ كل سبت تمموها، إذ حكموا عليه. ومع أنهم لم يجدوا علة واحدة للموت طلبوا من أن يقتل. ولما تمموا كل ما كتب عنه، أنزلوه عن الخشبة ووضعوه في قبر.

(أعمال الرسل ١٣: ٢٧-٢٩)

لاحظ أن هذا النص غريب، لأنه يقول إن اليهود هم الذين أنزلوا يسوع من على الصليب، وهم الذين دفنوه. يستنتج كروسان هنا أنه يوجد صيغة قديمة وراء هذا النص، تقليد أقدم يحكي أن الذين استلموا جسد يسوع ودفنوه هم أنفسهم الذين حكموا عليه وصلبوه، أو كما يسميها دُفن بأيدي أعدائه [7].

هناك كثير من الباحثين يرون أن هذا التفسير غير صحيح، مثل وكريج كينر، وكذلك إرنست هينشن الذي يناقش كروسان نقده في الكتاب. خلاصة رأيهم أن الصيغة الواردة في سفر الأعمال صيغة كرازية ومختصرة للغاية. لكن كروسان يطرح سؤالًا مهمًا، ولا أعتقد أن له إجابة واضحة: إذا كان الأمر مجرد اختصار، فلماذا لم يذكرها بولس في سفر الأعمال بصيغة المبني للمجهول كما ذكرها في كورنثوس الأولى 15: 4 [8]، بدلًا من استخدام صيغة قد توصل لمعلومة خاطئة تمامًا؟ ثم يختتم كروسان كلامه قائلًا إنه من الممكن على الأقل أن يكون النص يعكس صيغة إيمانية أقدم وضعها لوقا على لسان بولس في سفر الأعمال.

أيضًا يُبدي جوزيف فيتزمير نفس الملاحظة في تفسيره ويقول إن في الأناجيل الأشخاص الذين يُنسب إليهم صلب يسوع ليسوا هم الذين يُنزلون جسده من على الصليب، لكنه لا يُعلِّق أكثر من ذلك ولا يُحلِّل الموضوع، ويكتفي فقط بذكر أن هذا يختلف عن التقاليد الموجودة في الأناجيل [9].

كروسان أيضًا يربط النص بإنجيل بطرس، الذي سنذكره لاحقًا، لأن إنجيل بطرس أيضًا يقول إن الذين دفنوا يسوع هم أعداؤه كإطاعة للوصية الموجودة في تثنية 21: 22-23 [10]، وبالتالي في رأيي لو أن إنجيل بطرس ليس مُعتمدًا على الأناجيل الأخرى، ولو أن النص الموجود في أعمال الرسل قديم فعلًا، فإننا أمام شهادة أقدم بكثير حتى من مصدر الآلام الموجود في مرقس، شهادة يُمكن أن تكون ترجع إلى زمن الحدث نفسه قبل حتى ظهور قصة يوسف الرامي في الأوساط المسيحية.

بطبيعة الحال الموضوع مُركَّب ومعقد والخلاف حول إنجيل بطرس كبير، ويوجد نقاش حول عدد طبقاته وما إذا كان فيه طبقة أقدم وتمت إضافة طبقة أحدث إليها متأثرة بالأناجيل القانونية يظهر فيها يوسف الرامي. لكن عامةً يظل سؤال كروسان منطقيًا جدًا، لماذا لو أن كاتب أعمال الرسل يُريد اختصار عظة بولس يختصرها بشكل مخل وخاطئ بدلًا من اختزالها باستخدام المبني للمجهول؟

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. James Tabor, The Jesus Dynasty: The Hidden History of Jesus, His Royal Family, and the Birth of Christianity, 2007, p.230 [🡁]
  2. Ulrich Luz, Hermeneia: Matthew 21-28: A commentary. Translation of: Das Evangelium nach Matthaus, Vol. 3 [🡁]
  3. كانت علي يد الرب، فأخرجني بروح الرب وأنزلني في وسط البقعة وهي ملآنة عظاما، وأمرني عليها من حولها وإذا هي كثيرة جدًا على وجه البقعة، وإذا هي يابسة جدًا. فقال لي: «يا ابن ، أتحيا هذه العظام؟» فقلت: «يا سيد الرب أنت تعلم». فقال لي: «تنبأ على هذه العظام وقل لها: أيتها العظام اليابسة، اسمعي كلمة الرب: هكذا قال السيد الرب لهذه العظام: هأنذا أدخل فيكم روحا فتحيون. وأضع عليكم عصبًا وأكسيكم لحمًا وأبسط عليكم جلدًا وأجعل فيكم روحًا، فتحيون وتعلمون أني أنا الرب». فتنبأت كما أمرت. وبينما أنا أتنبأ كان صوت، وإذا رعش، فتقاربت العظام كل عظم إلى عظمه. ونظرت وإذا بالعصب واللحم كساها، وبسط الجلد عليها من فوق، وليس فيها روح. فقال لي: «تنبأ للروح، تنبأ يا ابن آدم، وقل للروح: هكذا قال السيد الرب: هلم يا روح من الرياح الأربع وهب على هؤلاء القتلى ليحيوا». فتنبأت كما أمرني، فدخل فيهم الروح، فحيوا وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جدًا جدًا. ثم قال لي: «يا ابن آدم، هذه العظام هي كل بيت إسرائيل. ها هم يقولون: يبست عظامنا وهلك رجاؤنا. قد انقطعنا. لذلك تنبأ وقل لهم: هكذا قال السيد الرب: هأنذا أفتح قبوركم وأصعدكم من قبوركم يا شعبي، وآتي بكم إلى أرض إسرائيل. فتعلمون أني أنا الرب عند فتحي قبوركم وإصعادي إياكم من قبوركم يا شعبي. وأجعل روحي فيكم فتحيون، وأجعلكم في أرضكم، فتعلمون أني أنا الرب تكلمت وأفعل، يقول الرب». (حزقيال 37: 1-14) [🡁]
  4. Donald Senior, Matthew's Special Material in the Passion Story, 1987 [🡁]
  5. , The Passion According to Luke: The Special Material of Luke 22, UNKNO, 1988, p.15 [🡁]
  6. Joseph A. Fitzmyer, The Gospel According to Luke X-XXIV: Introduction, Translation, and Notes. New Haven; London: Yale University Press, p.1500 [🡁]
  7. John Dominic Crossan, The Cross That Spoke: The Origins of the Passion Narrative, HarperCollins, 1988, p.240 [🡁]
  8. وأنه دفن، وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب، (كورنثوس الأولى 15: 4) [🡁]
  9. Joseph A. Fitzmyer, The Gospel According to Luke X-XXIV: Introduction, Translation, and Notes. New Haven; London: Yale University Press, p.515 [🡁]
  10. وإذا كان على إنسان خطية حقها الموت، فقُتل، وعلّقته على خشبة، فلا تُبِت جثته على الخشبة، بل تدفنه في ذلك اليوم، لأن المعلق ملعون من الله. فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا. (سفر تثنية الاشتراع 21: 22-23) [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ أقوال المؤرخين في صلب يسوع[الجزء السابق] 🠼 الصلب ومعايير الأصالة التاريخية
چون إدوارد
‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎