
- لماذا التاريخ ولدينا النبوات؟
- ما قيمة آباء الكنيسة في البحث التاريخي؟
- الصلب ومعيار الحرج
- مناقشة يوسيفوس فلاڤيوس
- بابليوس كورنليوس تاسيتوس
- الصلب ومعايير الأصالة التاريخية
- ☑ مصدر الآلام لإنجيل مرقس
في بداية كتابه الثاني، لخَّص لوقا كتابه الأول، وقدم لنا مفتاحًا لقراءته.[1]
لم يذكر لوقا الموت، ولكن ذكر فقط حياة يسوع وما ملأها، أي العمل والتعليم، تحديدًا أعمال وتعليم ‘المُعَلّم'[2]
هذا لا يعني أن موت يسوع غائب. على النَّقيض، جمِيع المُحاورات في سفر الأعمال، التي نادى بها الرسل، تشير إلى هذه النّهاية المميتة [أيّ الصَّلب]، ولكنَّهم لا ينسبونها ليسوع نفسه أو لله. ولا ينسبونها للطَّبيعة أيضًا، ولكن للحقد الإنسانيّ وحده. [3]
لا شيء -أو تقريبًا لا شيء- يشير إلى أنه هناك [لموت يسوع] قيمة خلاصيَّة.[4]
لم تكن هناك حاجة لذكر صَلب يسوع، لأنه لم يكن أحد ينكر تلك الحقيقة الواضحة. من البداية كان ليسوع الحق في أن ينال مساندة إلهية من خلال وجود الرُّوح القدس، ولكن جائته النهاية، كما هو حال أيّ إنسان، بالألم حتَّى لفظ أنفاسه الأخيرة.[5].(فرانسوا بوڤون، العهد الجديد والأسفار غير القانونية)
بعد أن تكلَّمنا عن معيار الشهادات المتعدِّدة، سنطبِّق هذا المعيار على المصادر المتاحة: لدينا شهادتان مستقلَّتان بالكامل: شهادة يوسيفوس فلاڤيوس وشهادة بابليوس كورنليوس تاسيتوس. ومن داخل دائرة النصوص المسيحية، لدينا نصوص قانونية ونصوص غير قانونية. النصوص القانونية التي تذكر موت يسوع، ويمكننا أن نقول عنها مستقلة، أو ليست بالضرورة مستقلة بالكامل، ولكن على الأقل مستقلة باحتوائها على مصادر أخرى في جزئية الآلام والصَّلب، هي ما يلي:
- مصدر الآلام في مرقس.
- المصدر L.
- المصدر Q.
- إنجيل يوحنا.
- شهادة بولس.
- أعمال الرسل.
- رسالة العبرانيين.
ومن المصادر التي خارج النصوص القانونية:
- إنجيل بطرس.
- إنجيل توما.
ولكن لاحظ أن Q وتوما لا يتضمَّنان تصريحًا بحدث الصلب، ولكن فيهما إشارات توحي بأن كاتب النص يعرف بالصلب، وسنرجع إليهما بالتفصيل في الأجزاء القادمة.
قبل الدخول في تفاصيل النصوص والمصادر، يجب علينا أن نتفهّم أن كاتبي نصوص العهد الجديد هم بنظر التأريخ: مؤرخون، أي مؤلفون ومحررون لنصوصهم وصياغاتهم للأحداث، بالإضافة إلى أنهم قاموا بتركيب أجزاء من نصوصهم من خلال جمعهم لنصوص أقدم، أي أنهم ليسوا مجرد أشخاص أمسكوا بقلم وكتبوا نصًا من بدايته لنهايته. بل كانت لديهم مصادر وتقاليد قديمة وعالجوها بطريقة أدبية. أحيانًا تم ذلك على مرحلة واحدة، وأحيانًا على عدد أكبر من المراحل، مع إجراء تعديلات طفيفة في بعض الأحيان وتعديلات كبيرة جدًا في أحيان أخرى.
دراسة هذا الموضوع شديدة التعقيد، وتتطلب قراءة مكثفة لفهم كيفية مقارنة النصوص التاريخية وإعادة بناء المصادر لتكوين التصّور عن الماضي. وبالطبع، لا يمكننا تغطية هذا الموضوع في هذه السطور القليلة. يمكن القول إننا سنناقش الفكرة وبعض المصادر، وعليك بذل الجهد للقراءة أكثر عما نطرحه للنقاش. كمثال على كون كاتبي النصوص كانوا جامعين لنصوص أقدم، نذكر أن متى ولوقا استخدما مرقس، وهذه فكرة ثابتة ولا يوجد عليها خلاف في الأوساط الأكاديمية الآن. وينطبق الأمر نفسه على Q، ولكن مع اتفاق أقل.
مصدَر الآلام في إنجيل مرقس
باعتباره أقدم الأناجيل، يعلق چويل ماركوس على وحدة الآلام في مرقس من إصحاح 14: 1 إلى 15: 47 بأن الأناجيل هي روايات آلام ذات مقدمات طويلة
. ويقدم أمثلة بأن إنجيل مرقس، على سبيل المثال، من بدايته يعمل على تقديم فكرة أن يسوع سيموت [6]. ويرى أن مرقس على الأرجح استخدم مصدرًا أقدم وكان مرتبًا بشكل محدد، لكن مرقس أضاف وغيّر بعض التفاصيل لتناسب رؤيته وأهدافه، وبالتالي، لدينا مصدر قبل مرقس يتكلم عن آلام يسوع وموته. [7].
أغلب الدارسين بالفعل يعتقدون أن مرقس في كتابته لرواية الآلام يعتمد على مصدر أقدم [Pre-Markan] للآلام، تم تسليمه على مر الزمان في الكنيسة، سواء في صورة شفهية أو مكتوبة.(چون ماركوس، مجمع تعليقات جامعة يل على الكتاب المقدس)
نفس الأمر طرحه ماريون سوردز في ورقة بحثية [8] توصل فيها إلى إن الخلاف بين الدارسين ليس حول ما إذا كان مرقس اعتمد على شيء أقدم أم لا، بل حول ما إذا كان اعتمد على مصدر كامل متكامل ونقله كوحدة واحدة، أم على تقاليد قديمة منفصلة وجمعها في رواية الآلام [9].
يعرض سوردز جدولًا يحصر فيه آراء الباحثين بخصوص المصدر السابق لمرقس. وسأجمع لك هنا الأسماء لتتمكن من الرجوع إليها، ولكي تعرف أن هذا ليس طرحًا فرديًا ولا فكرة شاذة. والآراء التي سأعرضها لك تحديدًا تتعلق بنص مرقس 15: 24 الذي يذكر صلب يسوع، وبعده سأعرض لك مرقس 15: 37 الذي يذكر موت يسوع.
أسماء من اعتبروا النص في مرقس 15: 24 من مصدر قبل مرقس: Anderson، Buckley، Bultmann، Czerski، Dibelius، Dormeyer، Ernst، Johnson، Klostermann، Lane، Lightfoot، Lührmann، Myllykoski، Nineham، Peddinghaus، Pesch، Pryke، Schenk، Schenke، Schille، Schmithals، Schreiber، Schweizer، Scroggs، Taylor. كل هذه الآراء قالت إن هناك مصدرًا أقدم للنص استخدمه مرقس. واحد فقط منهم قال إن هذا المصدر منفصل عن مصدر الآلام الذي استخدمه مرقس (قال Schille إن هناك مصدرين للآلام عند مرقس)، لكن الأغلبية قالت إنه كله مصدر واحد استخدمه مرقس في الآلام.
أسماء من اعتبروا النص في مرقس 15: 37 من مصدر قبل مرقس: Anderson، Czerski، Dibelius، Dormeyer، Ernst، Grant، Johnson، Lane، Lightfoot، Lohse، Lührmann، Myllykoski، Nineham، Peddinghaus، Pesch، Pryke، Schenk، Schenke، Schille، Schmithals، Schreiber، Schweizer، Scroggs، Taylor. هذه الآراء كلها قالت إن هناك مصدرًا أقدم للنصّ استخدمه مرقس. أربعة منهم قالوا إن هذا المصدر مصدر منفصل عن مصدر الآلام الذي استخدمه مرقس (وهؤلاء الأربعة هم Myllykoski، Schenke، Schille، Schreiber)، لكن الأغلبية قالت إنه كله مصدر واحد استخدمه مرقس في الآلام.
وسواء قال الدارسون إن هناك مصدرًا واحدًا أو أكثر، ففي كل الأحوال، اعتمد مرقس على مصدر أقدم منه لآلام يسوع وصلبه وموته. بالتالي، أيًا كان تاريخك لمرقس، سواء أخذت بتاريخ شخص مثل James Crossley وأرجعت النص إلى وقت مبكر جدًا مثل سنة 41م، أو تبنيت التاريخ الذي يتفق عليه أغلبية الدارسين، وهو ما بين 68 إلى 70م، فقصة الآلام والصلب والموت سابقة على التاريخ الذي ستختاره.
في ختام الملخص الذي أعده ماريون سوردز، يضرب مثالًا جيدًا يدلل به على وجود مصدر سابق لمرقس.
وصف يهوذا في مرقس ١٤: ٤٣ بكونه[10]يهوذا، واحد من الإثني عشرهو أمرٌ مُلفتٌ للنظر. هل يحتاج القارئ إلى هذه المعلومة؟ لا! يذكر مرقس اسم يهوذا مرتين [٣: ١٩ و ١٤: ١٠]، وفي وقت لاحق في ١٤: ١٠ يصف يهوذا الإسخريوطي كواحد من الإثني عشر!؟ على الرغم من دقة وصف أسلوب مرقس بالتكرار في بعض الأحيان، ليس من الإنصاف القول إن إنجيل مرقس يتميز بهذا النوع من التكرار غير الضروري كما في ١٤: ٤٣. التفسير الذي يوضح هذا التكرار في ١٤: ٤٣ بأفضل طريقة ممكنة هو أن مرقس يستخدم مصدرًا ما. بدون الأجزاء السابقة من إنجيل مرقس، سيحتاج القارئ إلى تلك المعلومة عن يهوذا. […] كل من طريقة كتابة اسم يهوذا ووصفه في ١٤: ١٠، وتكرار المعلومات غير المفيدة في ١٤: ٤٣، يرجح أن مرقس يستخدم مصدرًا للجزء اللاحق. […] يمكننا أن نستنتج باطمئنان أن مرقس يعتمد على مصدر أقدم في كتابة رواية الآلام، لكننا نعرف أن هذا المصدر كما هو في مرقس.(ماريون سوردز، إشكالية رواية آلام المسيح قبل مرقس)
يكمل سوردز بعد ذلك ويؤكد على أنَّ وجود المصدر لا يعني أننا نستطيع فصله بوضوح عن التَّحرير الذي قام به مرقس للنص، وأنها مسألة معقدة جدًا لأننا لا نعرف النص إلا من مرقس، وكل ما تبقى منه مجرد آثار. المهم هنا أن مرقس ليس هو مصدر القصة، فلم يؤلفها من عنده ولم يخترعها. هو ناقل لقصة أقدم، ربما يكون قد طوَّرها، وربما يكون قد أضاف إليها تفاصيل أو أجزاء جمعها من مصادر أخرى، لكن في كل الأحوال قصة الآلام وموت يسوع هي أقدم من مرقس.