تحدثت منذ أيام عن القرارات الجديدة التي صاغها الأنبا بولا بمطرانية طنطا حول تفتيش النساء قبل الدخول بواسطة الأمن النسائي، والتأكد من طول الملابس وعرضها، حتى لا يقع أي شاب مسكين في العثرة. كما كتبت الزميلة سارة مقالًا عن الموضوع نفسه قائلة: إن تلك القرارات جعلتها تلعن جنسانيتها بل وتراجع نفسها في فكرة الانتماء للكنيسة من الأساس! فالقرارات قد أثارت حفيظة الكثيرين وذكرتنا بإسلام آباد أو أفغانستان، أيهما أقرب. لكن، لا تنزعج عزيزي القارئ. طنطا ليست الأسوأ؛ فهناك أماكن تحمل اسم المسيح وتمنع دخول المرأة مطلقًا، من أشهرها جبل آثوس.
للفضيلة درجات ومراتب، وهذه الأماكن تفوقت على المتطرفين وحسمت الأمر، وضربت فكرة السقوط في العثرة في مقتل. فتفتيش النساء وحثهم على تغطية الجسد ليس كافيًا؛ لأن بعض الشباب ينجذب للمرأة المستترة ويفضلها على غيرها. أتذكر ذلك المشهد للممثل “لاري ديفيد” في مسلسل Curb Your Enthusiasm حين قال للفتاة التي حاولت إغرائه إنه قد مل من تلك الملابس القصيرة، ويريد بعض الغموض وطالبها بارتداء الملابس المحتشمة كنصيحة لها لتحسين مسارها الوظيفي مع الرجال. وبالفعل، تبدأ الفتاة الأمريكية في ارتداء الفساتين الطويلة والبناطيل الواسعة، وتزدهر تجارتها كبائعة هوى. وقد روى البابا شنودة الثالث قصة شبيهة عن الفتى الراهب الذي رأي في أول مرة خرج فيها من الدير: امرأة تغطي وجهها وجسدها بالكامل، وظل يفكر فيها وتسأل عن شكلها! ففكرة تفتيش النساء ليست هي الحل الأقوى. ماذا لو كان عطر المرأة شديد الجاذبية؟ عيناها؟ إلى أخره.
لذلك، منع رهبان جبل آثوس -وهو دير للرهبان الأرثوذكس باليونان- زيارة المرأة ودخول إناث الحيوانات (لأن الحرص واجبًا). يخلو الدير من جميع الحيوانات والطيور التي شاء لها القدر أن تولد إناثا مثل الدجاج والبقر. لكن، لم يستطع الرهبان منع الحشرات والعصافير المؤنثة متعللين باستحالة الأمر. لكنهم قد فكروا في منعهم، وفشلوا. وبالطبع، سيقدر الله تعبهم وجهادهم بغض النظر عن النتيجة. أسمعك يا من تتهامس ضاحكًا، وتسخر من قداسة الرهبان.
يعتبر بعض الأطباء النفسيين، الدير، أرضًا خصبة لدراسة الأمراض النفسية والعقد الفرويدية المتعلقة بتشوه صورة الأم لدى الإنسان، وما ينتج عنها من احتقار لجنس المرأة والزواج (Mother Figure/ Attachment Disorder). لذلك، شرع بعض الأطباء في دراسة تلك الظاهرة نفسيًا. وقضت الفيلسوفة والصحفية الفرنسية “ماريز تشويسي” شهرًا في ذلك الدير متخفية في زي رجل وكتبت كتابها الاستقصائي “شهرًا وسط الرجال”. فلا توجد أي نساء على مقربة 500 متر من الساحل المحيط بالدير، وإذا دخلت إحداهن، تُطرد وتُعاد الصلوات من بدايتها. وفي عام 2008، ألقى بعض المهربون أربع نساء في تلك البقعة، وفروا. وسرعان ما ألقى الرهبان القبض عليهن ليدخلن في نوبة من الذعر والاعتذار للرهبان لجهلهن بالمكان ولوقوعهن بالخطأ على أرضه.
يقول “جراهام سبيكي” صاحب كتاب “جبل آثوس: الجنة المتجددة” إن هذا هو أفضل حل وجده الرهبان لضمان العزوبة والبتولية. ولدى الرهبان تقليد يقول إن السيدة العذراء قد خرجت عن مسارها عندما كانت تحاول الإبحار إلى قبرص وهبطت على جبل آثوس. وقد أحبت ذلك المكان كثيرًا لدرجة أنها صليت لابنها أن يمنحه لها. لذلك، قرر الرهبان منع جميع الإناث لكي تبقى العذراء مضيئة وحدها، لا تسرق أي أنثى أخرى الضوء منها! لكن، لم يوضح “سبيكي” كيف يمكن أن تسرق دجاجة الضوء من السيدة العذراء! وهل منح المكان لها يلزمه كل هذا؟ وهل ما يفعله هؤلاء الرهبان يسر العذراء أو يسر أي إنسان عاقل؟ ولماذا يكون هذا هو السبيل الوحيد لضمان البتولية؟ هل الرهبان ضعفاء لهذا الحد حتى يفقدوا بتوليتهم بسبب تردد النساء إلى الدير؟ ألا يهين ذلك التصور الرهبان ويطعن في قداستهم وفي الرهبنة؟ لم يكن “يوسف الصديق” راهبًا، ولم يختر الانعزال وسط الجبال الخضراء للتفرغ لمحاربة الشياطين، بل عاش في قصر “فوطيفار” وسط الجواري والنساء الجميلات وزوجة “فوطيفار”. لكنه، لم يكن بهذه الهشاشة على الرغم من صغر سنه. كما يرى البعض أن هذا التقليد المزعوم ما هو إلا تمحك فارغ في السيدة العذراء للتغطية على أصول شريرة تكمن في النفس. ناهيك عن مصدر هذا التقليد من الأساس! فكيف نعرف أن العذراء قد أعجبها آثوس وصلت هذه الصلاة. من سمعها وهي تصلي؟
بالنسبة للحيوانات، فقد التزموا هم أيضًا بالعزوبة. فلدينا قطط ذكور كثيرة بالدير، وقد نسوا أمر الزواج مثل الرهبان.(جراهام سبيكي، جبل آثوس: الجنة المتجددة)
امنعوا الضحك. فما أجمل هذا المكان الذي أنسى القطط غرائزها وجعلها تقبل نعمة التبتل في سرور؟ هذه هي الجنة فعلا! أما عن منتجات الألبان التي يطعمها الرهبان للقطط المترهبنة، فيقوم رهبان الدير بشرائها من الخارج لعدم وجود أبقار ودجاجات في الدير.
وكل هذا العناء ما هو إلا حب وإجلال للسيدة العذراء، وليس كره أو نكاية في المرأة والجنس بشكل عام لا سمح الله.
عمومًا، نشكر مطرانية طنطا لسماحها لنا كنساء بالدخول إلى كنائسها، راجين الله ألا تتمادى في الفضيلة أكثر من ذلك حتى لا نصبح مثارًا للسخرية والاستهزاء مثل جبل آثوس وتأتي نساء غربيات مارقات من أقاصي الأرض لإجراء الأبحاث والتجارب النفسية علينا وكتابة كتب ساخرة مثل: “مغامرة مع الأمن النسائي” .. “شهرًا وسط الطنطاويين”.. “كيف دخلت مارجرجس طنطا بلا إيشارب”.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟