سمعنا جميعا عن هذا المكتوب، وهو بالتأكيد احد اشهر الرسائل في التاريخ، وكيف كان هذا الكتاب أساس الشر كله الذي حاق ب فأفقدها وحدتها وسلامها، وما أن يذكر بيننا حنى نستمطر اللعنات عليه وعلي كاتبه.

سمعنا عن الضحايا الكثيرة لهذا الكتاب، من ثلاثين ألف شهيد قبطي رفضوا هذا الطومس (لا اعلم إن واتتهم الفرصة لقراءته وفهم مواطن عواره)، عين القديس صموئيل المعترف، وشعر لحية معلمنا ديسقوروس وأسنانه.

ولكن الغريب أن أحدا لم يشرح لنا الطومس وما نأخذه عليه، هل قرأ احد لكم فقرات من الطومس وقام بتفنيدها؟؟ شارحًا الزلل الذي انحدر إليه الكاتب، لم يحدث معي علي الأقل.

وهو أمر يدعو للاستغراب، كيف لا يحفظ تلميذ الصغير فقراته، ويكون قادرا علي دحضها؟

لنبدأ الحكاية مبكرًا قليلًا، كان أول ظهور رسمي لهذا الطومس هو في 449 ميلادية، وهو المجمع الذي كان يفترض به أن يكون المسكوني الرابع، ولكن الجميع غسل يده منه، حتي كنيستنا، صاحبة الهيمنة في هذا المجمع، نفضت تراب حذائها منه، في تصرف لا أفهمه ولا أراه مبررًا.

كان أبرز المآخذ علي إدارة معلمنا ديسقوروس لهذا المجمع هو “تجاهله” لهذا الطومس، وعدم قراءته في جلسات المجمع، وهو ادعاء لا يجد ما يسنده من جلسات المجمع، والرجل قال في خلقيدونيا أنه طلب قراءته مرتين، ولم تتم القراءة لظروف خارجة عن إرادته.

يعوزنا هنا رسم خريطة للنار تحت الرماد التي كانت تعصف بالكراسي الرئيسية علي أثر المجامع والتفاعلات السابقة.

كان الخلاف اللاهوتي السكندري / الأنطاكي مستعرًا منذ أمد طويل، حتي هذه النقطة من الزمن كانت جميع الهرطقات -المؤثرة- هي نتاج “أنطاكيا” حتي “” الذي يعرف بأنه قس سكندري، كان خريجًا لأنطاكيا ومدرستها، وكانت الانتصارات السكندرية باهرة ولافتة ولكنها ليست سهلة، كانت تستلزم حصافة بالغة من بطاركة الإسكندرية لكسب تأييد الجميع، السلطة الإمبراطورية المدنية، والأهم كرسي “روما”.

كان التناغم بين روما والإسكندرية هائلًا، وكانت روما خير داعم للإسكندرية وبطاركتها في كل النزاعات اللاهوتية، ولولا هذا الدعم ما انتهى مجمعي نيقية وأفسس نهايتهما الحالية.

في أفسس الثاني خسرت الإسكندرية حصافتها المعهودة، فمن ناحية لم تشاور روما وتحشد دعمها، ثم أتي التجاهل “المزعوم” للطومس ليطيح بكل تقارب تاريخي بين الكرسيين، في وجود شخصية مثل “” علي .

ومن ناحية أخرى، جاء التصرف غير المحسوب للإسكندرية بقطع بابا القسطنطينية “فلافيان” ليصبح الثالث علي التوالي المقطوع بيد باباوات الإسكندرية، وزيد ابتلال الطين برئاسة رسامة بطريرك جديد للقسطنطينية وكان راهبًا سكندريا.

الأمر الذي أثار جنون الجميع، الأسرة الامبراطورية التي تري إهانة بالغة لكرسيها، وباقي الكراسي التي كانت تشيع عن رغبة سكندرية في الهيمنة فوجدتها واقعا، أصبحت النار أيضا واقعا، تنتظر هبة هواء لتنشب في الجميع.

نعرج هنا علي شخصية “لاون” الرجل الذي ورث تراثا يجعله الأول كنسيًا علي كل المسكونة، ولكنه لم يكن خبيرًا بالخلاف اللاهوتي السكندري / الأنطاكي، فمال إلي الطرف الذي يراسله و يمالئه، دون ترو في ظل تجاهل تام من الإسكندرية، بل ربما ما اعتبره إهانة.

الرجل كوفئ باعتباره قديسًا كبيرًا، من مدرسة أنطاكيا اللاهوتية، كيف لا وهو من كرس لهم انتصارًا حاسمًا ونهائيًا علي الإسكندرية العدو اللدود.

فماذا عن الطومس نفسه؟

المتاح هو الحديث عن ترجماته، الانجليزية [1] والعربية [2]، فلا علاقة لي باللاتينية. والطومس يبدو لي ركيكًا لاهوتيًا، ليس به فكرة واحدة لامعة، وربما يعود ذلك إلي الفقر البنيوي للاتينية نفسها، ربما يعجبك فقط هذه الجملة: وكونه اتخذ لنفسه نصيبًا من أمراضنا لم يجعله مشاركًا لنا في خطايانا وهي جملة تشي بالفهم الصحيح لكاتبه عن جسد الأقنوم، علي عكس بعض أساقفتنا المعاصرين.

الرجل يكتب وفي ذهنه الطبيعة الوحيدة ال كما نقلت له، أن اللاهوت قد ابتلع الناسوت فلم يعد الأخير حاضرا، ولم يعد هناك اتحاد أصلا (ولا يفوتني التنويه أن أوطاخي لم يقل هذا، قدم الرجل فهما لاهوتيًا غير ناضجًا فعلا ولكنه لم ينزلق لهذا) فكان لزاما عليه التركيز علي سلامة الطبيعتين -اللتان تكون منهما الأقنوم- وديناميكية كل منهما ولكنه لم يفعل ذلك بالحرفية الكافية، ودون الأخذ في الاعتبار حساسية ما بعد “أفسس” لدي السكندريين والأنطاكيين

ولنقرأ معا هذه الفقرات:

أعنى أن الكلمة يقوم بما يختص بالكلمة، والجسد يقوم بما يختص بالجسد. الواحدة تسطع بالعجائب والأخرى تخضع لأنواع الأذى

الذي يكيد هيرودس لقتله هو كالبشرية في مهدها. والذي يبتهج المجوس بعبادته ساجدين له هو رب الكل

ولا يمكن أن ينسب إلى طبيعة واحدة أن تبكي بشعور الحزن على صديق مات، وأن ينسب إليها هي نفسها إقامته بصوت الآمر وإعادة الحياة إليه بعد إزاحة الحجر الكبير عن باب القبر حيث انقضى على الميت فيه أربعة أيام

فقرات هذه سيراها السكندريون نكوصا عن إيمان الكنيسة الجامعة الذي استقر في “أفسس” بعناء كبير، وعودة إلى النسطورية وخطورتها، وهم لم يكونوا على خطأ، ف نفسه -من منفاه- رحب بالطومس وتوجهه، أما تلاميذه ومشايعوه في مدرسة أنطاكيا فقد تلقفوا هذا الطومس كطوق نجاة، وكانتصار لرؤيتهم التي منيت بهزائم قاسية في أفسس وحتي في المصالحة بين كيرلس و يوحنا.

خاتمة أولى: كان الطومس بين يدي معلمنا ديسقوروس ربما من قبل أفسس الثاني ولمدة عامين قبل انعقاد خلقيدونيا، وأحار كثيرًا لماذا لم يبادر إلى مناقشته وتصحيحه مع لاون، قبل أن نصل لنقطة الانفجار في خلقيدونيا.

خاتمة أخيرة: لدينا بطريرك انزلق في عبارات يمكن تصنيفها أنها اكثر نسطورية مما قاله لاون، و لا يزال يعتبر مرجعًا لكل تعليم كنيستنا.

 

هوامش ومصادر:
  1. Early Church Text: “The Tome of Leo” – A very influential text in the development of the understanding of the person of Christ [🡁]
  2. كنيسة الأقباط الكاثوليك: نص رسالة القديس لاون الكبير لمجمع خلقدونيا سنة 451. [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

رجائي شنودة
[ + مقالات ]