المقال رقم 17 من 19 في سلسلة ملكوت الله سيمتد

كما تعلمنا على مر الأجيال في كنيستنا الأرثوذكسية العريقة أن نتبع آثار آباء وبطاركة ورجال الله في الكتاب المقدس وفي تاريخ الكنيسة المعاصر، فها نحن هنا نستكشف معًا أثر الأربعة البطاركة العظام في سفر التكوين بدايةً من إبراهيم وإسحق مرورًا بيعقوب أو إسرائيل إلى أن نصل إلى يوسف. وأعمالًا بالوصية التي تقول: اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله. انظروا إلى نهاية سيرتهم، فتمثلوا بإيمانهم [1].

وإذ نحن نتتبع أثر أحد البطاركة العظام الذي نبش آبار أبيه واكتشف أنه قد رحب الله به، كما جاء في سفر التكوين [2]:

فعاد إسحاق ونبش آبار الماء التي حفروها في أيام إبراهيم أبيه، وطمها الفلسطينيون بعد موت أبيه، ودعاها بأسماء كالأسماء التي دعاها بها أبوه. ثم نقل من هناك وحفر بئرا أخرى ولم يتخاصموا عليها، فدعا اسمها «رحوبوت»، وقال: «إنه الآن قد أرحب لنا الرب وأثمرنا في الأرض».

(تكوين ٢٦: ١٨، ٢٢)

أنه أبونا إسحق الذي نبش آبار الماء التي كان قد حفرها أبوه إبراهيم وطمرها الفلسطينيون. وهنا لا نحكي عن تاريخ، ولكن كلمة الله تخبرنا بشيء أعمق من التاريخ، أنه نبش في أعماق الكلمة ليكشف لنا الروح القدس اتساع ورحب الوصية. وأيضًا تخبرنا ماذا يريد أن يعلنه لنا وما أكثر الآبار التي طمرها وردمها العدو التي قد حفرها لنا الآباء، سواء في الكتاب المقدس أو في تاريخ الكنيسة. آبار تحمل لنا الكثير من تعاليم الآباء وتكشف لنا مدى السلطان المعطى لنا والذخائر المذخرة في كلمة الله الحية الفعالة. كما تذكرنا الكلمة المقدسة أنها: بئر حفرها رؤساء، حفرها شرفاء الشعب، بصولجان، بعصيهم [3].

فها نحن سويًا نحفر بئرًا جديدة في مسيرتنا، وهي مسيرة ملكوت الله سيمتد!

إنها بئر العهود، أو العهد. وإن كانت كلمة “العهد” ارتبطت في أذهاننا بالعهد القديم والعهد الجديد على أنها كناية عن أسفار الكتاب في العهد القديم [Old Testament] وأسفار الكتاب المقدس في العهد الجديد [New Testament]، فهذا ارتباط غير دقيق، لأن الاختلاف في الترجمة من لغة إلى أخرى يوضح ذلك ببساطة. فكلمة “العهد” تُترجم في اللغة الإنجليزية إلى Covenant.

إذن فماذا تعني كلمة “العهد”؟!

العهد هو اتفاق محدد أو معاهدة أو ميثاق أو تحالف يُبرم بين طرفين. ويمكن أن يُحدد بمدة زمنية محددة، أو أن تكون مدة العهد قائمة بدوام الطرفين على أن لا ينقض أحد الطرفين العهد. إذن، يظل العهد قائمًا ما دام كل طرف ملتزم بما ورد في العهد. وإذا خالف أحد الطرفين بنود العهد، يُعتبر هذا الإخلال بمثابة إخلال بكل بنود العهد، ويصبح العهد لاغيًا غير قابل للتجديد.

لكن هناك تعبير باللغة العبرية «عاد عولام»، وهو يعني حتى الأبد أو إلى الأبد. وغالبًا ترتبط هذه الكلمة بكلمة العهد، وثمة عهود كثيرة في الكتاب المقدس مرتبطة بهذه الكلمة، سيأتي الحديث عنها في سياقها. لذا أود أن أشير في بداية دراستنا للعهود في الكتاب المقدس أننا لن نقدم دراسة أكاديمية عميقة، لكن ما نوده هنا أن ينبِّش لنا الروح القدس كل آبار طُمرت، ويفتح عيون أذهاننا إلى أن الكتاب المقدس الذي بين أيدينا هو وثيقة عهد قائم بينك وبين الله، وضامن هذا العهد أن الله أبدي أزلي لا يتغير، وهو من قال قطعت عهدًا مع مختاري، حلفت لداود عبدي: « […] لا أنقض عهدي، ولا أغيِّر ما خرج من شفتي» [4].

أيضًا نود أن نؤكد على أن الكتاب المقدس هو ليس كتابًا للاطلاع والمعرفة الذهنية الدينية… إذ أن كل فكرة رئيسية في الكتاب المقدس مرتبطة بطريقة أو بأخرى بالعهد، وأي فكرة لا ترتبط بالعهد فهي فكرة دينية. وسآتي لاحقًا في بعض التعريفات الخاصة بالعهود، لكن ما أريد للقارئ أن يتأمله هو بعض المفردات الكتابية في ضوء ارتباطها بالعهد.

فالله أراد أن يُعرِّف نفسه بشكل دائم في الكتاب المقدس بأنه الخالق الأمين وحافظ العهد، كما هو مكتوب في سفر التثنية [5].

فاعلم أن الرب إلهك هو الله، الإله الأمين، الحافظ للعهد والإحسان للذين يحبونه ويحفظون وصاياه إلى ألف جيل.

(سفر تثنية الاشتراع ٧: ٩ )

أيضًا الإنسان كشريك أساسي في العهد، وله كامل حرية الاختيار أن يبقى في العهد أو يرفضه. وفي هذا السياق، تساءل ميخا النبي في العهد القديم عما يطلبه الله من الإنسان كشريك في العهد [6]:

قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح، وماذا يطلبه منك الرب، إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة، وتسلك متواضعًا مع إلهك.

(ميخا ٦: ٨)

أيضًا، هناك لفظ “شعب الله”، هذا التعبير والمفهوم الكتابي أخذ أهميته في كلا العهدين القديم والجديد. فشعب الله قد خرج إلى الوجود بسبب العهد مع الله كما يذكر الكتاب [7].

قد واعدت الرب اليوم أن يكون لك إلهًا، وأن تسلك في طرقه وتحفظ فرائضه ووصاياه وأحكامه وتسمع لصوته. وواعدك الرب اليوم أن تكون له شعبا خاصا، كما قال لك، وتحفظ جميع وصاياه، وأن يجعلك مستعليا على جميع القبائل التي عملها في الثناء والاسم والبهاء، وأن تكون شعبا مقدسًا للرب إلهك، كما قال.

(سفر تثنية الاشتراع ٢٦: ١٧-١٩)

إذا كان هناك ارتباط ووعد من الله لشعبه ووعد من الشعب لإلهه أيضًا، فهو تعريف العهد في بساطة.

و في الأعداد القادمة، نصلي أن يفتح لنا الربّ كوى السموات من استنارة روحية ومعرفة لأعماق الله. سنستكمل معًا هذا الموضوع الشيق وعُهود الله مع شعبه ونتهلل فرحًا بإلهنا الضامن للعهد والإحسان والأمانة إلى الأبد.

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. عبرانيين ١٣: ٧ [🡁]
  2. تكوين ٢٦: ١٨، ٢٢ [🡁]
  3. عدد ٢١: ١٨ [🡁]
  4. مزمور ٨٩: ٣، ٣٤ [🡁]
  5. تثنية ٧: ٩ [🡁]
  6. ميخا ٦: ٨ [🡁]
  7. تثنية ٢٦: ١٧-١٩ [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ ملكوت الله سيمتد[الجزء السابق] 🠼 جهلنا بالحق لا يلغي الحق[الجزء التالي] 🠼 كلمات مفتاحية
عاطف حنا
‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎