المقال رقم 16 من 16 في سلسلة ملكوت الله سيمتد

كنت قد نويت أكثر من مرة أن أكتب عن العهد. فكلمة العهد هامة جدًا وثقيلة، لها وزنها الروحي وكلمة محورية وحيوية لكل شخص يقرأ كلمة الرب ويريد أن يتعلم. لذا فهذا الموضوع يحتاج منا إلى تأن ودراسة وتعلم. ولكن قبل أن نبدأ في سلسلة العهود في المقال القادم -والتي هي أيضًا من ضمن موضوعنا الأساسي: ملكوت الله سيمتد– وددت أن أكتب هذا المقال كتذكرة لذهنكم النقي لما سبق في الأسابيع الماضية، حتى نبني على أساس روحي مؤسس على صخر الدهور: يسوع. فمن الصعب أن نتكلم عن العهود وما زال الأساس هشًا.

بادئ الأمر، سوف أسرد بعض الحقائق هنا لكي نبني على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية، كتذكرة لما سبق.

+ المسيحية ليست دينًا ولا نصوصًا وقوانين وشرائع، بل إن المسيحية هي انتماؤك واتحادك بالمسيح.

وإن كان أعظم من أنجبت النساء وآخِر نبي في العهد القديم قال مقولة ختم بها العهد القديم كله وهي: ينبغي أن ذاك يزيد وأني أنا أنقص [1]. كان يقصد هنا ختام العهد القديم كله، ليشير إلى حمل الله الذي يرفع خطية العالم. لكن نأتي إلى قانون العهد الجديد الذي وضعه الروح القدس على لسان العظيم بولس، وهو: فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ [2]. إذن هذه هي المسيحية: أن يحيا المسيح فيك.

+ المسيح لا يحمل لنا من عند الله تعاليم فلسفية أو أقوالًا أو وعودًا، بل يحمل لنا طبيعة أبوة الآب.

فلن نستطيع أن نختبر أبوة الله إلا من خلال اتحادنا بالروح القدس الذي يعطينا حق البنوة. وعندئذ نصرخ: يا أبانا الآب [3].

+ المسيح ليس رسولًا من الله منتخبًا من الناس، بل هو كلمة الله المُتجسدة في إنسان ليعلن الإنسان حسب قلب الله.

المسيح هو الابن الوحيد للآب. ومنه نلنا نحن البنوة للآب ب، لأن من الآب كل أبوّة كما هو مكتوب: الذي منه تسمى كل عشيرة [أبوّة] في السماوات وعلى الأرض [4]. إذن الله أبونا بسبب يسوع المسيح ابنه الذي كشف لنا هذه الأبوّة. وبدون معرفتنا بشخص يسوع المسيح، أقنوم الابن المتجسد، واتحادنا به من خلال طبيعته الفائقة التي يلتحم فيها الله بالإنسان التحامًا كاملًا مطلقًا، تظل معرفتنا بالله ناقصة.

+ خارج يسوع المسيح وبدون توسطه، يستحيل للطبيعة البشرية أن تقترب من الله أو تنال رحمته.

كل هذا وأكثر نلناه نتيجة حتمية لتجسد الابن الوحيد وأخذه طبيعتنا لكيما يعطينا الذي له، وكل ما له هو للآب، كما يقول يوحنا في إنجيله: الآب يحب الابن، وقد دفع كل شيء في يده. الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة، بل يمكث عليه غضب الله [5].

+ جاء ابن الإنسان في تجسده غير ظاهر للعالم، بل متخفيًا في صورة إنسان يحمل ملء اللاهوت داخله.

وقد تعثر فيه الجميع بلا استثناء، لكنه وضع نفسه آخذًا صورة عبد ليرفعني أنا وأنت إلى مرتبة الملكية. جاء ليؤسس ملكوت روحي على الأرض، وهي أول رسالة نطق بها الرب في إنجيل مرقس: قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل [6]. وهنا يعلن الرب أن هناك ملكوتًا جديدًا له قوانينه وحيثيات حكمه، كان مخفيًا خلال صفحات العهد القديم، لكنه مُعلن لمن يقرأ كلمة الله بالروح القدس. وهذا الملكوت له ملك واحد وحيد، وكل أعضاؤه ملوكٌ و كهنة، وقد صرّح بهذا الروح القدس على فم ياسون وهو يقاوم بولس في أريوباغوس قائلًا: يوجد ملك آخر: يسوع [7].

هَذا هو الملك يسوع، وهذا هو موضوع الكتاب المقدس بالكلمة: أن ملكوت الله أزليٌّ، أبديٌّ قبل الدهور، كان مخفيًا، ولكنه أُعلن بإعلانٍ من فم الملك نفسه، وكل أعضائه هم خليقةٌ جديدةٌ، مخلوقون في المسيح يسوع في البر والقداسة الحق كما قال الكتاب: وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق حسب الله في البر والقداسة الحق [8]. خليقةٌ خالدةٌ، تحيا إلى الأبد، خُلقت داخلنا بالولادة الثانية.

+ الخطيئة أمر عرضي، وليست محور حياتنا.

وهي تتلاشى أمام النعمة، لأنه مكتوب: ولكن ليس كالخطية هكذا أيضا الهبة. لأنه إن كان بخطية واحد مات الكثيرون، فبالأولى كثيرًا نعمة الله، والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح، قد ازدادت للكثيرين [9]. فالهبة، أو النعمة الإلهية، أقوى بكثير من الخطية، لأننا لسنا تحت ناموس موسى، بل تحت سلطان النعمة والحق اللذين صارا بتجسد ابن الله. لذلك، أغلق أذنك عن كل تعاليم تُعظم الخطية وتغذي فيك شعور الذنب والتقصير، وحوّل عينيك عن هويتك الحقيقية في المسيح يسوع.

أيضًا، هناك حق إلهي لابد من ألا نغفل عنه: أنك صرت هيكلًا للروح القدس. وإن كان روح الذي أقام يسوع من الموت ساكنًا فيكم، فإذن لنا القوة والقدرة أن نحيا ونقاد بالروح القدس. وإن كان الروح القدس أو روح الابن أو روح الآب ساكنًا فينا، فأنا وأنت وغيرنا حاملين للحضور الإلهي، أي سكنى ال فينا. كما وضح الرب هذا الحق: أجاب يسوع وقال له: إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلًا [10].

+ كل تشويه حدث لنا، كصورة لله، يلزم أن يزول.

إذن، فكل تشويه حدث لصورة الله نتيجة لتعليم أو لثقافة متوارثة أو مجتمع فرض علينا صورة معينة لإله مجهول غير معروف للبشر، يلزم أن يزول هذا التشوية. وكل تسطيح للحق الإلهي بدعوى البساطة، هذه كذبة، نجح إبليس للأسف أن يجملها لنا في صورة مقدسة مشوهة لابد أيضًا أن تزول، ويحل محلها المؤسس على حجر الزاوية: يسوع. لأن جهلنا بالحق لا يلغي الحق.

الله أعلن عن نفسه في العهد القديم كإله قادر على كل شيء، جبار، يخلص، يشق البحر، ينزل نارًا من السماء، يخرج شعبه بذراع ممدودة وبيد رفيعة، من أمامه تقفز الجبال وتذوب كالشمع. لكن عندما أُعلن عن نفسه في العهد الجديد كان الأمر مختلفًا تمامًا. أعلن الابن الوحيد، يسوع، عن حقيقة الآب وقال: أنا معكم زمانًا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس! الذي رآني فقد رأى الآب، فكيف تقول أنت: أرنا الآب؟ [11].

إذن لكي تتقابل مع الله وتعرفه، لابد أن تتحد بابنه، ولا تتعثر في محبته وتواضعه وعطفه وحنانه نحو الخطاة والزناة والزواني. لأن الجميع قد زاغوا وفسدوا، ولولا محبته غير المشروطة وغير المحدودة، ما كان لنا خلاص. ولكن الله بيّن محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة، مات المسيح لأجلنا [12].

البساطة التي في المسيح هي معرفة الحق المُعلن في الإنجيل كما قصده الروح القدس أن يُعلنه لنا، لا يُؤول ولا يُحوّر بتفسيرات مختلفة. وإن كانت أسرار الملكوت مخفيّة، فهي مخفيّة عن غير المُخلصين أو غير المُعينين للحياة الأبدية، الذي أعمى إله هذا العالم عيونهم عن إبصار الحق. أما أولاد الملك فلهم كل الحق في فحص أسرار ملكوت الله، كما قال الكتاب المقدس: مجد الله إخفاء الأمر، ومجد الملوك [أنا وأنت] فحص الأمر (أمثال ٢٥: ٢ )). وأيضًا قال الرب يسوع لخاصته: لأنه قد أُعطي لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السماوات، وأما لأولئك فلم يُعط [13].

ختامًا لما سبق، يقول القديس أننا أخذنا كل ما للآب في الابن بالروح القدس لأن:
* الابن حمل لنا صورة الآب.
* والروح القدس حمل لنا صورة الابن.
* والروح القدس هو خلقنا على صورة الآب والابن بسكناه الدائم فينا.

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. يوحنا ٣ : ٣٠ [🡁]
  2. غلاطية ٢ : ٢٠ [🡁]
  3. غلاطية ٤ : ٦ [🡁]
  4. أفسس ٣ : ١٥ [🡁]
  5. يوحنا ٣: ٣٥-٣٦ [🡁]
  6. مرقس ١: ١٥ [🡁]
  7. أعمال الرسل ١٧: ٧ [🡁]
  8. أفسس ٤: ٢٤ [🡁]
  9. رومية ٥: ١٥ [🡁]
  10. يوحنا ١٤: ٢٣ [🡁]
  11. يوحنا ١٤: ٩ [🡁]
  12. رومية ٥: ٨ [🡁]
  13. متى ١٣ : ١١ [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ ملكوت الله سيمتد[الجزء السابق] 🠼 غاية المسيحية
عاطف حنا
‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎