شرف لا أستحقه أن أكتب عن د.  فلتس الذي لا يحتاج لدفاع، إذ إن معظم كتاباته إما أنها ترجمات أو اجترار لكتابات وأفكار الآباء الأولين، فالدفاع عنه هو دفاع عن فكر الآباء والذين لا يحتاجون لدفاع. بل بالحري من يتأففون من كلمات الآباء هم المحتاجين لمن يدافع عنهم... إلا أن في أيامنا هذه، يبدو أننا لابد أن نُدافع عن التراث الآبائي ومترجميه أمام اتهامات يسطرها البعض غالبًا عن جهل.

أتُهم د. جوزيف بالاتهامات التالية من خلال صفحات مشبوهة على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ إن محاربيه لا يمتلكون الشجاعة الكافية لمواجهته. فكيف يواجهوا من يقرأ الآباء بلغاتهم الأصلية وغالبيتهم لم يقرأ بعد كل ترجماته…

أولًا: القول بأن المسيح كان سيتجسد لو لم يخطئ آدم

المسيح كان سيتجسد لو لم يُخطئ . طبعًا ده سؤال افتراضي. لكن لما نشوف خطة تدبير الله للخلاص، نقدر نقول أيوة. لأن علاقة آدم بالله لم يكن فيها هذا الاتحاد بين الطبيعة البشرية والطبيعة الإلهية التي تمت في شخص يسوع المسيح. هو كان عاوز يوحدنا بيه وده متمش غير في الخليقة الجديدة… فإحنا حتى ساعات لما بنتكلم وبنقول عن وضعنا… هل إحنا بعد الخلاص وبعد تجديد الطبيعة وبعد التجسد، هل عدنا كما كنا قبل السقوط؟ بل وأفضل. كانت علاقة آدم بالله وعلاقة الله بآدم كانت علاقة فيها شركة لكن مفيهاش اتحاد كده… اللي يخلينا نعرف ونقيم بالضبط ونقدر بالضبط اللي عمله المسيح معانا.

(جوزيف موريس فلتس)

من الواضح أن د. جوزيف يعي أن السؤال افتراضي، ولا يمكن إزاء الأسئلة الافتراضية سوى التخمين، ولكن طريقة التخمين تعكس ما إذا كانت آلية البحث عن الإجابة هي آلية أرثوذكسية أم لا. فبالنسبة له، التجسد لم يكن مجرد إبطال أو إلغاء لخطية آدم، بل أنه أكثر من ذلك فهو اتحاد بين الطبيعة اللاهوتية والطبيعة البشرية، الأمر غير الممكن بمعزل عن التجسد. ويا للعجب فهؤلاء يروا في هذه الإجابة التي تُعظم من قدر التجسد والخلاص تقليلًا من ِشأن عقيدة الخلاص…

هنا نورد نصًا كتابيًا من رسالة أفسس [1]

مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ، 4 كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ، 5 إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ، 6 لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا فِي الْمَحْبُوبِ، 7 الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ بِدَمِهِ، غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ، 8 الَّتِي أَجْزَلَهَا لَنَا بِكُلِّ حِكْمَةٍ وَفِطْنَةٍ، 9 إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ، 10 لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ 11 الَّذِي فِيهِ أَيْضًا نِلْنَا نَصِيبًا، مُعَيَّنِينَ سَابِقًا حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ، 12 لِنَكُونَ لِمَدْحِ مَجْدِهِ، نَحْنُ الَّذِينَ قَدْ سَبَقَ رَجَاؤُنَا فِي الْمَسِيحِ […] وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، 23 الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ.

(رسالة إلى أهل أفسس 1: 3-12، 22-23)

ودون شك لا يوجد تغيير في الله، فقصد التجسد كان في علم الله منذ الأزل. وإن كنا معينين في يسوع المسيح منذ تأسيس العالم إذن فالتجسد كان أمرًا حتميًا لا عرضيًا.

ولعل أفضل طريقة لحسم هذا الموضوع هي أن نبحث عما كان عليه آدم قبل السقوط وما صارت إليه الإنسانية بعد التجسد والفداء واكتمال . فلو عاد الإنسان لما كان عليه قبل سقوط، لكان التجسد لن يحدث ما لم يُخطئ آدم، ولكن لو أن ما نحن فيه من فعاليات الخلاص يسمو على ما كان فيه آدم قبل السقوط، إذن فمن المحتمل أن تكون الإجابة المنطقية هي أن الكلمة كان سيتجسد حتى ولو لم يُخطئ آدم ليعطي هذه النعم الإضافية التي لم تكن متاحة لآدم حتى قبل سقوطه.

وسنحصر هنا بعض من أقوال الآباء في هذا الموضوع مركزين بالأكثر على أقوال القديسين و وكيرلس:

فإن كانوا وهم في الحالة الطبيعية حالة عدم الوجود، قد دعوا إلى الوجود بقوة الكلمة وتحننه، كان طبيعيًا أن يرجعوا إلى ما هو غير وجود [أي العدم]، عندما فقدوا كل معرفة بالله. لأن كل ما هو شر فهو عدم، وكل ما هو خير فهو موجود. ولأنهم حصلوا على وجودهم من الله الكائن، لذلك كان لابد أن يُحرموا إلى الأبد، من الوجود. وهذا يعني انحلالهم وبقائهم في الموت والفساد [الفناء]. فالإنسان فانٍ بطبيعته لأنه خلق من العدم، إلا أنه بسبب خلقته على صورة الله الكائن كان ممكًنا أن يقاوم قوة الفناء الطبيعي ويبقى في عدم فناء لو أنه أبقى الله في معرفته كما تقول الحكمة حفظ الشرائع تحقق البلى، وبوجوده في حالة عدم الفساد [الخلود] كان ممكًنا أن يعيش منذ ذلك الحين كالله كما يشير الكتاب المقدس إلى ذلك حينما يقول أنا قلت إنكم آلهة. وبنوا العليّ كلكم، لكن مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون. [2]

(أثناسيوس الرسولي، 4: 5-6)

 

لقد صار مثل هذا الاتحاد، لكي يصير ما هو بشري بحسب الطبيعة متحدًا بالذي له طبيعة اللاهوت، فيصير خلاصه وتأليهه مضمونًا. [3]

(أثناسيوس الرسولي، ضد الاريوسيين 2: 70)

 

لم يكن ممكنًا أن نشترك في عدم الفساد وعدم الموت، إلا باتحادنا بذاك الذي هو نفسه عدم الفساد وعدم الموت. ولكن كيف كان يمكن أن نتحد بالذي هو عدم الفساد وعدم الموت ما لم يكن عدم الفساد وعدم الموت هو نفسه قد سبق وصار على حالنا [بالتجسد]، حتى يُبتلع الفاسد من عدم الفساد والمائت من عدم الموت، فننال . [4]

(إيرينيؤس، ضد الهرطقات 3: 19: 1)

 

فالكلمة الذي من الله الآب يرفعنا إلى هذه الامتيازات، إذ يجعلنا شركاء طبيعته الإلهية، بواسطة الروح القدس، وبذلك صار له اخوة مشابهون له، ولابسون صورة طبيعته الإلهية. [5]

(، ضد 3)

 

اقتنى لنفسه جسدًا قابلًا للفساد بحسب طبعه الخاص، لكي يستطيع بكونه هو نفسه الحياة أن يزرع في الجسد امتيازه الخاص الذي هو الحياة. [6]

(كيرلس الكبير، المسيح واحد)

 

والآن لو أن الموت كان خارج الجسد لكان من الملائم أيضًا أن تصير الحياة خارج الجسد أيضًا. ولكن ما دام الموت قد صار داخل نسيج الجسد وبوجوده في كيانه صار سائدًا عليه لذلك كان من اللازم أن تصير الحياة داخل نسيج الجسد أيضًا حتى إذا لبس الجسد الحياة بدل الموت فإنه يطرح عنه الفساد. وإضافة إلى ذلك فلو افترضنا أن الكلمة قد جاء خارج الجسد وليس فيه، لكان الموت قد هُزم منه [من الكلمة] بحسب قانون الطبيعة، إذ إن الموت ليس له سلطان على الحياة. ولكن رغم ذلك، كان الفساد سيظل باقيًا في الجسد. لهذا السبب كان من الصواب أن يلبس المخّلص جسدًا لكي إذا اتحد الجسد “بالحياة” لا يعود يبقى في الموت كمائت، بل إذ قد لبس عدم الموت فإنه يقوم ثانية ويظل غير مائت فيما بعد. ولأنه كان قد لبس الفساد فإنه لم يكن ممكًنا أن يقوم ثانية ما لم يلبس الحياة. وكما أن الموت بحسب طبيعته لم يكن ممكًنا أن يظهر إلا في الجسد لذلك لبس الكلمة جسدًا لكي يلاقي الموت في الجسد ويبيده. لأنه كيف كان مستطاعًا البرهنة على أن الرب هو “الحياة ” ما لم يكن قد أحيا ما كان مائًتا؟ [7]

(أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة 44: 5-6)

 

إن التأكيد على أن الكلمة حل فينا هو نافع، لأنه يعلن لنا أيضًا سرًا عميقًا جدًا، لأننا كنا كلنا في المسيح. فالعنصر المشترك للبشرية قد تركز في شخصه، وهذا هو السبب في تلقيبه بآدم الأخير، فهو أغنى طبيعتنا البشرية المشتركة بكل ما يوصل لها الفرح والمجد، مثلما فعل آدم الأول إذ أفقرنا بكل ما أتى بها إلى الفساد والحزن… وهذا هو بالتحديد السبب في أن الكلمة حل فينا كلنا حينما حل في كيان بشري مفرد [وهو ناسوته]، لأنه من خلال هذا الواحد الذي تعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة [8]، فإن كل البشرية ترتفع إلى قامته، حتى إن الآية القائلة أنا قلت أنكم آلهة وبنو العلي كلكم [9]، كرر ذكرها المسيح [10]، ومن خلال تطبيقها على واحد منا [الذي هو المسيح] تنطبق علينا جميعًا… وهكذا يحل [ويسكن] في الجميع، لما حل وسكن في هيكل واحد مأخوذ منا و لأجلنا، إذ احتوانا كلنا في نفسه لكي يصالحنا جميعًا في جسد واحد مع الله الآب كما يقول بولس الرسول. [11]

(كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 1: 14)

 

لذلك يُدعى المسيح آدم الثاني، لأنه استطاع أن يوصل إلى طبيعتنا كل نعم السعادة والخلود والمجد، وذلك بالمثل كما استطاع آدم الأول أن يوصل إلى طبيعتنا لعنه الفساد والمذلة. [12]

(كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 1:14)

 

إن المسيح هو إنسان بدء، فقد صار أصلًا وباكورة للذين يتحولون إلى حياة جديدة في الروح، فهو من الآن ينقل إلى كل الجنس البشري بالنعمة والمشاركة، عدم فساد جسده وثبات لاهوته. ولذلك كتب بولس اللاهوتي، كما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضًا صورة السماوي. [13]

(كيرلس الكبير، في تجسد الابن الوحيد)

 

لقد جاء ابن الله وتأنس لكي يرد الذي لنا في نفسه هو أولًا إلى ميلاد جديد وحياة جديدة مقدسة عجيبة واعجازية بالحقيقة. فقد صار هو بصفته الأول مولودًا من الروح القدس. أقصد بحسب الجسد. لكي تصل النعمة إلينا عن طريقه، فنرتقي نحن أيضًا إلى ميلاد جديد روحي لا من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل لكن من الله بواسطة الروح. [14]

(كيرلس الكبير، المسيح واحد)

 

حينئذ استقر الروح عليه… حتى يسكن فينا نحن أيضًا الروح، من حيث إنه استقر على الباكورة الثانية لجنسنا، أي على المسيح الذي دُعي لهذا السبب آدم الثاني. لذلك فقد تجددت أعماقنا إلى حالة أفضل بلا قياس وربحنا الولادة الجديدة الفائقة الصلاح من الروح إذ لم تعد لنا بعد الولادة الأولى الجسدية، أي التي للفساد والخطية… بل الولادة الفوقانية التي من الله بالروح إن كان حقاً ما كُتب للذين ليسوا من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل لكن من الله ولدوا. [15]

(كيرلس الكبير، تفسير يوئيل 2: 27)

 

لأنه لم يكن محتاجًا أن يأتي من أجل نفسه هو، بل قد جاء ليصير لنا جميعًا بداية وطريقًا وبابًا للخيرات السماوية. [16]

(كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 1: 32-33)

 

فكما أنه قريب للآب والآب قريبه بسبب وحدة الطبيعة، هكذا أيضًا نحن أقرباؤه وهو قريبنا من حيث إنه صار إنسانًا. [17]

(كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 10: 14)

 

نحن صرنا له أخوة بسبب أنه هو صار مثلنا. [18]

(كيرلس الكبير، تفسير مزمور 21: 23)

 

وبالإجماع قد صرنا أقرباء لله الآب بالجسد في سر المسيح. [19]

(كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 8: 73)

 

الكلمة من جهة متحد بالبشرية بسبب الجسد المتحد به، ومن جهة أخرى هو متحد اتحادًا طبيعيًا بالآب، كونه إلهًا بحسب الطبيعة. وهكذا يرتقي العبد إلى درجة البنوة بواسطة اتحاده بالذي هو ابن بالحقيقة. فيُدعى ويرتقي أيضًا إلى الامتياز الخاص بالذي هو وحده ابن بحسب الطبيعة. [20]

(كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 1: 32)

 

يأخذ الذي لنا… لكي يُنعم علينا بالذي له. [21]

(أثناسيوس الرسولي، الرسالة إلى إبكتيتوس)

 

لقد صار مثلنا، أي إنسانًا، لكي يجعلنا مثله أعنى آلهة وأبناء، وهكذا أخذ لنفسه خاصة ما هو لنا وأعطانا عوضًا ما هو له. [22]

(كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 20: 17)

 

صار إنسانًا لكي يؤلهنا نحن. [23]

(أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة 54: 3)

 

كان آدم قبل المعصية، نائلًا النعمة من الخارج دون أن يقتنيها متحدة بالجسد. [24]

(أثناسيوس الرسولي، ضد اليين 2: 68)

 

إن البشرية تكمّلت فيه [أي بلغت كمالها] فهي استردت ما كانت عليه في خلقتها منذ البدء، ولكن بنعمة أكبر. [25]

(أثناسيوس الرسولي، ضد الاريوسيين 2: 67)

 

فإن قالوا ما الذي اضطره للتجسد؟ يقال لهم ومن الذي اضطره لخلقه آدم و ذريته؟ فإن سألوا عن ذلك، يقال لهم جوده و تفضله [26]

(، مقالة في الثالوث والتجسد)

مما سبق لا يوجد مجالًا للتشكك في أن ما آلت عليه حالة البشرية من نعم بعد التجسد، تجعل البشرية الآن في حالة أفضل بكثير لا تُقارن بما كان عليه آدم قبل السقوط. يكفينا أن البشرية كانت لا تشترك في جسد الرب ودمه والآن صار هذا ممكنًا. وإذ يتبين أن هناك ما أضيف لحالة الطبيعة البشرية بالتجسد عن مجرد رد البشرية لرتبتها الأولى، يصير من الممكن، بل ومن الطبيعي أن نتوقع حدوث التجسد لأجل إعطاء هذه النعم الإضافية ولو لم يكن هناك حاجة لغفران الخطايا.

وجاء رد بن المكين في حاسمًا في هذا الموضوع [27]، [28]:

إن التجسد كان أمرًا واقعًا سيحدث وذلك في حال أخطأ آدم أو لم يخطئ… إنه لا يصح أن يُقال أن آدم أب البشر لو لم يخالف الوصية ويخرج من الفردوس لم يكن التجسد المجيد فهذا الاعتقاد خاطئ… إذ يجب أن نعلم أن التجسد كان أمرًا ضروريًا في ظهوره لخليقته، وأنه قيل إنه لسبب آدم أو لعلة خارجية أو لحادثة من الحوادث الخارجة عن ذاته تعالى كان ذاك قدحًا [إهانة] لجوده تعالى، ويترتب على زعمهم هذا، إن التجسد كان بطريق عرضي صادر عن خطية آدم وفي الحق أنه لا يجب أن يُوقف جود الله على شرط حادث… لكن لما كان من كمال جوده أن يجود بنهاية الجود وأكمله، وهو ذاته تعالى، فلذلك أظهر كمال جوده بواسطة تمكن البشر من مباشرتها والقرب منها ولو مُنع ظهور الله متجسدًا وما نتج من جزيل النفع مع القدرة على إمكانياته.

(جرجس بن المكين، القرن الثالث عشر، الحاوي)

 

الخلاصة: وإذا صح القول عند التحقيق أن ظهور هذا السر كان أمراً مزمعاً نقلا وعقلا قبل كون العالمين. فلا يجب أن يقال أن سقطة أدم ومخالفته كانت وجهاً من الوجوه في ظهوره. وإلا لزم أن يكون جوده قد ظهر بطريق العرض علي شرط حادث. وهذا من أشنع القول وأفسده فجوده الذي ظهر بواسطة تجسد كلمته هو بالذات لا بالعرض.

(جرجس بن المكين، القرن الثالث عشر، مختصر البيان في تحقيق الإيمان)

وفي العصر الحديث، يقول نيافة ال بالشيء ذاته [29]:

“وإذ يوضح أن هذه المشيئة [أي مشيئة التجسد] كانت من سابق الدهور يقول أيضًا كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته [30]. يا لعظم هذه المشيئة التي امتلأت حبًا!! هذه التي جعلت بعض آباء الكنيسة يقولون إن العالم لم يخلق إلا بغية أن يصبح كنيسة. وأن قصد الآب من تجسد ابنه لم ينحصر في فداء آدم وبنيه فحسب؛ ولكن حبه امتد لكي يشترك الإنسان في الحياة الإلهية… حياة الفائق الغنى.

(نيافة الأنبا بيمن، التجسد الإلهي، صـ 4-5)

فمن يود أن يُسائل د جوزيف عن إجابة سؤال افتراضي—الأمر الذي لا يمكن وصفه إلا بالعبث—فيجب عليه أن يُسائل هؤلاء أيضًا.

ثانيًا: القول بأن ذهبي الفم يعادل بين فراش سرير الزوجية وفراش المذبح

يقول ذهبي الفم أن الملاية الموضوعة على السرير الذي ينام عليه الرجل مع أمرأته ويمارسوا تحت أيقونة السيد المسيح الموضوعة فوق السرير. هذه الملاية تعادل ستر المذبح اللي بيتحط عليه جسد ودم الرب… ويُسأل ذهبي الفم: ليه؟ لأن هناك تقدم ذبيحة حب وهنا تقدم ذبيحة حب.

(جوزيف موريس فلتس)

وهنا أبدأ بأني لم أجد المصدر لهذه الكلمات إلا أنني وجدت الكلمات التالية ل، والتي لا تبعد كثيرًا في نقاوة فهمها للزيجة [31]:

كيف يصيران جسدًا واحدًا؟ كأن قطعة من أنقى جزء من الذهب تمتزج بذهب آخر، هكذا بالحقيقة تتقبل المرأة أغنى جزء لتلتحم كما في بهجة فيحدث انتعاش وتدليل، وتقوم بالمشاركة معه لإنجاب كائن بشري. هكذا يكون الطفل جسرًا خلاله يصير الثلاثة واحدًا… أنا أعرف أن البعض يخجلون مما أقوله، ذلك بسبب نجاستهم ودنسهم… لماذا نخجل مما هو مكرَّم… إنكم تدينون الله الذي سِنَّ هذه الأمور.

(يوحنا ذهبي الفم، العظة الثانية عشر)

 

بالتأكيد لو كان الزواج مُدانًا لما كان القديس بولس يدعو المسيح والكنيسة عريسًا وعروسًا. [32]

(يوحنا ذهبي الفم، العظة العشرون)

جدير بالذكر أن كلا الاقتباسين وردا في كتاب دعوني أنمو من تأليف القمص والذي كتبه للشباب المراهقين… إلا أن عقول مهاجمي د. جوزيف لم تنضج أو ترتقي بعد لمستوى عقول المراهقين الذين يكتب لهم القمص تادرس.

وإن كانت هذه الاقتباسات غير كافية لإثبات قدسية الزيجة وربطها بسر المسيح والكنيسة، فكلمات ق. التالية لا تدع مجالًا للشك في كون هذا المفهوم متماشي مع المفهوم الأرثوذكسي للربط بين الزيجة والصليب بل وتزيد عن القول المنسوب ليوحنا ذهبي الفم من قِبَل د. جوزيف أعلاه [33]:

كعريس ذهب المسيح لفراش الزوجية… جاء لفراش زوجية الصليب وهناك صعد فوقه وتمم زيجته. وحين سمع تأوهات الخليقة في أنفاسها، أسلم ذاته حبًا للعذاب بدلاً عن عروسه ووحد نفسه بها إلى الأبد.

(Augustine, Sermo Suppositus, 120:3)

هوامش ومصادر:
  1. رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 1: 3-12، 22-23 [🡁]
  2. أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة 4: 5-6 [🡁]
  3. أثناسيوس الرسولي، ضد الاريوسيين 2: 70 [🡁]
  4. إيرينيؤس، ضد الهرطقات 3: 19: 1 [🡁]
  5. كيرلس الكبير، ضد نسطور 3 [🡁]
  6. كيرلس الكبير، المسيح واحد [🡁]
  7. أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة 44: 5-6 [🡁]
  8. رومية 1: 4 [🡁]
  9. مزمور 82: 6 [🡁]
  10. يوحنا 10: 34 [🡁]
  11. كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 1: 14 [🡁]
  12. كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 1:14 [🡁]
  13. كيرلس الكبير، في تجسد الابن الوحيد [🡁]
  14. كيرلس الكبير، المسيح واحد [🡁]
  15. كيرلس الكبير، تفسير يوئيل 2: 27 [🡁]
  16. كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 1: 32-33 [🡁]
  17. كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 10: 14 [🡁]
  18. كيرلس الكبير، تفسير مزمور 21: 23 [🡁]
  19. كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 8: 73 [🡁]
  20. كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 1: 32 [🡁]
  21. أثناسيوس الرسولي، الرسالة إلى إبكتيتوس [🡁]
  22. كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 20: 17 [🡁]
  23. أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة 54: 3 [🡁]
  24. أثناسيوس الرسولي، 2: 68 [🡁]
  25. أثناسيوس الرسولي، ضد الاريوسيين 2: 67 [🡁]
  26. بولس البوشي، مقالة في الثالوث والتجسد [🡁]
  27. جرجس بن المكين، القرن الثالث عشر، الحاوي [🡁]
  28. جرجس بن المكين، القرن الثالث عشر، مختصر البيان في تحقيق الإيمان [🡁]
  29. نيافة الأنبا بيمن، التجسد الإلهي، صـ 4-5 [🡁]
  30. أفسس 1: 4-10 [🡁]
  31. يوحنا ذهبي الفم، العظة الثانية عشر [🡁]
  32. يوحنا ذهبي الفم، العظة العشرون [🡁]
  33. Augustine, Sermo Suppositus, 120:3 [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

يوسف المصري
[ + مقالات ]