ولكن لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت

(رسالة بولس إلى غلاطية ٤:٤)

لماذا اختار الله في ظهوره ومجيئه للبشرية أن يكون “مولودًا من امرأة“؟

أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له

(ثيؤطوكية الجمعة، التسبحة)

إن ولادة طفل من بطن أمه هو امتداد لطبيعة لأم في طفلها بالحمل، فالحمل هو اتحاد الطبيعة الجسدية بين الأم وطفلها، وفي البدء كان الاثنان جسدًا واحدًا.

وأيضًا فإن الحمل ثم الولادة أشبه بموتٍ وقيامة، حتى أن المسيح قال: المرأة وهي تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت، ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح، لأنه قد وُلِدَ إنسان في العالم. [1] وكأنها ساعة موت وحزن. ثم قيامة وفرح. فيقول المصريون إن الأم قامت بالسلامة، ونوضح لك عزيزي القارئ، كيف أن مجيء الرب “مولودًا من امرأة” كان استعلانًا لهدف مجيء الرب وظهوره للبشر: ففي لحظة قَبُول العذراء لبشارة الملاك ب، اتحد لاهوت الله بطبيعة طفلها يسوع الناسوتية في أحشائها:

فأجاب الملاك وقال لها: «الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله… فقالت مريم: «هوذا أنا أمة الرب. ليكن لي كقولك»

(إنجيل لوقا٣٥:١)

فالمسيح هو ”ابن الله” و”كلمة الله“:

لاهوتٌ واحد مولودٌ من الآب أزلياً، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود [من الآب] غير مخلوق، واحدٌ مع الآب في الجوهر [لاهوت واحد]

( قانون الإيمان المسيحي) 

والتجسد الإلهي هو اتحاد اللاهوت المولود من الآب أزليًا، بالناسوت المخلوق زمنيًا في أحشاء العذراء القديسة مريم. بالتالي فإن مجيء المسيح ”مولودًا من امرأة“ يشرح كيف ”أخذ الرب الذي لنا“ بتجسده وظهوره بيننا، بل ويشرح أيضًا كيف أن الرب ”أعطانا الذي له“ -أي جسده المتحد بلاهوته – بالإيمان والمعمودية.

فالمعمودية المسيحية كما شرحها الرب بنفسه ل هي ولادة ثانية للإنسان، يتم فيها نفس الشيء، لا تتعجب أني قلت لك: ينبغي أن تولدوا من فوق.  [2]. فالمعمودية هي ولادة ثانية لأنها امتداد نفس الطبيعة ذاتها من كيان إلى كيان ليتحدان معًا. وهي امتداد لميلاد المسيح الذي تم في بطن العذراء فيولد المسيح في كل مَن يؤمن به ويعتمد باسمه. فإن كل ما صنعه المسيح وهو لابس لناسوتنا إنما صنعه لأجلنا. لذلك ففي المعمودية يمتد الروح القدس بناسوت المسيح المتحد بلاهوته ليتحد بكيان المعتمد، فينال ”الخليقة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع “.

ولهذا السبب يقول القديس الرسول إن المسيح أعطانا الذي له أي الذي حققه في ميلاده من العذراء مريم من اتحاده بنا.

المعمودية إذن هي: ولادة جديدة، لخليقة جديدة من المسيح. في كيان الإنسان المعتمد.

هذا الشرح ينقل لك عزيزي القارئ المكتوب في رسالة رومية:

أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أقيم المسيح من الأموات، بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحياة؟ لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته، نصير أيضا بقيامته. عالمين هذا: أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية، كي لا نعود نستعبد أيضا للخطية.

(رسالة بولس إلى رومية 6: 3-6)

فالمسيحية ليست هي لغفران خطايا على يد كاهن، بل المسيحية هي لتجديد طبيعتنا بالاتحاد في المسيح بالإيمان والمعمودية فنصير من لحمه وعظامه، ونصير شركاء في الطبيعة الإلهية من خلال الاتحاد بناسوت المسيح المتحد بلاهوته:

لأننا أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه… جسدًا واحدًا… أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة

(رسالة بولس إلى أفسس 5: 30- 32)

كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى، بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة، اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة، لكي تصيروا بها ، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة.

 (رسالة بطرس الثانية 1: 3، 4)

 

هوامش ومصادر:
  1. إنجيل يوحنا ٢١:١٦ [🡁]
  2. إنجيل يوحنا 3: 7 [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟