لقد تابع الكثير من المسيحين المهتمين بالشأن الكنسي على مدار الأسابيع الماضية القضية التي شغلت مواقع التواصل الإجتماعي وأشعلت جروبات المسيحي وكانت مسار جدلي بين التجمعات على جميع المستويات ومختلف الأعمار بل أنها أخذت الحيز الأكبر والأعم بين حوارات العامة والخاصة، إنها قضية تقديم الأسقف العام في المقطم الأنبا أبانوب استقالته لبطريرك الأرثوذكسية ال.

بعد أسابيع من الجدل انتهت القضية كما قرأنا بتقديم هذا الأسقف اعتذار رسمي لقداسة البابا بعد أن قد صرح الأخير بأن هذا الأسقف قد قدم استقالته بمحض إرادته وهي قيد الدراسة، لكن ما أسفرت علية الأمور أن يبقى الحال على ما هو عليه، وقراءتي لهذه الأحداث هي أن عودة أسقف  إلى ديره وانتزاع السلطة من يده هو بمثابة دخول جمل من ثقب إبرة.

كلنا نعلم ما هي الرهبنة؟ هي موت حقيقي عن العالم، أم تعريف الرهبنة أخذ مفهوم آخر؟ أليست الرهبنة هي الانعزال والانفصال عن العالم أو عن الكل للالتصاق بالواحد، أم أن أصبح هو الدخول للدير كطريق يؤدي إلى كرسي الأسقفية وما أدراك ما الأسقفية! أنها السلطة المطلقة بلا قيود ولا حساب.

ورغم أن هذا الأسقف هو أسقف عام مساعد للبطريرك، أي لم يتم تجليسه على كرسي إيبارشية، ومع هذا رفض هو ومن خلفه من مجموعات حماة الإيمان تركه موقعه، فكل منهم له حجته فهذا الأسقف أو غيره وهنا انتقل من الخاص عن هذا الأسقف إلى العام في المجمل، فقد نسي السبب الرئيس الذي لأجله ترك العالم وذهب إلى الدير… بل كيف يرجع إلى الدير وينزل به المستوى المعيشي إلى أن يسكن في غرفة أو قلايه ويخدم نفسه مرة أخرى بعد أن ذاق رغد العيشة في العالم وهو خرج من العالم وهو علماني سواء كان يحمل مؤهل جامعي أم لا، كانت له وظيفة أم لا، كان له دخل مادي يستطيع أن يسد حاجته أم لا.

هل لو كان استمر في العالم كانت ستكون له خدمه ومركز وكرامة بل تنحى له الهامات؟

هل كان سيصل إلى ما وصل إليه اليوم؟ هل كانت ستصبح تحت يده ويأتمرون بأمره خدام يخدمونه من أكل وشرب؟ هل كانت ستكون تحت يده وأمره سيارة فارهة وسائق خصوصي ينحني له عند دخوله وخروجه؟

هل لو ظل في العالم فكان بالكاد يمتلك شقة ويتنقل في وسائل المواصلات ويظل مجهول الهوية كواحد من الناس الغلابة فكيف يترك هذا وتلك ويرجع إلى الدير ويترك كل هذا، فنحن من ننادي بعودة هذا الأسقف أو غيره ممن يخطئون الطريق، فإننا نشبه الحمقى الذين ينادون فِي السُّوقِ:

يشبهون أولادا جالسين في السوق ينادون بعضهم بعضا ويقولون: زمرنا لكم فلم ترقصوا. نحنا لكم فلم تبكوا.

(إنجيل لوقا ٧: ٣٢)

فنحن في نظر هؤلاء ضد الإيمان المسلم مرة للقديسين، بل ضد التسليم الرسولي بل نحن وصلنا إلى الهرطقة ولولا أنه لا يوجد في المسيحية مبدأ إقامة الحد وقطع اليدين كانت صدرت أوامر بهذا.

عزيزي القارئ،  إن كنت أسقف  أو كاهن أو راهب أو علماني، احكم على نفسك وضع هذا الحكم بينك وإلهك الذي أنت تعبده، فمن الواضح أن كل منا صنع لنفسه إله رسمه في مخيلته وصار يتعبد له.

فإن كنت أسقف، احكم على نفسك أن تخلع الزي ولو مؤقتا وترجع إلى ديرك حتي ولو لفترة وجيزة تختبر نفسك هل تكتسب هويتك من الزي والعمامة والسلطة والسيارة والسائق الخاص، والكرسي … الخ،  أم  هويتك في المسيح وتستطيع أن تقول مع بُطْرُسُ:

هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ

(إنجيل لوقا ١٨: ٢٨)

هل تستطيع أو تقبل أن تجلس في الصفوف الخلفية وتجلس تسمع وتتعلم أم لا تستطيع إلا أن تكوم في المقدمة فقط؟

جرب نفسك..

جَرِّبُوا أَنْفُسَكُمْ، هَلْ أَنْتُمْ فِي الإِيمَانِ؟ امْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ. أَمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ أَنْفُسَكُمْ، أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ فِيكُمْ، إِنْ لَمْ تَكُونُوا مَرْفُوضِينَ؟

(رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس ١٣: ٥)

اختبر نفسك..

اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا.

(مزمور ١٣٩: ٢٣، ٢٤)

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

عاطف حنا
[ + مقالات ]