كنت أنتوي اليوم أن أواصل معكم حسبما أنهيت حديثي السابق عن العهود بداية من العهد مع آدم إلى العهد الذي نعيش فيه الآن وما يسمى بالعهد الجديد. ولكنني أخضعت نفسي لقيادة الروح القدس وإرشاده في ماذا أكتب حيث الروح يتكلم في هذه الأيام عن حدث في الزمن منذ أكثر من 2020 سنة ومازال يحدث جديدًا كل يوم، أنه حدث في الزمن نعم بكل تأكيد!! ولكنه حدث خارج الزمن أيضًا، حيث أنه «الرب» الذي لا يحده زمان ولا مكان كيف؟! وهو خالق المسكونة وما عليها بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ، وَبِنَسَمَةِ فِيهِ كُلُّ جُنُودِهَا
. [1].
أنه الحدث الأعظم في كل التاريخ الإنساني، أنه الحدث الذي قسم الزمن ومازال يضع زمانا فاصلًا بين ما قبل وما بعد في حياة كل شخص قٓبٔل بالإيمان في قلبه هذا الحدث وقٓبٔل أن ميلاد الطفل يسوع في بيت لحم في القديم هو بمثابة ميلاده الجديد كابن في ملكوت الابن (يسوع) كما يقول الرسول: الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ
[2].
أنه كما يقول الكتاب المقدس هو سر عظيم وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ
[3].
أنه سر من أسرار الملكوت المملوء بالأسرار لن ندركه بعقولنا البشرية المنطقية المحدودة ولكن الروح الذي فينا يفحص أعماق الله ويخبرنا بأسراره، ومن عظم محبة الرب غير المشروطة للبشر يعلن نفسه ويتنازل في صورة إنسان عادي جدًا بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ مثلنا في كل شيء بلا خطية، إنسان كامل يحوي فيه كل ملء اللاهوت كما يقول الكتاب المقدس فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا
[4]، أنه الإله المتأنس.
أول من أطلق لفظ الإله المتأنس كان العلامة أوريجينوس، أي إله كامل، وإنسان كامل، بغير امتزاج ولا تغير ولا اختلاط بين اللاهوت والناسوت، نعم إنه سر ولكن الله أعلن نفسه بميلاده في الجسد فبعد أن كان الله يتكلم في العهد القديم مرة في شكل ملاك ومرة في شكل لهيب في عليقه وبطرق أخرى كما تقول الرسالة إلى العبرانيين 1-1:2. فالتجسد الإلهي هو إعلان عن توهج الحب الإلهي في قلب الآب للجنس البشري كله.
لن أخوض فيه كثيرًا لأنه لا توجد كلمات تعبر عن لهيب الحب الذي تجسد في ملء الزمان في صورة إنسان، كما يقول أحد الآباء أن الحب صار إنسانًا، ولكن ما أود أن أكتب فيه اليوم ماذا يعني التجسد أو الميلاد لي ولك كإنسان؟! ولن أتجاوز قامتي الروحية وأتكلم عن أمور تبدو لي أعلى مني مثل تأله الإنسان وخلافه. وإن أردت عزيزي القارئ تمتلئ من هذا الحق الإلهي المًعلن في سر التجسد أنصحك أن تقرأ لآباء كنيستنا الشرقيين وأخص بالذكر هنا من تأثرت بهم في دراستي للكلمة المقدسة وهما القديس أثناسيوس الرسولي وكتابه تجسد الكلمة و القديس كيرلس الكبير.
لكن دعوني أتناول الأمور ببساطه، فالكل يعلم أنه بسقوط آدم فسدت طبيعتنا بل سقطت الخليقة كلها، ففساد طبيعتنا كان يلزم تغير الطبيعة نفسها من الداخل وهنا نذكر قول للقديس أثناسيوس حامي الإيمان: وإذ رأى الكلمة أن ناموس فساد البشرية لا يمكن إبطاله إلا بالموت وأنه من المستحيل أن يتحمل الكلمة الموت لأنه خالد، باق، غير خاضع لناموس الموت.. أخذ بنفسه جسدًا قابلًا للموت حتى باتحاده بالكلمة يكون جديرًا أن يموت عن الجميع
، إن الله بتجسده قد أوجد الإنسان حسب النموذج الكامل الذي في قصده ولنتذكر جميعًا ما هو أحب لقب كان قريب جدًا إلى قلب الرب يسوع وهو في الجسد أنه «ابن الإنسان» وهنا يحضرني قول بيلاطس البنطي في محاكمته للرب يسوع فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ:”هُوَذَا الإِنْسَانُ!
. [5]
فالإنسان بعد التجسد صار حاضرًا أمام الآب كل حين وأصبح المسيح شفيعًا وحيدًا ووسيطًا وحيدًا لدخول الإنسان إلى أقداس الآب، أيضاً الإنسان بعد التجسد وتغير الطبيعة، كما نقول في القداس الغريغوري باركت طبيعتي فيك. واكملت ناموسك عني
، أصبح ابن وهو أعظم وأسمى ما يحصل عليه الإنسان أن يكون ابن لله بالتبني، حيث يسوع هو الابن الوحيد لله الآب ولكن كل من قُبٔل الابن يسوع صار ابنا بالتبني وأصبح لك ولي الحق أن أدعو الله أبويَا أنه امتياز خارج إدراكنا العقلي كما يصرح الكتاب المقدس ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا:”يَا أَبَا الآبُ
. [6].
بتجسد الابن فينا انسكبت كل جمرات الحب الإلهي المتوهجة بين الآب والابن في داخلي كما أوضح يسوع في صلاته الأخيرة قبل الصليب في الإصحاح الذي يقول عنه الآباء أنه قدس أقداس العهد الجديد يوحنا وَعَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وَسَأُعَرِّفُهُمْ، لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ
. [7].
التجسد أيضًا فتح لنا المجال أن نخرج خارج حدود بشريتنا المحدودة بالزمكان أي حدود الزمان والمكان، حيث اتحادنا بالله غير المحدود الأزلي الأبدي، إذن لا سقف ولا حدود لإيمانك ولا تدع أحد أي من كان أن يضع حدود لك في علاقتك بالله ولا فيما قد يصنعه الرب معك لأنه إن كنا نأخذ الرب نفسه ونتحد به في الإفخارستيا وهو الإله العجيب كما يقول النبي في القديم: وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً:…..وَتَدْعُو اسْمَهُ “عِمَّانُوئِيلَ
. [8] ما اسم هذا الإله العجيب أنه الله معنا أو بالأحرى فينا، متحد بنا اسمه عجيب وعمله فينا ومن خلالنا عجيب أيضا. أَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ
. [9]، إذن فلن يعود فيما بعد حجاب يحجز ولا ناموس حرفي يضع لي عراقيل ولست في حاجة إلى وساطة للدخول إلى أعماق الله إذ هو بنفسه متحد بيً.
عزيزي القارئ نحن لا نعيد بعيد الميلاد أو تجسد ابن الله كطقس فقط لكن التجسد هو حدث فارق في طبيعتك، هو حدث أعلى من إدراكك لكنه متحد بك لتحيا فيه كل لحظة، أنه ظهور مشتهى كل الأمم نفسه خالق الزمن، ظهوره في الزمان وفي جسدي وجسدك أيضًا و هذا ما أوضحه رسول المحبة يوحنا وقال: وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ، فَلَيْسَ مِنَ اللهِ. وَهذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ
. [10]
نعم كل من لا يعترف أن يسوع المسيح جاء في الجسد، هو أناثيما أي محروم من أن يتواجد اسمه مكتوبًا في سفر الحياة.
فلنفرح ونتهلل معا لأن الله ارتضى بكل جلاله وبهائه وجبروته أن يسكن فيّ وفيك ونتغنى مع تسبحه يوم الاثنين في كنيستنا الأرثوذكسية قائلين «كل الأنفس تفرح وتمرح مع الملائكة مسبحين الملك المسيح صارخين قائلين المجد لله في الأعالي… لأنه نقض الحاجز المتوسط وقتل العداوة بالكمال ومزق كتاب يد العبودية… وصيرنا أحرارًا».
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟