المقال رقم 3 من 23 في سلسلة خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
أم يسوع:

السيدة العذراء هي أيقونة تَمثَّلت فيها كلمات الرب ” طوبي لمن آمن ولم يري”. فقد أمنت بألوهية المسيح مِن قَبل إعلانها في معجزة خلق الخمر من الماء في عرس قانا الجليل، بل منذ بشارة الملاك بميلاده في أحشائها.
فالمسيح بقوله ”طوبي لمن آمن ولم يري“ قد نقل أساس الإيمان المسيحي بعيداً عن تأثير الأرض و إبهار وإنبهار الجسد وحواسه الخمسة. فقد أعلن الرب له المجد أن الإيمان به هو عمل إلهي داخل كيان الإنسان إما يقبله أو يرفضه الإنسان. لذلك فالإيمان بالمسيح هو معجزته، هو يجريها في سر إلهي داخل قدس أقداس قلب الإنسان ولا يشعر بها إلا صاحبه. مثلما الأم عندما تدب حياة الخليقة الجديدة في أحشائها. فالإيمان بالمسيح ليس من أختصاص المبشرين بعد توصيل رسالة الخلاص المسيحي للآخرين.

التلاميذ :

وأظهر مجده ، فآمن به تلاميذه“.

كان التلاميذ يمثَّلون تلك الفئة من المؤمنين الذين يتبعون الرب طالبين وجهه في حياتهم كل يوم لكي يجعلها إختباراً جديداً لهم معه ” خيراتك هي جديدة كل صباح“. وقد كان تعليق الرب علي أشتياق هذه التلمذة هو ” مَن له ، يُعطَي ويُزاد“، مما يكشف أن الحياة العادية اليومية لكل مَن كانت هكذا تلمذته للرب ، هي حياة مرشحة لتكون معجزة متصلة تراها العيون المفتوحة والمشتاقة أن تري الرب في أحداث حياتها كل يوم.” طوبي لعيونكم لأنها تبصر ولآذانكم لأنها تسمع“.

الخدام :

إن الذين يخدمون المسيح قد أختاروا تكريس حياتهم لروح الرب ليستخدمهم في توصيل رسالة الخلاص ومتابعتها في حياة المخدومين . لذلك هم ينعمون كل يوم أكثر من غيرهم بشرف ونعمة المشاركة في هذا العمل الإلهي الذي يقوم به إلهنا ” أبي يعمل حتي الآن و أنا أعمل” . فنجد في أحداث معجزة الرب يسوع المسيح له المجد في عرس قانا الجليل أنه بينما “رئيس المتكأ لم يكن يعلم من أين هي الماء المتحول خمراً. لكن الخدام الذين كانوا قد استقوا الماء علِموا “وقد أعلن الروح لنا عن عظم قدر خدام المسيح بسبب معاينتهم لهذا المجد : ” مَن أشتهي تلك الوظيفة ( خدمة الرب ) فقد أشتهي عملاً صالحاً “.

“قال الرب للخدام : أستقوا الآن وقدِّموا إلى رئيس المتكإ. فقدَّموا … لكن الخدام الذين كانوا قد أستقوا الماء عرفوا “.

لو أفترضنا أن الخدام ” لم يستقوا أولاً “ ، فربما ما كانوا يجرؤن أن يقدموا إلي رئيس المتكأ شراباً هم متأكدون أنه مجرد ماء قد ملئوا به الأجران بأيديهم مسبقاً. لذلك فإن الخدمة المسيحية كما تظهرها سيرة الرب يسوع المسيح هي أرتواء شخصي من الرب أولاً تكون نتيجتها إنسكاب وفيض لهذا الإمتلاء علي الآخرين. هكذا هم خدام المسيح، لا يمكنهم بدون خبرة حياة خاصة مع شخص المسيح، أن يجرءوا علي المجاهرة بتعاليم المسيح، لأنها نازلة من فوق وبالتالي فإن لسان حال الخدام سيكون ” كيف يمكنني أن أخاطب المجتمع المادي الأناني عن المحبة والعطاء والبذل و… المسيح الإله الحق“.

رئيس المتكأ :

وهذه الشخصية بما تمثله من بشر في هذا العالم، هم الذين لم يتعرفوا علي المسيح بسبب ظروف مواقعهم في هذه الحياة الدنيا (ثقافة / مجتمع / مفاهيم …إلخ)، ورغم ذلك فإن الرب لا يترك نفسه بلا شاهد لديهم. فقد رأينا في أحداث عرس قانا الجليل كيف كان عقل الإنسان وفهمه عطية ثمينة من الله للإنسان للتمهيد للإيمان بالمسيح. فعندما قارن رئيس المتكأ ما قدموه إليه ليشرب أولاً، وبين الخمر الجيدة التي خلقها الرب يسوع من الماء، وكيف أعادت إليه الوعي، فإنه خرج بتحليل من المؤكد أن نتج عنه مزيد من البحث عن حقيقة ماحدث وبالتالي التعرف علي شخص الحق – الرب يسوع:

“فلما ذاق رئيس المتكإ الماء المتحول خمرا، ولم يكن يعلم من أين هي، دعا رئيس المتكإ العريس وقال له: «كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولا، ومتى سكروا فحينئذ الدون. أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن!».

إن مجرد إعمال العقل بفكره الإنساني وفطرته السليمة ذات المرجعية الإنسانية، يمنح الإنسان القدرة علي تحليل الأحداث مع النقد والمقارنة بغرض الإستنارة. وهذا في حد ذاته هو شهادة حرة لكل إنسان ترشده الي الحقيقية وبالتالي الحق.

والمعجزة من المنظور المسيحي ليست هي في تحويل الماء إلي خمر، بل هي أساساً في الإنفتاح علي شخص الرب يسوع المسيح و مجده. والدليل، أن كثير من الحاضرين لم يؤمنوا بالرب علي الرغم من المعجزة التي صنعها و أختبروها علي مستوي الماء والخمر فقط.

والسُبح لله.

بقلم د. رءوف أدوارد

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: خواطر في تفسير إنجيل يوحنا[الجزء السابق] 🠼 خواطر في تفسير إنجيل يوحنا<br /> الإصحاح الثاني (٢)[الجزء التالي] 🠼 خواطر في تفسير إنجيل يوحنا<br /> الإصحاح الثاني (٤)
خواطر في تفسير إنجيل يوحنا<br /> الإصحاح الثاني (٣) 1
[ + مقالات ]